قصة قصيرة
مع أن مرور السيارات بجانب هذه القرية كان اعتيادياً، وخصوصاً لدى الكلاب الضخمة التي يعيش بعضها هنا منذ سنوات طويلة، إلا أنها الليلة لم تكد تسمع صوت محرك هذه السيارة حتى استعادت ـ ودون مقدمات ـ طبيعتها المتوحشة في النباح والمطاردة، وإحساسها المرهف بوجود شيء ما، غير اعتيادي.ـ اسكتوا !! قبحكم الله من كلاب !!قال أحد الجالسين على الجثة التي وضعت كأريكة على الخانة الخلفية لـ (الهيلوكس) المسرعة الآن باتجاه الأراضي الزراعية وطرقها المظلمة .تقول من هم الكلاب، نحن وإلا هم.رد سعد، فأنخرط الجميع في ضحك هستيري، ومالبثوا أن أوقفوا ضحكهم وكأنهم يكتشفون حقيقة كانت غائبة عن الحسبان.اسكت !! أنت كلب ابن كلب .. مش نحنا ؟وانتم ايش إلا ..؟!ايش تشتي تلحق صاحبك ؟!أنتم عارفين .. رقابكم باتطير مع الرؤوس يابني ال(......)!!طيب احترم نفسك ياابن الشريفة هية !!ارتفعت الأصوات .. أوقف السائق السيارة .. الظلمة تلف المكان بعباءتها السوداء .. توقفت الأصوات .. تقافز الأفراد .. صرخ مدبر العملية، السابق (نشوان):أيش مع أبوكم يا أولاد الكلب !!شوفهم !! نعم بايقتلونيقال سعد وهو يرمق الجميع بنظرات سريعةمالك وما لأبوهم .. هيا نقبر ابن الكلب هذا !! نزلوه !! اطلبوا الله على بطونكم!!انخرط الجميع في عملية الحفر .. دفنوه كيفما اتفق .. نظروا إلى بعضهم البعض .. صعدوا على السيارة .. تحرك السائق مسرعاً .. داس على دواسة الوقود كمن يحاول الفرار من نفسه .. مر مايقارب الساعة والجميع هاربون من شيء ما في أعماقهم ..وأخيراً توقفوا .الحمد لله ياشباب على السلامة والغنيمة !!قال (نشوان) وهو ينزل من موقعه في قيادة السيارة .. تقافز الأفراد .. اخذوا يضحكون ضحكات هستيرية، ويتبادلون الشتم في أي شيء، وعلى أي شيء .. صمت السائق .. أدار شريط ذكريات السويعات السابقة .. كيف غدر بـ (رفيق) صاحب السيارة واستدرجه إلى ذلك الخلاء .. كيف نظم حركة العصابة .. وكيف خنقوه حتى الموت، ثم دفنوه .. صرخ كمن يخرج من كهف موحش:الحمدلله ياشباب !!ايش معك يانشوان !!قال سعد الذي كان ينزوي جانباًالحمد لله على هذا الصيد .. والأهم أن نفكر بصيد قادمقال نشوان، وهو ينظر نحو سعد، ويبادله بسمات باهتة .. فرد الجميع:نعم لابد من التفكير، وقبل ذلك لابد من أن نكون متحابين .. مش كلاب.قال سعد:هذا صحيح : لابد أن نكون متحابين مش كلاب !!ضحك الجميع ضحكاً باهتاً .. تبادلوا نظرات غريبة .. قال سعد:ياجماعة نشتهي نتعشي.وافقه الجميع .. التموا في مائدة على طعام جاهز مسبقاً .. امتدت الأيدي إلى الطعام .. الظلام يزداد حلكة .. الأعين تزداد عجزاً عن تمييز الصور .. لا شيء يحس الآن سوى طحن الأسنان للطعام ، وفجأة توقف الجميع .. ثمة صوت مميز لأحد الأسلحة .. صرخ الجميع بصوت واحد.من ..؟لم يجبهم احد اشتعل المكان .. تطاير الرعب .. انطلقت أسهم الرصاص .. انهمرت في كل اتجاه .. تناثرت الأجساد على الأرض، ولم تمض سوى دقائق، حتى كان سعد يقود السيارة بمفرده في ظلمة حالكة، وغبار محمل بروائح الدماء، والبارود.