نبض القلم
حينما تتعرض الأمم والشعوب للأزمات يكون من الواجب على أفرادها أن يعودوا إلى نفوسهم ليتبينوا مواضع أقدامهم ، ومواقع خطواتهم ، لأنهم يكونون يومئذ في أشد الحاجة إلى عمليات تجديد مستمرة ، أو إعادة بناء أنفسهم حتى تعود أنفسهم لتكون لبنات صالحة في بناء مجتمعاتهم. وفي ذلك يقول الله عز وجل في كتابه الكريم : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وإذا نظرنا إلى القرآن الكريم نجده يحدثنا عن خمسة أنواع من النفوس البشرية فهو يحدثنا عن : - النفس الأمارة بالسوء. - النفس المسوّلة للشر . - النفس الموسوسة بالإثم . - النفس اللوامة على التقصير . - النفس المطمئنة بالرضا واليقين. فالنفس الأمارة بالسوء هي التي تدعو صاحبها إلى ارتكاب الذنوب وعمل السيئات ، وتحرضه على الانحراف والفجور ، وتدفعه إلى الفساد وتؤدي به إلى مهاوى الضلال. والنفس المسوّلة للشر، هي التي تزين القبيح لصاحبها ، فتعرضه له بصورة الشيء الجميل ، وتصوغ أهواءها بمكر وبراعه ، فترسم الشر كأنه خير، وتقيم الدليل على أن شهواتها مقبولة، وأفعالها معقولة، فيقال : سولت له نفسه كذا تسويلا، أي زينته وحببته إليه. وهناك النفس الموسوسة ، وهي التي تهمس لصاحبها بالصوت الخفي الذي يكاد يسمع من الأعماق لتذكره بخواطر الإثم ومشاعر المنكر، وتشده إلى العودة لممارستها، وتشوقة إليها. وهناك النفس اللوامة التي تلوم صاحبها لوماً شديداً متواصلاً على ماارتكب من آثام ، أو على ماقصر من خير، وتجعله يندم على ما فات، ولذا فالنفس اللوامة نفس متيقظة خائفة حذرة ، تتلفت حولها ، والطمأنينة هي السكون بعد الإزعاج ، واليقين بعد الارتياب ، والرسوخ بعد الاضطراب ، وهي مطمئنة لأنها نفس آمنت بالله، واعتصمت بحبل الله ، ولجأت إلى حمى الله، ومن كذلك فقد استوى على الصراط المستقيم ، وهذه النفس المطمئنة المؤمنة، يناديها ربها عند لقائه يوم القيامة عند الرسول العظيم بأعظم نداء والطف دعاء وقائلاً لها: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ، فادخلي في عبادي وادخلي جنبي). هذه خمسة أنواع من النفوس التي ذكرها القرآن الكريم ، ولكل نوع منها خصوصيته وصفاته. ولاشك أن شر هذه النفوس هي النفس الأمارة بالسوء، الداعية إلى الضلال ، المحرضة صاحبها إلى الانحراف ، وتقوده إلى الفساد ، وأن خير هذه النفوس هي النفس المطمئنة الثابتة الموقنة ، وبين النفس الأولى والأخيرة منازل ودرجات. فالإنسان الغافل الضال حينما تدركه الرحمة بعد طول شقاء ينازع نفسه ويقاومها لينقلها من منبت السوء الى منبت الخير، فهو ينقلها من منزله النفس الأمارة بالسوء إلى ماهي أخف منها وهي منزله الوسوسة بالإثم ، ثم يعود فيزكي هذه النفس ويوقظ فيها صوت الضمير ، فإذا هي تصبح نفساً لوامة ، تفكر وتتدبر ، وتعتبر فتنزجر، ثم تبلغ القمة ، فإهي النفس المطمئنة التي لا تزلزلها الأهواء ، ولا تعصف بها الشدائد، بل تبقى ثابتة في أحرج المواقف وأصعبها. [c1]* خطيب جامع الهاشمي (الشيخ عثمان)[/c]