تفشي ظاهرة التسيب الوظيفي في كثير من المرافق الحكومية .. الأسباب والمعالجات
تحقيق / بشير الحزمي - هائل الصلوي باتت مسألة الغياب وعدم الالتزام بالدوام الوظيفي من قبل بعض الموظفين في العديد من المرافق الحكومية وبخاصة الخدمية منها ظاهرة سيئة تلقي بظلالها علي تدني مستوى الأداء وخفض الإنتاج وتتسبب في إهدار ساعات العمل وتعطيل مصالح الناس وتأخير انجاز معاملاتهم، فمن مرفق إلى أخر نجد مع الأسف الشديد أن هناك من يتأخرون عن أعمالهم وآخرون يخرجون باستمرار أثناء أوقات الدوام أو يغادرون قبل نهاية الدوام وغيرهم من يتغيبون عن العمل بدون عذر ، وهذا طبعاً يمثل احد أبرز تجليات التسيب الوظيفي .صحيفة14أكتوبر تتناول هذه الظاهرة وتبحث عن أسبابها وتداعياتها والحلول المناسبة للقضاء عليها وذلك من خلال هذا التحقيق الذي نتناول فيه آراء مختلف الأطراف المعنية بهذه الظاهرة من مسؤولين ومختصين وموظفين وغيرهم .. والي التفاصيل :-[c1]((نماذج لحالات التسيب))[/c]الأستاذ/ عبدالحافظ أحمد المجيدي مدير عام الشؤون الإدارية بوزارة الأشغال العامة والطرق تطرق إلى واقع ما يمكن أن يؤدي إليه التسيب الوظيفي في أي مرفق من انعكاس على الموظفين المثاليين الذين يضرب بهم المثل في الهمة والنشاط والانضباط وإذا بهم فجأة وبدون مقدمات نجدهم غير منضبطين وغير قادرين على التمسك بالمبادئ الوظيفية العامة لأنهم يشاهدون بعضاً من زملائهم الموظفين الذين هم يصابون بعدوى التسيب الوظيفي يفلتون من الرقابة الوظيفية ناهيك عن عدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم عند كثير من الجهات.ونوه بأن هناك نماذج لحالات التسيب والإهمال بالوظيفة العامة التي قد يسميها البعض (ظروف خاصة) أو قد يطلق عليها البعض الآخر إهمالاً متعمداً أو تقصيراً أو غير ذلك من الأوصاف الأخرى ولكن مهما كانت التسميات والمبررات المتعددة فإن ظاهرة تنصل الموظف عن الالتزام بالدوام تظل بحاجة لمزيد من التعامل الإداري المتميز والناجح والمتابعة المستمرة للموظف من قبل رئيسة المباشر لمعرفة ما تم انجازه وفقاً للخطة السنوية المرسومة في بداية العام كما يجب معرفة الأسباب الرئيسية التي تدفع بالموظف إلى الإهمال والتقصير ومعالجتها ومنع قيام الرئيس المباشر للموظف بتوزيع العمل على بعض الموظفين وترك البعض بدون عمل حيث يفترض أن يقوم الرئيس المباشر أو المدير بتوزيع العمل على موظفيه جميعاً ومتابعتهم بصورة مستمرة وفقاً لتخصصاتهم كما يجب معرفة الأسباب والدوافع الرئيسية التي تجعل هؤلاء الموظفين يضطرون للجوء إلى الإهمال والفرار من الدوام الرسمي ومن الوظيفة العامة .. كالذي يحدث في بداية الدوام ونهايته وحقيقة هناك الموظفون الملتزمون بالدوام ممن تجدهم يذهبون إلى أعمالهم في أوقات محددة ويلزمون مكاتبهم ولا يغادرونها إلا في الأوقات المحددة لهم ويستلمون رواتبهم مقابل أدائهم لإعمالهم ويحاسبون على تقصيرهم ويعاقبون على عدم انضباطهم كما هو حاصل لدينا ونعمل على تطبيقه حالياً في وزارة الأشغال العامة والطرق.وأوضح بأن هناك نقصاً من حيث اتخاذ وتطبيق القرارات عندما نلاحظ ونجد فوضى وتسيباً وعدم التزام الكثير من الموظفين بالتواجد في مقرات أعمالهم من بداية الدوام وخروجهم خلاله أو مغادرتهم قبل نهاية الدوام مما يحدث هذا التسيب بشكل ودي عبر التنسيق مع زملائهم من الموظفين ويرى بأن الحل الوحيد هو وضع التقنيات التي لا تجامل ولا تحابي بحيث يلزم كل موظف باستخدام بطاقته الوظيفية الممغنطة عند دخوله العمل أو مغادرته الوظيفة وضرورة تطبيق النظام ومبدأ للثواب والعقاب حتى ولو أدى ذلك للفصل وتعيين العاطلين المتلهفين للعمل بدلاً عن المستهترين بمسألة الدوام الرسمي وبالالتزام بالوظيفة .
[c1]((تصحيح في بيئة العمل))[/c]أما الأستاذ/ محمد سيف أحمد فيؤكد بأن ظاهرة التسيب الوظيفي من أهم المشاكل التي تختلف فيها أراء الكثيرين وهناك من يرى أن الوظيفة العامة بالدولة والأجهزة التابعة لها مهضومة من حيث إعطائهم حقوقهم المكتسبة وان الراتب الشهري الذي يتقاضاه الموظف غير كاف لتغطية احتياجات الحياة المعيشية في ظل ارتفاع الأسعار التي ازدادت بشكل ملحوظ وفي الوقت نفسه يشاهد هذا الموظف بأن هناك حالة من التضخم يرزح تحت أعباء هذه الحياة الثقيلة وتتمثل على حد سواء بانخفاض القيمة الشرائية الفعلية لرواتب وأجور الموظفين مما يجعلهم يبحثون عن طرق أخرى لزيادة دخلهم الشهري وبالطبع هناك من يقترح بعض الأشياء وآخرون يرون أن الوظيفة العامة بالدولة بحاجة إلى تصحيح في بيئة العمل والنظر في بعض اللوائح التي لا تتناسب مع إطار تخصصاتهم وبالتالي يجب على المسئولين بالدولة دراسة هذه المشكلات والظواهر الاجتماعية التي تشكل عقبه أمام استمرارية إنتاجية الموظفين ووضع الحلول والمعالجات المناسبة للموظفين الآخرين الذين نجدهم فقط يحضرون للتوقيع في الصباح الباكر ولا نشاهدهم إلا نهاية الدوام الرسمي حينما يحضرون لتوقيع الانصراف ممن يشكلون عبئاً ثقيلاً على الوظيفة العامة والدولة.[c1]تعطيل للمصلحة العامة[/c]وفي تفسير آخر لظاهرة التسيب الوظيفي هو ما يعتبره الدكتور/ خالد سلام المنصوري أحد الباحثين الاقتصاديين اليمنيين بأن الوظيفة هي عنصر العمل وأحد العوامل التي تدخل في دائرة العملية الإنتاجية وأن الدولة تحسب إنتاجها في نهاية أعمالها الوظيفية من خلال تحديد عدد الموظفين وساعات العمل المطلوبة يعد الاستهتار بالوظيفة من المخالفات المسيئة للعمل فالموظف يجب أن يلتزم بأداء عمله منعاً لحدوث التسيب الذي قد يؤدي إلى إهمال العمل وتقليص الإنتاج فيه حتى لا يحدث تضخم في العمل الوظيفي وانخفاض إنتاجية الأعمال الفعلية فعلى سبيل المثال إذا كان هناك عمل يحتاج 40 ساعة في الأسبوع لانجازه وقد يصل حجم التسيب الوظيفي الموجود إلى 35 ساعة أسبوعياً بمعدل ضياع 3 ساعات يومياً.فظاهرة التسيب الوظيفي التي صارت متفشية بصورة كبيرة في عدد من الوزارات والجهات الحكومية الأخرى التي باتت تعاني من ذلك وتقف عاجزة أيضاً عن إيجاد الحلول المناسبة من أجل القضاء عليها مما يؤدي بدورة إلى غياب العدالة والمساواة بين الموظفين وتعطيل المصلحة العامة ويكبد إنفاق الدولة جزءاً كبيراً من رواتب الموظفين على غير مستحقيها من المتسيبين غير ملتزمين بالدوام الرسمي.[c1]((الوظيفة.. أمانة ومسئولية))[/c]وعن نظرة الشرع لهذه المسألة يقول الشيخ / عبد الحق ثابت احد العلماء الشرعيين بأن أداء الوظيفة أمانة والمسلم مؤتمن على أداء عمله على أكمل وجه وهو محاسب أيضاً على العمل في أداء وظيفته بطريقة صحيحة ويشيرون بذلك إلى قصة ما دار بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أبي ذر الغفاري عندما طالب بوظيفة فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر أنك ضعيف وأنها أمانة وأنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه منها .إذاً يجب هنا أن يقوم الموظف بكل واجباته الوظيفية خير قيام وأن ينجز ما حدد له من مهام في نطاق عمله بإتقان وبأن يكون الموظف خدوماً مع الجميع في قضاء مصالح الآخرين التي تقع تحت مسؤولياته سواء كانوا هؤلاء الناس من المستضعفين والعجزة أو من ذوي المناصب والنفوذ العليا .. فإن من الواجب عليه ألا يجعل الوظيفة أداة استغلال ينتقم خلالها من عدوة أو يقرب فيها شخصاً أو يخدم صديقاً يعرفه.وإن من أمانة الوظيفة كذلك إلا يستعمل الموظف شيئاً من ممتلكات الدولة التي يعمل فيها مثل أجهزة التلفونات والسيارات وغيرها من الأشياء في قضاء مصالحة الخاصة حيث يتنافى ذلك مع مبدأ الأمانة والإيفاء بها بحسب ما أوصى به ديننا الحنيف.
[c1]جذور اجتماعية وسيكولوجيه[/c]من جانبه يوضح الدكتور /مجدي سالم أستاذ علم النفس بأن ظواهر غياب الموظفين من أعمالهم وكذلك عوامل خروجهم أثناء الدوام له روابط أساسية عملية في التقيد بالالتزام بالقانون والأنظمة الإدارية وله جذور اجتماعية سيكولوجيه وعوامل نفسية لا يمكن فصلها عن طبيعة العلاقات والقيم السائدة في المجتمع نفسه فمتى ما اقتنع أفراد المجتمع جميعاً بهذه الأنظمة فإنها تصبح جزءاً من كياناتهم وعاداتهم السلوكية ويؤكدون إلى أن التجارب قد أثبتت أهمية إجراء الاختبار المهني والاختبارات الفكرية النفسية في تقليل الأخطاء التي تحدث نتيجة الاختيار العشوائي للموظفين أثناء التوظيف وبأن التسيب الوظيفي الذي صارت نسبته تكثر في المجتمعات الشرقية أكثر من المجتمعات الغربية نظراً لعدم وضع الموظف والمسؤول المناسب في المكان المناسب من حيث إمكانياته وقدراته بالوظيفة التي يجب بأن تكون مناسبة مع تخصصاته وإبداعاته الذهنية وانسجامه.[c1]ظاهرة متفشية[/c]أما المحامي/ معمر محمد عبد الله السفياني فيرى أن غياب الموظفين أو تسربهم من مكاتبهم أثناء الدوام الرسمي أصبحت ظاهرة متفشية في كثير من المصالح والمؤسسات الحكومية وهذا يؤدي إلى تعطيل أعمال المراجعين وتأخير قضاء حوائج الناس بالإضافة إلى التأخير في إنجاز ما يكلفون من أعمال والسبب بنظري يعود إلى عدم الرقابة على الموظفين من قبل رؤسائهم أو عدم تطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الموظفين ومكافأة الملتزمين ومعاقبة الغير ملتزمين ، وقد حدد القانون واجبات الموظف ومنها المواظبة في العمل واحترام مواعيده ووضع عقوبة لمن يخالف تلك الواجبات جاء ذلك في نص المادتين (13 ، 111) من القانون رقم (19) لسنة 1991م بشأن الخدمة المدنية وأعتقد أنه إذا ما تم تطبيق تلك العقوبة ضد كل من يرتكب مخالفـة عدم الحضور إلى العمل أو مغادرة العمل بدون عذر فإنه حينها سيكون هناك نوع من الانضباط والالتزام بالعمل ولما تعطلت مصالح الناس أو لما أدى ذلك إلى تأخير إنجاز الأعمال المطلوبة.[c1]قلة الدخل الشهري للموظف[/c]بدوره تحدث الأخ/ نجيب ناصر الكميم مدير الأنشطة الفنية والاجتماعية بوزارة التربية والتعليم عن واقع ظاهرة التسيب الوظيفي في الوزارات والمصالح الحكومية فقال إن من أهم العوامل المؤدية إليه هو قلة الدخل الشهري للموظف مقارنة بالارتفاعات السعرية الحاصلة في أسعار السلع الرئيسية المرتبطة بالحياة المعيشية وأوضح بأن غياب الوازع الديني لدى البعض من الموظفين له تأثير على الدوام الرسمي والذي يتمثل بعدم الالتزام بالعقد المبرم بين الموظف والجهة التي يعمل فيها إلى جانب بروز ضعف في الانتماء الديني والوطني الولاء للوظيفة العامة من قبل الموظف نفسه وكذلك عدم فهم للقانون بطريقة صحيحة من بعض المسؤولين وأيضاً في تطبيقهم مبدأ الثواب والعقاب بين شرائح الموظفين وأضاف أن تدني مستوى المؤهلات والخبرات والمقدرة على إدارة الأعمال لدى العاملين بالوظائف ووضع القيادات الإدارية المؤهلة بالأماكن المناسبة له ارتباط بظاهرة الانفلات الوظيفي فإن وجدت المؤهلات والخبرات يبقى هناك ضعفاً بالجانب الفكري والقيمي عند الموظف وليس بالوظيفة ، وأردف بالقول إن الإهمال بالدوام الوظيفي له أسباب رئيسية منها القيام باعتماد الوظيفة على الواسطة في المقام الأول ووجود الأفكار الخاطئة في التعامل مع الوظيفة العامة التي ما زالت تسود البعض من هؤلاء الموظفين وتغيب الكوادر القيادية بالدولة أو تأخرها عن الحضور في الوظيفة بالأوقات المحددة وفق الدوام الرسمي واستعجالهم بالخروج منها ظهراً وهذا بالطبع يجعل الموظفين الصغار لا يعيرون لأعمالهم أدنى اهتمام ويجهلون كذلك معرفتهم ماذا يعملون في الوظيفة إلى جانب انعدام الخلق والإبداع لدى الموظف من حيث عدم اطلاعه على التطورات الجديدة ومطالعاته أيضاً للبحوث العملية وركونه إلى القات والمقيل الذي أصبح يأخذ كل وقته وهو ما يتوجب على الدولة والجهات المعنية إعطائها الفرص السانحة لجميع موظفيها الذين لا يمتلكون المؤهلات للالتحاق بالدورات التدريبية والتأهيليه من أجل رفع مستواهم العلمي والعملي بما يتناسب مع فئات وظائفهم.