- ما فعله نواب في جلسة أمس الأول هو ما كان يجب أن يفعلوه منذ أشهر، خاصة بعد أن اتضح للجميع أن تلك القوى التي ظلت تزايد على الحوار والتوافق لا تؤمن بالحوار ولا ترغب في التوافق، ولا تمتلك قدرة على السير في الطريق المستقيم الذي يمكن أن يوصلها إلى تحقيق حضور يحترم ومكاسب مشروعة.- ويعلم الشعب اليمني قاطبة أن الأزمات السياسية التي تتحدث عنها هذه القوى ليس لها أساس ولا مبرر سوى تلك النوازع والمطامع والنوايا المبيتة لتحقيق مكاسب غير مشروعة لقوى وأحزاب عجزت عن تحقيق مراميها بالطرق المشروعة وأخفقت في إقناع جماهير الشعب اليمني بقدرتها على تحقيق آماله وحماية مصالحه وإدارة شؤونه، فانصرف عنها وعن رؤاها وبرامجها ليضع ثقته حيث يرى المصداقية ماثلة في برامج ورؤى وتوجهات جادة تسير نحو تحقيق الأمل وتلبية الحدود الممكنة من التطلعات.- وفي كل التجارب الانتخابية الديمقراطية التي شهدها الوطن منذ إعادة تحقيق وحدته المباركة في 22 مايو 1990م. كانت النتائج تأتي على غير ما تشتهي تلك القوى الغارقة في زيف التنظير والمزايدات وأزمنة الوصاية والشمولية .. وبدلاً من أن تستفيد تلك القوى من هذه التجارب لتقييم أدائها ورؤاها وبرامجها، وتعيد النظر في سياساتها التسطيحية وتوجهاتها الموغلة في ثقافة الاقصاء، نجدها تنبري بعد كل عملية انتخابية لتشكك في النهج وتختلق المبررات والذرائع، وتلقي بمسؤولية إخفاقاتها على الآخرين، لتشرعن لنفسها الكفر بإرادة الجماهير والتنكر لقيم الديمقراطية والقفز على الدستور والتشريعات النافذة.- وليس جديداً ما شهده الوطن خلال العامين الماضيين من أحداث سياسية ومحطات شدٍّ وجذب لم تخرج عن نمطية افتعال الأزمات السياسية بمشاريع وشطحات هي أقرب إلى التآمر والانحراف والتهور منها إلى الفعل السياسي المشروع الذي تكفله التشريعات النافذة في وطن آمن بالديمقراطية وسار في طريقها ويحتكم لقيمها وضوابطها قولاً وفعلاً.ويلتزم بها فكراً ونظرية وتشريعاً وممارسة، ووحدها تلك القوى المجبولة على التسلط تحاول اجترار ماضيها الشمولي وأيديولوجيتها المتحجرة وثقافة الأنانية التي تربت عليها في دهاليز التعبئة الإقصائية، لتفتعل الأزمات وتلبد أجواء الديمقراطية بغُثاء ما خلفته أزمنة التآمر وعهود التخلف والبؤس والديكتاتورية والوصاية والبابوية المقيتة.- ولأن هذه القوى لا تنتمي لعصر الديمقراطية ولا تؤمن بقيمها، وليس في ثقافتها ورؤاها وتوجهاتها وأيديولوجياتها شيء من قيم الحوار والتجديد والتجدد والأخذ والعطاء والقبول بالآخر والمرونة في التعاطي مع متغيرات الحياة كلها، فإنها قد فشلت في تحديث آليات ووسائل أدائها وتطوير نفسها والاستفادة من تجارب الآخرين وتجاربها، وفي كل مرحلة من المراحل التي مضت وجدنا تلك القوى المأزومة فكراً ونظرية وتفكيراً وسلوكاً تكرر نفسها، وتعيد إنتاج تجاربها المجربة لتثبت عقماً متأصلاً يرسخ لدينا اليأس من إمكانية صلاحها أو إصلاحها وإن على المدى البعيد.- وتعلم تلك القوى أن الإصرار على السير في الدروب المتعرجة، ومنهجية حفر الخنادق في طريق التطور الديمقراطي له ما له من التبعات والآثار السلبية على النهج الديمقراطي الذي يمثل أهم ضمانات الاستقرار والتنمية، ولذلك حاولت - وما زالت تحاول - خلط الأوراق وتزييف وعي الجماهير بخطاب سياسي ملغوم يسوق الأداء السياسي المنحرف على أنه سلوك ديمقراطي مشروع، ويبتكر للأزمات التي تفتعل والجرائم التي تقترف في حق الشعب والوطن والثوابت والمستقبل مسميات براقة من القاموس الديمقراطي في حين أن ما يمارس وراء تلك المسميات والشعارات يندرج في إطار من الفوضى والانحراف والأعمال المجرمة في تشريعات الأرض وشرائع السماء.والهدف هنا لا يقتصر على التخفي والتستر والهروب من المساءلة القانونية والالتزامات الأدبية والأخلاقية وحسب، بل يمتد إلى استهداف الديمقراطية وتشويه صورتها وربطها بسلوكيات الفوضى والانحراف، والقفز على الثوابت والتشريعات والحقوق العامة والخاصة، ولسنا بحاجة إلى الاستشهاد مجدداً بمواقف حزبية مخزية خذلت الشعب وتملصت من الانتصار للثوابت والسيادة والاستقرار والتنمية، بل تجاوزت ذلك إلى تبرير جرائم اقترفت في حق الوطن والشعب ومكاسبه وأمنه وقيمه .. وتصدرت - ولا تزال تتصدر - الدفاع عن المجرمين والمخربين والإرهابيين والمنحرفين.- كل هذا التخبط والانحراف حدث ويحدث على مسمع ومرأى من الله والشعب مشفوعاً بافتعال وتغذية الأزمات وبؤر القلق والتوتر لخلق بيئة صالحة للابتزاز تحت مسمى «الحوار والتوافق»، ليتضح أن المقصد إيجاد سوق قابلة لتمرير صفقة مصالح غير مشروعة ظهرت مكشوفة الوجه والظهر والبطن تحت قبة البرلمان وفي كل جلسات الحوار الذي أغلق على أجندة اشتراطات وطلبات ومطامع لا علاقة لها بمصالح الوطن والشعب، ولا بشرف النضال ولا بآمال الجماهير ولا بقضية تتصل بمستقبل هذه البلاد وأجيالها.- وحين اقترب موعد البدء في التحضير للاستحقاق الديمقراطي الذي ينتظره الشعب ليضع لبنة جديدة في صرح الديمقراطية تلملمت تلك الأزمات المفتعلة واتجهت الجهود والآراء والخطاب ومفردات الحوار لتشكل هرماً أدناه وأركانه مفردات الفوضى، ورأسه اقتسام اللجنة العليا للانتخابات وتفصيل القانون الانتخابي وقضايا ومكاسب أخرى ذات صلة بنتائج الانتخابات البرلمانية القادمة بعيداً عن إرادة الجماهير.- ولأن المكر السيئ يحيق بأهله سارت الأمور على النحو الذي رأينا يوم أمس الأول، لينتهي مسلسل الابتزاز بموقف دستوري وقانوني ووطني مسؤول اتخذه نواب الشعب وحسموا الأمر لصالح الوطن والشعب والديمقراطية وإرادة الشعب، محتكمين للدستور والقانون وقيم الديمقراطية ومقدمين مصالح الشعب والوطن.ولا عزاء لمن يتضاد مع إرادة الشعب التي هي من إرادة الله.
انتصار للوطن والشعب والديمقراطية
أخبار متعلقة