لقد دار جدل كثير واجتهادات عديدة خلال التاريخ الإسلامي حول الإسلام والفنون الجميلة(رسم-نحت-تصوير وغيرها)وألفت رسائل وكتب في هذا الموضوع راوحت بين التحليل والتحريم،ولم يستوفِ الإجماع حقه في هذه المسألة الخلافية إلا في محاذير ثلاثة إذا كان استعمال الفن من أجل الإشراك بالله فهذا كفر والعياذ بالله،أو كان الغرض من هذا الفن مضاهاة الله وهذا شرك أيضاً،أو كان هذا الفن يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة ويفسد الأخلاق والقيم فهذا والله عين الفسق والكفر والفجور..ماعدا ذلك فإن الفن وسيلة من وسائل ليست حراماً في حد ذاتها،وإنما الحرام في كيفية استخدامها..فحلالها حلال وحرامها حرام قياساً على فن الشعر.والوسيلة حسب ما توسلها الإنسان وحسب مقصده وغرضه ونيته والأعمال بالنيات وأمور الدين بمقاصدها،والأصل في كل شيء هو الحل وما الحرمة إلا فرع منه،أنظر الآية(29)من سورة(البقرة).وأمور الحرام والحلال من اختصاص رب العالمين،وقد دارت حول الخبيث والطيب والضار والنافع.والمحرمات في الدين معدودات بالأصابع إذا قورنت بالمباحات التي لا حصر لها “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها..” “هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً..”.لقد أوردنا هذه المقدمة الفقهية المختصرة كمدخل ضروري عند الحديث على فكرة تمس نظرة الإسلام للفنون من خلال استلهام ثلاثة أحاديث رويت عن إمامنا وقدوتنا وأسوتنا ومثلنا الأعلى النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)،دارت هذه الأحاديث الثلاثة حول استخدام أو استعمال النبي الأمي إحدى مفردات الفن التجريدي الحديث بلغتنا المعاصرة كوسيلة تفسيرية أو تأويلية أو تعليمية أو تربوية.وقبل التذكير بهذه الأحاديث ينبغي توضيح وتعريف بعض الأمور والمفاهيم والمصطلحات الفنية المهمة هنا من قبيل الفن الذي يطلق على مايسمى الصنعة أو التعبير الخارجي عما يحدث في النفس من بواعث وتأثرات بواسطة الخطوط أو الألوان أو الحركات أو الأصوات أو الألفاظ أو غيرها..سيقتصر حديثنا هنا على ذكر الفن التشكيلي بشكل عام ، وعلى وجه التحديد خطوط الفن التجريدي بشك لخاص فالفن التشكيلي هو الذي يسعى إلى تحويل المادة الأولية إلى شكل (عمارة- نحت –تصوير- زخرفة- وخلافها).والتجريد: هو ما يتخطى، من الفنون التشكيلية (التصوير والرسم والنحت محاكاة المرئيات أي مالايمثل العالم المحسوس ( الواقعي أو الخيالي)، مستخدماً الخطوط و الألوان والأشكال الهندسية والأنغام الموسيقية وغيرها والمادة لذاتها.والتجريدية: اتجاه حديث يقوم على تصوير فكرة الفنان أو شعوره تصويراً لايعتمد على محاكاة موضوع معين كما ذكرنا.والفن التجريدي أو اللاصوري أو اللاشكلي أو اللاموضوعي يثار فني عالمي كان ظاهرة مميزة في القرن العشرين حتى الوقت الراهن.ومن مفردات هذا الفن: الخط (LINe).والخط هو مجموعة من النقاط المتصلة أو هو نقطة ممتدة.والخط في اللغة: هو اثر يمتد امتداداً ومن الباب الخطة: الأرض يختطها المرء لنفسه، لأنه يكون هناك اثر ممدود .بقى أن نذكر الأحاديث النبوية المتعلقة بفكرة مقالتنا هذه والتعليق عليها: 3928 حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وحدثنا يزيد أخبرنا حماد بن زيد عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبدالله بن مسعود قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل قال يزيد متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ ( إن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله).- حديث رقم 3928 :* تخريج الحديث : أخرجه البخاري في الرقاق 5938، أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 2378، أخرجه ماجة في الزهد 4221، أخرجه الدارمي في المقدمة 204، الرقاق 2613.* أطراف الحديث : مسند المكثرين من الصحابة 3470، 4205.* ( إن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا.. ) آية قرآنية : سورة الأنعام آية رقم153.2751 حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا داود عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط قال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.- حديث رقم 2751 :* أطراف الحديث : مسند بني هاشم 2536، 2805.4221 حدثنا أبو بشر بن خلف وأبوبكر بن خلاد الباهلي قالا حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان حدثني أبي عن أبي يعلى عن الربيع بن خثيم عن عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط مربعاً وخطاً وسط المربع وخطوطاً جانب الخط الذي وسط الخط خارجاً من الخط المربع فقال أتدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان الخط الأوسط وهذه الخطوط إلى جنبه الأعراض تنهشه أو تنهسه من كل مكان فإن أخطأه هذا أصابه هذا والخط المربع الأجل المحيط والخط الخارج الأمل.- حديث رقم 4221 :* تخريج الحديث : أخرجه البخاري في الرقاق 5938، أخرجه الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 2378، أخرجه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة 3470، أخرجه الدارمي في الرقاق 2613.تلك الأحاديث تعطينا صور توضيحية بالخطوط المستقيمة والمربعة فقد خط الرسول النبي الأمي عليه الصلاة والسلام معاني الأشياء في ( الأجل – الأمل – الأعراض ) وهي أشياء معنوية وهذه المعاني المجردة لا ترسم بخطوط مجردة ورمز لأعظم نساء أهل الجنة وأفضلهن بالخطوط الأربعة يدلنا على أن الخطوط المجردة تكاد تكون لغة بصرية عالمية يقرأها الأمي والمتعلم والعربي والعجمي. وأرقى وسيلة تفسيرية وتأويلية وتعليمية وتربوية ناجحة وناجعة من أجل تقريب المعاني للسامع عندما يتخيل تلك الخطوط أو للرائي الذي كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم فسمع ورأى من خلال وسائل سمعية وبصرية وهذا استخدام أو استعمال للفن للاستدلال به عن معانٍ مجردة وبواسطة رسوم أو خطوط مجردة أو تجريدية.فهل استخدام الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم هذه الوسيلة التعليمية التفسيرية كطريقة تعبيرية مجردة قبل التنظير للفن التجريدي الحديث والمعاصر بمئات السنين.؟!!وبذا يكون الرسول النبي الأمي الذي تجاوز عصره في الماضي بإذن الله ليصبح هو الرجل العصري لكل عصر ولكل زمان ومكان حتى قيام الساعة.صلوات ربي وسلامه عليه فليتعلم من أصحاب القلوب المتحجرة الزائغة التي تنظر إلى الفنون بتجهم وعيون سوداوية مع علمهم بأن الله جميل يحب الجمال ولكن يبدو “أن الذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً “.[c1]* فنان تشكيلي وخطاط – معهد الفنون الجميلة - عدن[/c]
|
ثقافة
هل استخدم النبي صلى الله عليه وسلم إحدى مفردات الفن التجريدي كوسيلة تفسيرية أو تعليمية أو تربوية؟!
أخبار متعلقة