( 14 اكتوبر )تفتح ملف قضايا السلاح في اليمن:
[c1]* اعترافات متأخرة من أقسام الطوارئ في المستشفيات[/c]صنعاء - تحقيق/ عبد الواحد الضراب / عبد الله بخاش / تصوير: توفيق العبسي( السلاح ما يقتل إلا صديق) هكذا يقولون في المثل المشهور، وهو حقيقة ماثلة للعيان وصدق من قال ( القوة إن لم ترافقها حكمة وعقل تصبح شرارات متطايرة على رؤوس العباد ) والأسلحة النارية وغيرها هي واحدة من مصادر تلك القوة ،فكثيرون ممن يهوون حمل السلاح ويعتبرونه نوعاً من الرجولة ذهبوا ضحايا لهذا الصديق المشئوم ، وكثير من الحوادث جاءت نتيجة لحمل السلاح وإساءة استخدامه وأودت بحياة الأبرياء، عمداً أو خطئَاً ، فهذا يقتل أخاه ، وذاك يقتل زوجته ، وآخر يقتل صديقه وبعضهم يقتل نفسه بسبب عبثه بالسلاح ،وحوادث مؤلمة كثيرة حولت الأفراح إلى أحزان والصحة إلى بلاء والعافية إلى إعاقة دائمة تلازم الشخص المصاب طوال حياته ، وحتى الطفولة البريئة لم تسلم أيضاً من رصاصات الطائشين والمهووسين بحب السلاح، ولمزيد من المعلومات عن الحوادث الناتجة عن حمل السلاح وسوء استخدامه قمنا بزيارة استطلاعية إلى أقسام الطوارئ والرقود في المستشفيات الحكومية بالأمانة بغية الوقوف عن كثب على مصائب حمل واستخدام السلاح والاستماع إلى قصص بعض ضحاياه فخرجنا بالخلاصة الآتية:لم نكن نتوقع ما شاهدناه من فواجع ونكبات حلت بأصحابها رغم إدراكنا المسبق لطبيعة ونوع المفاجئات التي قد ننقلها في هذه المهمة الصحفية لقرائنا الكرام كشواهد حية على جرم السلاح بحق الإنسانية والسلم الاجتماعي، البداية كانت من المستشفى الجمهوري التعليمي ثم عرجنا على هيئة مستشفى الثورة العام بالأمانة واللذان التقينا فيهما بالمسؤولين وأبدوا تجاوباً واهتماماً كبيرين بموضوع مهمة التحقيق الذي نسعى من خلاله إلى استكشاف معاناة ضحايا السلاح والحديث مع المختصين عن الموضوع.[c1]إعاقة دائمة[/c]الضحية الأولى التي التقينا بها مثلت لنا عنواناً لطفولة بريئة لم تسلم من خطر السلاح، فبينما كان الطفل علي ضباب ذو الخمس السنوات القادم من مديرية بني مطر بصنعاء؛ يعبث بقنبلة يدوية ربما ظنها للوهلة الأولى أنها من أسلحة ( سلاحف النينجا أو القوة الضاربة ) التي يشاهدها على التلفاز ليتفاجأ انها لم تكن كذلك بل قنبلة حقيقية أودت بيده ، وأذرفت مدامع والديه دماءً .تحكي لنا والدة الطفل عن الحادثة بقولها "كان ولدي يلعب قريب مني فما سمعت إلا قارح،رحت أبسره وقلت له ما هو هذا يا ولدي ؟ فما دري ما يقول من الفجيعة ، وبعد شوية ابسرت الصاعق حق القنبلة (الحلقة) في يده الثانية وما دريت انا من اداها له لما قرحت به وشلت أصابع يده" .[c1]جسد ورصاص[/c]أما الأخ عبد السلام حنش من مديرية خمر- عمران فله قصة يلعب القدر فيها ربما دور البطولة فهو طالب مبتعث للدراسة بمصر وليس بينه وبين أحدٍ مشاكل كما يقول الا ان القدر كان من نصيبه في هذه الزيارة حيث يحكي لنا عن الحادثة بقوله" كنت نائماً في البيت قبل أسبوعين وما دريت إلا بإطلاق الرصاص علي فجأه من قبل شخص مجهول لا أعرفه ، فأطلق علي ست رصاصات وكنت وحدي في البيت وقتها فاتصلت بابن عمي واخبرته بالحادث وأسعفت الى المستشفى في عمران ثم نقلوني إلى المستشفى الجمهوري بصنعاء وعملوا لي ثلاث عمليات لإخراج الرصاص الست التي استقرت كلها في جسدي الأولى دخلت من ظهري وخرجت من رقبتي والثانية من تحت ذقني وثلاث رصاص ثنتين في الكوده اليمني وواحدة في الكودة اليسرى والسادسة لازالت في الصدر ولم تخرج حتى الان .[c1]طيش السلاح[/c]ولان السلاح يفاقم مشاكل الحياة عندما يعتبره بعضهم مصدر قوتهم وآلية حسم لخلافاتهم فقد وقع ماجد العكرمي ( 28عاما) ضحية أخرى لإطلاق رصاص غادر إثر نشوب خلاف حاد أقحمت فيه الأسلحة النارية على قطعة ارض تملكها خالته في منطقة مذبح وبسطت عليها مجموعة مسلحة بالقوة ويقول " بعد ما شلوا الأرض بالقوة لا ادو لنا زلط ولا البصيرة فرجعت جمعت لي اربعة انفار وذهبنا بدون سلاح وعمرنا لها غرفة في الأرض وفي الليل كنت جالس أنا وخالتي فجاء بعض الأشخاص وأطلقوا علينا الرصاص مباشرة دون سابق إنذار واصبت في رجلي" ويضيف قائلا: " أدعوا الموطنين الي عدم حمل السلاح او استخدامه في المشاكل فعلينا تركه لأنه خطير ويؤدي الى حوادث ومآسي تظل طوال الآبد واطالب بتطبيق قرار منع حمل السلاح حتى نعيش في آمن وآمان".[c1]أصابني أبني[/c]ومن غرائب الحكايات التي حدثت لبعض ضحايا السلاح والتي قد لا تخطر على بال أحد ما حدث للأخ / رمزي حمود ويعمل باحد اقسام الشرطة بصنعاء فالسلاح الذي كان رفيقه على الدوام تحول له فجأة إلى مصدر خطر كاد أن ينقله إلى العالم الآخر فقد تحولت حياته بضغطة زنادٍ ليست في الحسبان إلى مصيبة حلت به ولا يزال يعاني منها حتى اليوم .يحكي لنا رمزي قصته فيقول" قبل ثلاثة أشهر تقريباً خرجت إلى العمل ، وشليت ابني معي ، وفي القسم أخذ ولدي المسدس بعد ما ابعدت خزنة الرصاص منه (القشطة ) وما دريت ان به رصاصة في بطن المسدس فوجهه إلى عندي وقال أرميك ،فقلت ( ناهي ) فضغط على الزناد ورماني في فمي فكسرت اسناني واستقرت في رقبتي وأسعفوني زملائي الي المستشفى العسكري ولكن الدكاترة قالو لي بان نسبة نجاح العملية ضئيلة جدا ولا يضمنوا لي نجاحها والآن الرصاصة جالسة في رقبتي ".[c1]حكايات غريبة[/c] أما الأخت سميحة ذات العشرين ربيعاً فقد أصيبت بإعاقة دائمة ناتجة عن رصاصة طائشة اخترقت صفحة عنقها واستقرت فيه عندما أطلت من نافذة المنزل لترى من يناديها ، وكما أفاد الدكتور المعالج بأن سميحة قد أصيبت بشلل رباعي في الأطراف الأربعة وبذلك تظل إعاقة دائمة والفاعل مجهول لا أحد يعلم من هو إلا كونها رصاصة طائشة من دون مصدر.لم نتمكن من معرفة بقية التفاصيل من سميحة لأنها كانت غارقة في غيبوبة طويلة على إثر ذلك .كذلك ناجي علي من محافظة شبوة يرقد حالياً في مستشفى الثورة بعد أن وقع ضحية حرب بين قبيلتين لا ناقة له فيها ولا جمل.يحكي ناجي قصته فيقول “ فاجأتني رصاصة طائشة عندما خرجت من الدكان الذي أشتريت منه بعض المقاضي ، ودخلت في فخذي الأيمن وتم إسعافي على إثرها إلى مستشفى الثورة ،و لم أدر من أي طرف جاءت هذه الرصاصة”.واغرب الغرائب حكاية جميل المطري الذي نقلته رصاصة طائشة أخرى إلى المستشفى بدلا من عودته إلى المنزل ، وللحكاية تفاصيل أخرى ذكرها لنا جميل بنفسه فيقول ( بعد أن أستمتعنا بوقتنا في العرس و خزنا وزفينا وكملنا ،قمنا نروح البيت أنا وأثنين من أصحابي ،وبعدنا شوية عن العرس سمعنا إطلاق رصاص ،وما حسيت إلا بشي دخل في يدي اليسرى وما ظنيت أنها رصاصة ؛ فبعدت الكوت وما ابسرت إلا الدم ينزل من يدي فقام أصحابي بإسعافي إلى المستشفى “.[c1]ندفع الثمن غالياً[/c]الدكتور محمد احمد القدسي – أحد المختصين الذين التقيناهم في المستشفى الجمهوري بصنعاء وتحدث لنا عن حوادث السلاح وما ينتج عنها من مآسي وإصابات خطيرة فقال "من الصعب التحكم او السيطرة على الاسلحة النارية أو ضبط النفس بصحبتها أثناء الخلافات و النزاعات فمعظم الحالات التي تصل المستشفيات تكون خطيرة وعميقة في الغالب مما يؤدي الى نتائج سلبية قد تتسبب في وفاة المريض هذا إذا لم يكن قد فارق الحياة أصلاً ، وقد تؤدي إلى إعاقات مستديمة أحيانا وهذه الإعاقات يترتب عليها بأن يدفع المجتمع والدولة الثمن باهضاً. والحكومة هي المسؤولة عن حماية الأمن في الوقت الذي يفترض أن يشارك المجتمع بكل شرائحه في مكافحة ظاهرة حمل السلاح وبرأيي أن القرارات الجديدة بمنع حمل السلاح في المدن يعتبر قرار حكيم ولو انه جاء متأخرا إلا انه يظل من القرارات الصائبة والحكيمة ، و قبل ان يكون القرار أمني هو تنموي في الوقت نفسه حيث لا تنمية بدون امن والعكس كذلك ونتمنى ان يتم التنفيذ ويطبق على كل الناس ولا يستثنى فيه احد، ولو تم الاستثناء لأحد لأصبح كالقرارات السابقة ويذهب في الرياح ، ونحن كأطباء يسعدنا ألا نرى أي حوادث مؤلمة تصل المستشفيات بسبب السلاح".[c1]نهايات مؤلمة[/c]من جانبه زودنا الدكتور محمد عيسى مشرف الطوارئ في مستشفى الثورة بصنعاء بإحصائية رسمية صادرة عن القسم خلال الثمانية الأشهر الأولى من العام الجاري 2007م أظهرت أن حوادث إطلاق النار المسجلة بالطوارئ تحتل المرتبة الرابعة بين الحوادث، بعد الصدام والشجار والسقوط ،وبلغت (211) حالة من إجمالي عام (3258) حالة.وقال لنا " معظم الحالات التي تصل إلى مستشفى الثورة إما مصابة بالسلاح الخفيف( المسدسات) أو غيره (كالآلي) وقد تنجم عنها العديد من الإصابات فهناك حالات كثيرة تصل إلينا وبشكل روتيني ، وما نشاهده في طوارئ مستشفى الثورة من إصابات شيء مؤسف فهناك حالات تصل متوفية وهناك حالات تتوفى بعد أيام وهناك إعاقات دائمة مثل شلل نصفي أو شلل الأطراف أو إصابات في الدماغ ".[c1]انخفاض ملحوظ [/c]وفي مكتب البحث الجنائي بمستشفى الثورة العام بصنعاء التقينا بمدير البحث النقيب/ أحمد العدلة ومندوب البحث المساعد محمد الزيادي واللذان اكدا على أهمية مواجهة ظاهرة حمل السلاح بالوعي والثقافة وأشارا إلى أن الكثير من حالات الوفيات التي تصلهم تكون بسبب إطلاق نار عشوائي أو بقصد جنائي في حالات الخلافات والشجار والمزاح أحياناً.وأشارا إلى انخفاض معدل حوادث السلاح بشكل ملحوظ بعد اصدار قرار منع حمل السلاح والتجوال به في المدن الرئيسية.وقال العدلة : "بالنسبة للقضايا التي تصلنا فهي كثيرة جداً وخاصة قبل صدور القرار الحكيم بمنع حمل السلاح ، فقد كانت تصلنا في الشهر نحو( 35 ) قضية إطلاق رصاص و في بعض الأشهر (27) قضية ،وكثير من مصادر هذه المشكلة مجهولة ، أما بعد قرار منع حمل السلاح فقد انخفض هذا المعدل بشكل ملحوظ وكبير حيث لم تصلنا سوى قضيتين إلى يومنا هذا بعد ان كانت تأتينا بكثرة من مختلف المحافظات بما فيها الأمانة ونعتقد أنها انخفضت بنسبة 70 % وإن شاء الله تنتهي هذه الظاهرة وتنتهي معها الحوادث والمآسي التي تؤلم مجتمعنا اليمني ".[c1]رسالة ضمير[/c]في خاتمة المطاف لا نمتلك إلا أن نعترف لقرائنا الكرام بأن ما قمنا بعرضه على سطور هذه الصحيفة لا يمثل إلا عنواناً صغيراً لمشكلة وطنية كبيرة عنوانها ( شيطان السلاح ) بحاجة إلى اهتمام وتعاون الجميع لتحقيق السلم الاجتماعي والأمان الوطني الذي هو مطلب لكل إنسان في هذه الحياة.والصورة المأساوية التي حاولنا رسمها عبر هذا التحقيق باعترافات الموجوعين وإن كانت متأخرة ، وآهات المكلومين المتجاوزة لصدى ( القوارح ) النارية هي عينه مصغرة لمشكلة كبيرة، فالأسلحة النارية وبحسب التقارير الدولية سبب استثنائي للموت في اليمن إذ تتسبب في 85 % من إجمالي عدد الوفيات فيه ، وبهذا الصدد كشفت التقارير الأمنية ومنها تقرير وزارة الداخلية بأن عدد (24.623) جريمة تمت باستخدام السلاح الناري بين عامي (2004 - 2006) وأدت إلى وفاة (23577) حالة بنسبة 85 % من إجمالي عدد الوفيات والإصابات الأخرى ، وأشار التقرير إلى وجود تناسب طردي بين مستوى انتشار الأسلحة النارية وحجم الجرائم والحوادث الناتجة عنه . لذا رسالتنا الإعلامية عبر هذا المنبر هي رسالة حب وسلام ونداء عقل وحكمة للتخلص من شيطان السلاح الذي يتأبط شراً وهو يتربع على كواهلنا.رسالة حب وسلام نبعثها لكل القراء من أجل من أقعدهم طيش الرصاص وغدر السلاح على فرش المرض .رسالة حب وسلام من أجل الأسر المفجوعة والأفئدة المفطورة والمقل الحزينة، ونداء حكمة وتعقل لأهل الإيمان والحكمة (تخلصوا من أسر شيطان السلاح قبل أن يحيل حياتنا إلى جحيم وبلادنا إلى خراب)ولنقف جميعاً مع خطاب العقل والحكمة بمنع حمل السلاح واستبداله بأقلام العلم والمعرفة.