صباح الخير يا محمود .. قم اقرأ سيرة المولود
رام الله - (الضفة الغربية) /14أكتوبر/رويترز: حول الفلسطينيون جنازة شاعرهم الوطني الكبير محمود درويش (67 عاما) الذي تبنى قضيتهم في قصائده وعَبَر عن طموحاتهم الوطنية إلى ما يرقى إلى الجنازة الرسمية في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة أمس الأربعاء وشيعوا الرجل الذي عَبَر عن الشعور بالمنفى والفقد والتحدي.وصل جثمان الشاعر الفلسطيني إلى رام الله حيث كان في استقباله آلاف المشيعين بعد أن نقلته طائرة هليكوبتر من الأردن قادما من الولايات المتحدة. وكان درويش قد توفي يوم السبت الماضي نتيجة مضاعفات عقب جراحة في القلب أُجريت له بمستشفى في هيوستون بولاية تكساس الأمريكية.وكان في استقبال نعش درويش المُغطى بالورود والعلم الفلسطيني الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعشرات من المسؤولين وكبار الشخصيات لدى وصوله إلى المقر الرئاسي في رام الله.حمل ثمانية أفراد النعش من الطائرة الهليكوبتر عبر الساحة بينما عزفت الموسيقى العسكرية.وقال عباس في كلمة له بينما كان يقف أمام جثمان درويش المسجى وسط قاعة في مقر الرئاسة الفلسطينية قبل أداء صلاة الجنازة عليه «جميعنا اليوم نودع نجماً أحببناه إلى درجة العشق بعد ما كان التاسع من أب يوما فارقاً بتاريخ الثقافة الفلسطينية والإنسانية عندما ترجل ذاك الفارس العنيد عن صهوة الشعر والأدب ليترك فينا شمساً لا تغيب...»ودعا عباس في كلمته إلى تعزيز الجبهة الثقافية الفلسطينية وقال « فأنني أدعو الجهات الحكومية والرسمية المعنية بجبهة الثقافة المعقل الأساسي الأهم لنضال شعبنا وحفظ بقائه وأمنه القومي وهويته الوطنية أن تولي هذه الجبهة ما تستحق من تركيز واهتمام ورعاية وتوفير الإمكانات والموارد اللازمة لتمضي قدماً نحو تعزيز دورها ومكانتها والعبور إلى عهد جديد من الأصالة والتجديد.وأضاف «فجبهة الثقافة والمبدعين هم ضمير الأُمة ومحل رهانها ومحط أملها وعزِها وكلنا ثقة بأنهم أهل لهذه المسؤولية والمكانة.»قال الشاعر الفلسطيني سميح القاسم الذي لم يتمالك نفسه فأجهش بالبكاء في حفل تأبين درويش «يا أخ لم تلده أمي ...سامحنا على ضعفنا. سوف تتشبث حتى الموت باليقين بأن شعبنا العربي قدم المنسوب الأعلى من دماء الشهداء وهذا الشعب الصغير الكبير المدهش بقوة حياته وحيويته يتقن فن إدارة المفاوضات ويتقن فن إدارة الانتفاضات أيضا.»
ورأى أحمد شقيق الراحل درويش إن مواراة أخيه الثرى في رام الله «في المكان القريب من القدس وجار مثوى القائد الرمز ياسر عرفات.»وقال بعد أن طلب إليه عباس أن يواصل كلامه الذي حاول الاعتذار عن مواصلته حيث بكى كثيرا «إن لهذه الجماهير أن تحقق أمنياتها بإقامة الدولة وعاصمتها القدس.. وأن ترتاح من التضحيات التي لا تتوقف لكي تبني السلام والمستقبل بأمان. أصافحكم واحدا واحدا.. واحدة واحدة فلكم طول العمر ولمحمود الرحمة.»دموع كثيرة ذرفت عند إلقاء نظرة الوداع على جثمان الراحل من قبل أفراد العائلة ومنهم الوالدة التي أُحضرت على نقالة طبية إضافة إلى الأصدقاء ومحبي شعر درويش الذي اختار الفنان مارسيل خليفة جزءا منها ليقدمها غناء في وداعه «أُحن إلى خبز أُمي وقهوة أُمي» كما غنى له» يحط الحمام يطير الحمام» في وداعه في العاصمة الأردنية عمان. وقالت حنان عشراوي النائبة الفلسطينية إن هذه خسارة للصوت الفلسطيني والرؤية الفلسطينية وان الفلسطينيين كانوا يشعرون انه مادام هناك «محمود درويش» سيبقى الخير والأمل وإمكانية الخلاص.وحملت عربة نعش درويش أمام آلاف المشيعين متجهة إلى ضريحه على بعد أربعة كيلومترات. وتجمع الفلسطينيون في الساحة الرئيسية لرام الله لتوديع الشاعر الفلسطيني الكبير.
وسار آلاف المواطنين خلف النعش عدد منهم يحمل صور درويش وآخرون يحملون الاعلام الفلسطينية إضافة إلى عدد آخر كان يلبس قمصان عليها صور لدرويش وكلمات من قصائده «على هذه الأرض ما يستحق الحياة.»وقال رجل في الأربعينات من العمر اسمه فهمي فاعور « جئت من عكا للمشاركة في جنازة ومثلي مئات من أبناء القرى المجاورة. رحيله خسارة كبيرة لكل العرب.»ووصف لطيف دوري ناشط السلام الإسرائيلي درويش انه عنوان التحدي وقال لرويترز «محمود أخي كان عنوان التحدي والوفاء. رحيله شكل خسارة كبيرة للإنسانية التقدمية.»وأضاف «عرفته منذ خمسين عاما ومنذ ذلك الحين بيننا علاقات الصداقة حيث كنا نسير سويا على درب النضال المثابر لإنهاء الاحتلال البغيض والتوصل للسلام العادل.»وبدأت بلدية رام الله منذ يوم الاثنين في إعداد الموقع الذي أُُقيم فيه ضريح درويش ويدفن فيه الشاعر الفلسطيني الكبير على ربوة بجوار قصر ثقافة رام الله.وأُقيمت درويش جنازة شبيهة بالمراسم الرسمية والتكريم الذي صاحب الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الى مثواه الأخير. وجنازة درويش في رام الله يوم الأربعاء هي أول جنازة رسمية تقيمها السلطة الفلسطينية منذ جنازة عرفات عام 2004.
وخلال ثلاثة أيام من الحداد الوطني على الشاعر الفلسطيني الكبير عُلقت صور درويش في شوارع رام الله إلى جانب مقولته الشهيرة «على هذه الارض ما يستحق الحياة.» وكان درويش قد جعل من رام الله دارا له منذ عودته في التسعينيات إلى الضفة بعد بقائه في المنفى سنوات طويلة.وترجمت قصائد درويش الذي نال الكثير من الجوائز وكان شاهدا على الشتات الفلسطيني وضياع الوطن الى أكثر من 20 لغة كما ترجم العديد من دواوينه إلى العبرية وان حظرت رسالته الوطنية في الدولة اليهودية كما أُلغيت خطة لعام 2000 بتدريس أشعاره في المدارس الإسرائيلية.وقال رجل الأعمال الفلسطيني محمد سقف الحيط وهو يقف في الموقع الذي سيدفن فيه درويش «انه لم يمت لأنه خلف وراءه إرثا من الشعر انه باق في قلوبنا. «وفي قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قال محمود الزهار وهو قيادي بحماس «لا شك ان محمود درويش استطاع ان يعبر بشعره الكثير من الحواجز النفسية وان يعبر الكثير من الحواجز الجغرافية».
وأضاف «درويش استطاع ان يكسر بشعره الكثير من الممنوعات بين المحتل والرجل الذي يقاوم المحتل.«محمود درويش سيبقى علامة من العلامات الثقافية والأدبية الفلسطينية التي يجب أن تأخذ حقها من الدراسة والتقييم حتى تستطيع الحركة الثقافية الفلسطينية ان تبني عليها وان تتقدم وان ترسخ لمفاهيم أكثر عمقا.»وحزن كثيرون في غزة لوفاة درويش.
وقالت منة علي وهي مدرسة لرويترز «درويش هو رمز لفلسطين... رجل مليء بالحب والوطنية والعاطفة.«بكيت كما لم أبك من قبل وسأبكي في كل مرة أقرأ او أتذكر فيها قصيدة من قصائده العظيمة.»ولد درويش في أراض هي الآن ضمن الأراضي الإسرائيلية وسجنته إسرائيل عدة مرات لنشاطه السياسي.
وسافر درويش عام 1971 للاتحاد السوفيتي السابق ثم تبعتها سنوات منفى قضاها في القاهرة وبيروت وتونس وباريس.وخلال سنوات بقائه في الخارج وصل إلى موقع مرموق في منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة عرفات وعاد إلى الضفة في التسعينيات.ثم استقال من المنظمة عام 1993 بعد وقت قصير من توقيع عرفات وإسرائيل اتفاقات أوسلو المؤقتة.ويقول أصدقاء درويش انه عارض أوسلو لأنها لا ترقى إلى مطالب الفلسطينيين بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 وبحق العودة للاجئين الفلسطينيين.وأُقيم ضريح درويش على ربوة قريبة من المكان الذي القى فيه اخر قصائده الجديدة (لاعب النرد) و (محطة قطار سقط عن الخريطة) في يوليو الماضي.





