مع الأحداث
سؤال طالما تردد في ذهني، لماذا تغيب عن اليابان ظاهرة تفريخ الأبطال؟لماذا لا نشهد في سنغافورا أبطالاً كارتونيين كما هو عندنا نحن العرب؟لماذا العالم العربي أكثر البلدان في العالم احتفاء بالأبطال الشعبويين ولو كانوا يقودونهم للمسالخ؟قد يكون التفسير السيكولوجي مناسباً، باعتبار أن سيكولوجية الإنسان المقهور تدفعه إلى صناعة بطل، ولومن تمر، ليوجد بداخله التوازن ما بين إحباط وقهر الواقع والأمل بالمخلص . إنه مفهوم ( البطل الضرورة ) الذي أضاع بلداننا العربية . قلت ذلك سابقاً إنه يسمى بالتماهي الإسقاطي وهو إضفاء صفات خرافية خارقة على البطل . العالم العربي أكثر مجتمع يفرخ أبطالاً ميكروفونيين ومن ورق . ينتشي بالخطابات التي تقوده للموت والعدمية في الحياة، يسكر لأي خطاب عاطفي ولو كان سيقوده إلى الهلاك . هل سمعتم عن بطل سنغافوري شعبوي يخرج الناس بالصراخ؟هل سمعتم عن بطل صيني أو ياباني أو بريطاني أو ماليزي؟ لماذا نحن فقط في هذه المنطقة نقوم بتفريخ الأبطال المجانين؟إن الجماهير العربية ألفت حب من يقودونها للمحارق . إننا أكثر أمة تنتشي بالهزائم وتراها إنجازات عظيمة . إنه بسبب العقل التبريري المركب في عقولنا . فكل شيء نبرره بالقوة اللاهوتية . كلسترول القداسة عمل على سد كل شرايين العقل . رغم كل ما جرى في البصرة لن نتفاجأ من عدد المصلين في صلاة الجمعة لمقتدى الصدر، فهو يخرجهم من معركة إلى معركة، ومن حفرة إلى حفرة بمغامرات لا تنتهي إلا بأكفان . ولكن من يستفيد من الدروس؟ العملية تتكرر كل يوم في دولة عربية أخرى وأمام جثة كل قتيل ترتفع صور للقائد العظيم على امتداد الخارطة العربية . لا أعلم، هل قدر الأغلبية في العالم العربي أن تكون صامتة؟هل خوف المثقفين واتخاذ خيار الانطواء في الصدفة سيبقى دائماً هو الخيار؟إلى متى يبقى تعمية الرأي العام بهذه الطريقة؟ العالم يبني اقتصاداً، ونحن لا نبني إلا أقفاصاً طائفية، وزنزانات عرقية ثم نتفجر في مؤتمرات الوحدة بأننا كلنا إخوان ونبيع على الناس صناديق مشحونة بعلب التسامح المغشوشة . إنه بحق جيل الحروب الخاسرة . نحن فاشلون في الحروب، وأكثر فشلاً في التنمية . السؤال : هل يستطيع أي بطل شعبوي كارتوني أن يقدم اعترافاته لأخطائه أمام الجمهور كما فعل جان جاك روسو وطرح بكل جرأة اعترافاته أمام الناس وعن حياته الخاصة وهو الفيلسوف الذي قاد معركة التنوير في أوروبا؟ أم أن أبطالنا لا يخطئون؟ فعلاً، الشرقي لا يرضى بدور غير أدوار البطولة ولو بذبح الناس وقيادتهم للتهلكة . اليوم أصبح الحزب أغلى من الوطن، والانتماء الإيديولوجي أفضل من الانتماء الإنساني . أوطان تحرق بسبب العواطف ومن ينتقد سيطلق على حنجرته الرصاص لإسكاته . يقول ديجول : (( الرجال فانون والأوطان باقية )). اليوم أصبحنا نقول : فليحرق الوطن في سبيل الرجال وجنون الرجال . فليبق الجنون ولو احترق الوطن . كم من وطن عربي يحترق بسبب هذه الخطابات؟ليتنا نتعلم من الثقافة الصينية، وما أجمل مثلها ! (( جميلة أو قبيحة إنها بلادي، قريباً كان أو غير قريب إنه مواطني )). للأسف الخطاب السائد والخاطئ، أننا نعلم الناس أن من هو في بريطانيا أقرب لي من أخي مادام من حزبي، وأقرب إليّ حتى من أخي المواطن . مللنا من الخطابات التي ما قتلت ذبابة، ومن الخطابات التي تثورنا كما تثور القناني الغازية ثم تهدأ بلا أي نتيجة . اليوم كما قال أحمد زويل : (( التعليم والبحث العلمي هو الضرورة الملحة للشباب العربي )). نعم التعليم وليس إمساك البندقية واختصار كل الحضارات والأمم في قطعة سلاح أو في مسدس . السؤال : هل من عاقل في زمن الجنون؟هناك عقلاء ولكن الرهان على خروجهم من الصدفة ونقدهم الواضح لكل أسماك قرش الشرق التي اغتالت الجمال وسرقت ضوء الحب وذبحت الإبداع على مسلخ العقيدة . [c1]* صحيفة “الوطن” البحرينية[/c]