( قعدة الحزانى أفضل من زواج الندامى ) .. هذا مثل شعبي رائع ـ رغم قسوته ـ لكنه يعبر بأفضل شكل عن نظرة المجتمع للقنبلة الموقوتة المسماة بـ "الزواج العرفي" والذي لا يمت من قريب أو بعيد للعرف ـ رغم تسميته عرفيا ـ ولا للتقاليد ولا العقائد الدينية التي يقرها المجتمع. عواطف عبدالحميد فجمهور العلماء يصفونه بالزنا القانوني حيث لا يقوم على الإشهار بل على الكتمان ولا يحتوي على أية ضمانات قانونية أو شرعية في المحاور التي يصونها الزواج الشرعي مثل نسب الأبناء والميراث .. الى آخر تلك الحقوق المعترف بها . فالفتاة أو المرأة تسلم بإرادتها المسلوبة كل ما تملك لمن لا يستحق مقابل "ورقة" لا تساوي أي قيمة ومعها تتنازل عن عذريتها ومهرها وصداقها و قائمتها ونفقتها... كل شيء وأعز شيء تفرط فيه أبناءها الذين يرون النور مجهولين في عالم لا يرحم والنتيجةالطبيعية لهذا الزواج هي أطفال بلا هوية أو نسب !!وتوضح إحصائيات مفزعة في بعض البلدان العربية أن أكثر هؤلاء الأطفال نشأ نتيجة زواج عرفي أنكره الأب وبعضهم كان نتيجة لزواج فقيرات من أجانب بأوراق عرفية.في هذا السياق نشطت عدة جمعيات ومنظمات أهلية للدفاع عن حقوق الأطفال الضحايا لهذا النوع من الزواج في البلدان التي تنتشر فيها هذه الظاهرة ، فيما تؤكد دراسات وأبحاث ميدانية أن هؤلاء الأطفال ليس لهم وجود رسمي في السجلات المدنية لبلدانهم ، فلا يمكن استخراج شهادات ميلاد لهم، مما يعني عدم قدرة أمهاتهم على إعطائهم التطعيمات ضد الأمراض او إلحاقهم بالمدارس الحكومية ، أو الحصول على الرعاية الصحية المناسبة خاصة مع ظروف الأمهات اللاتي في الغالب لن يستطعن الإنفاق على تعليم الطفل ومعالجته في المدارس و المستشفيات الخاصة. أسباب الزواج العرفي تفتح هذه الدراسات والإحصائيات النار علي مشكلة الزواج العرفي كأحد أبرز المشكلات الاجتماعية علي الساحة العربية والتي تعد إفرازاً لأسباب عديدة ومتغيرات اجتماعية شتي تتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج من جهة والتفكك الأسرى من جهة أخرى وغياب القدوة وانسحابها من جهة ثالثة وانتشار فضائيات البورنو كليب من جهة رابعة .في شهر نوفمبر الماضي نشرت المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تهتم بقضايا المرأة والطفل عددا من الدراسات والأبحاث العلمية الميدانية التي أجريت في مصر والمغرب وتونس وسوريا وتناولت جملة من الأسباب الأسرية والاجتماعية التي تؤدي إلى إقدام الشباب وخاصة طلاب الجامعات على الزواج العرفي ، فيما أوضحت دراسة حديثة حصلت بها الباحثة دنيا البرنس عبد الرحمن على درجة "الماجستير" من جامعة الزقازيق المصرية إن هناك علاقة وثيقة بين التفكك الأسرى .وغياب القدوة واضطراب العلاقات بين طالبات الجامعة وغياب الوازع الديني وتحدي التقاليد والأعراف والآداب الاجتماعية وبين الإقبال على الزواج العرفي. وانتهت الباحثة إلى تعريف متكامل للزواج الذي جعله الخالق عز وجل نظاما إنسانيا واجتماعيا يحفظ النسل وميثاقا مقدسا يصون كرامة البشر "المرأة والرجل".. ويستقى هذا التعريف من المصدر التشريعي والتاريخي والقانوني واللغوي ، فكلا الطرفين يسميان معا " زوجا " وهي دلالة على عمق وقدسية الرابطة الزوجية التي ترتقي بالعلاقات بين الذكر والأنثى الى ذروة السمو الإنساني .الثابت ان هذه المسئولية الشرعية لا ترد على ذهن أي من الذين يسعون وراء "الزواج العرفي" لأنهم لم يفكروا في تكوين الأسرة ولم يضعوا في ذهنهم أن هذا الزواج على نية التأبيد والاستمرار ولم يضعوا في ذهنهم أنه مسئولية، وأنه يمكن أن يأتي بثمار وهم الأبناء ضحايا هذا الزواج الذي يؤدى بمن يقبل عليه خاصة الفتاة الى أن تقوم بعمليات إجهاض، أو قد تنهى حياتها بالقتل إذا تبرأ الزوج من الوليد، أو إذا عجزت عن الإنفاق عليه أو خشية افتضاح أمرها.وفي كل الأحوال ــ حتى لو لم يثمر هذا الزواج أطفالا ــ تكون الفتاة قد وضعت نفسها في موقف يجلب عليها اللعنة وغضب الخالق سبحانه وتعالى ، ويلحق الفضيحة والعار بأسرتها ، وتتسبب في إهدار كرامتها كأنثى أو امرأة كرمها الله ووضعها في مكانة عالية، لكنها أبت أن تكون من المكرمين، وهبطت من أجل نزوة ومتعة غير مسئولة لتدنس نفسها مع شاب منحرف ضاربة كل التقاليد والأعراف عرض الحائط ودون مبالاة، وتبين نتائج هذا النوع من الزواج المكروه أن الفتاة تواجه أربعة مشاكل أساسية في الزواج العرفي، الأولى في حالة رفع دعوى تطليق عندما يرفض الزوج طلاقها ويمسكها ضرارا ، والثانية عند السعي لإثبات هذا الزواج ، والثالثة في حالة وفاة الزوج حيث تفقد حقوقا عديدة، والرابعة عند الحاجة لإقرار النسب إذا أنكر الزوج الاعتراف بطفل الزواج العرفي .انحراف وافتقاد الوازع الدينيوتوضح نتائج الأبحاث العلمية التي أجراها أطباء النفس على بعض ضحايا الزواج العرفي أن إقبال الشباب والفتيات على الزواج العرفي يرجع إلى عوامل نفسية عديدة أهمها: اضطراب البناء النفسي للشخصية، حيث يغلب عليهم الطابع العدواني، فهم ليس لديهم قيم أخلاقية أو ضمير يحثهم على التمسك بالآداب والسلوك القويم بل يتصفون بالتمرد والاندفاع والتمركز حول الذات والتملك والأنانية ، وعدم الصبر على تحقيق الآمال والطموحات، ناهيك عن ميولهم القوية نحو الإستعجال لإإشباع حاجاتهم النفسية والمادية واجنسية ، دون النظر إلى عادات المجتمع، كما أنهم يفتقدون إلى القدوة والوازع الديني .اختلال العلاقات الأسرية وتفككهاثمة حالات واقعية أشارت إليها الدراسات تبين أيضا أن اختلال العلاقات الأسرية وافتقادها للثقافة والوعي والحوار الدافئ العائلي يجعل الأسرة مشتتة ومن ثم تصبح قرارات الأبناء منفردة نتيجة فشل الأبوين في التربية، فالزوج من جانبه لا يرى مسئولية تقع على عاتقه سوى تدبير نفقات المعيشة ، والأم تحاول توفير الواجبات المنزلية دون الاهتمام ببث القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية والثقافة والمعرفة وبناء الضمير للأبناء، وهو ما يؤدي إلى خلل في العاطفة وعدم النضج العاطفي، وقد يؤدي ذلك إلى انهيار المكون المعنوي للشاب أو الفتاة ويميل كلاهما إلى الانحراف والجموح إلى النزوات وتفريغ الكبت الداخلي بتعجيل إتمام العلاقة العاطفية، والتي تدعوهما عند كشفها إلى التضحية بالأبناء إما بالقتل أو الانتحار ، وتأتي الدراسة بعينات من المتزوجين عرفيا كشفت عن وجود أسباب اجتماعية واقتصادية وسياسية وراء إصابة هؤلاء بحالات وأعراض نفسية، فهناك الرجل السيكوباتي الذي يميل إلى العدوانية ويرفض تقاليد المجتمع وأعرافه، وهو يسعى لتكرار مثل هذا الزواج، وقد يكون مرتبطا بزوجة أو أكثر زواجا شرعيا، ومع ذلك يلجأ إلى الزواج العرفي !هناك أيضا حالات أخرى تبين معاناتها من بعض الأعراض الهستيرية والميول النرجسية ، وهناك من افتقد الحنان والعاطفة والحب داخل الأسرة وخارجها سواء في محيط الأصدقاء أو المدرسة أو الجامعة، وقد تؤدي الخلافات الأسرية وتردي الحالة الاجتماعية والثقافية إلى تدهور الحالة النفسية للأبناء، وهو ما أكدته أحدث الأبحاث الأميركية في مجال الأسرة من أن الطفل الذي ينشأ في أسرة تكثر بها الخلافات ينشأ نشأة غير سوية نفسيا ومعنويا.. فضلا عن قتل الطموحات وافتقاد الأمل في المستقبل لارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتردى وانخفاض الحالة الاقتصادية مع ارتفاع تكاليف الزواج، وهى عوامل قد تساعد على ظهور أعراض اكتئاب "مؤقتة" قد تزول بزوال وانفراج هذه العوامل واحدة تلو الأخرى.أسباب نفسية واقتصادية حول الآثار النفسية للزواج العرفي وأسباب لجوء الشباب إليه يقول د. محمود عبد السلام، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية ، إن أسباب انتشار الزواج العرفي الذي انتشر مؤخرا ً في بعض البلدان العربية غالبا ما ترجع إلى عوامل نفسية واقتصادية وبيئية، يضاف إليها عدم قدرة الشاب على الوفاء بالتزامات الزواج مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج، وعدم النضج النفسي للمتزوجين من هذا النوع من الزواج وأيضا ظروفهم البيئية. ففي بعض المجتمعات المنغلقة والقبلية يُحتم على الفتاة أن تتزوج من زيجات معينه ليست من طموحاتها أو من آمالها و نفس الشيء قد يحدث للشاب فما يكون منهم إلا أن يلجأوا إلى تنفيذ رغباتهم من خلال وسائل غير مقبولة اجتماعيا أو دينياً، ويرى د.عبد السلام أن أهم أسباب انتشار الزواج العرفي بين طلاب الجامعات والمدارس الثانوية في بعض البلدان العربية عدم النضج النفسي والعاطفي ، فإذا كان الشاب أو الفتاة ناضجا عاطفيا لأدرك أن لكل مرحلة عمرية متطلباتها وواجباتها . فمن أولى أولويات الطالب الجامعي أن ينهي دراسته كي يستكمل متطلبات حياته ويتعلم ويحصل على الشهادة حتى يستطيع العثور على عمل مناسب ثم بعد ذلك يفكر في احتياجاته لزيادة قدراته ومعارفه حتى وإن كانت في غير الدراسة حتى يمكن مواجهة الحياة بعد ذلك بمشاكلها، حلوها ومرها. إن عدم النضج عاطفيا يؤدي إلى عواقب وخيمة فيجعله، بدلا من أن يهتم بدراسته يهتم باستكمال مظهر من مظاهر الحياة وهو الزواج وتكوين أسرة دون أن يفكر في المسئوليات التي ستقع على عاتقه ولا في عواقب هذا التصرف. ويؤكد د. عبد السلام أن الزواج يعني الاستعداد لتكوين أسرة وتحمل المسؤولية. الغرض من الزواج ليس مجرد إشباع رغبات جسدية ونزوات جنسية بحتة. إن العلاقة في الزواج ليست علاقة الفراش فقط و إنما هي علاقة حياة كاملة فيها فراش وأكل شرب و مسئوليات واندماج عاطفي ونفسي. إن من يعتقد أن مجرد التوقيع على ورقة والاتفاق على التلاقي مع حبيبته في شقة صديق يعتبر زواجا فهو خاطئ. إن هذه العلاقة لا يطلق عليها سوى لفظ "الزنا"، وهو ما يخلط بينه الشباب وبين الزواج. و يرى باحثون آخرون أن أجهزة الإعلام لها أثر كبير في زيادة حالات الزواج العرفي لأنها تساهم في تشكيل وجدان الناس بما تعرضه على شاشاتها؛ فعرض فيلم يحكي قصة بنت وشاب تزوجا عرفيا وطوال الفيلم يظهرون في منتهى السعادة و السرور، ثم يعرض الفيلم في آخر خمس دقائق المشاكل والمصائب التي وقعا فيها بسبب هذا الزواج، فمن الطبيعي في هذه الحالة ألا تنتبه الفتاة إلى المشاكل التي ستواجهها لاعتقادها بأن الأمر مجرد حبكة للفيلم أو نهاية مؤثرة له وأنه من الممكن تغيير هذه النهاية، مبررة ذلك بأن حبيبها سيتزوجها رسميا بعد انتهائه من دراسته متناسية أنه من الممكن، تحت تأثير الرغبة والاحتياج الجسدي، أن يكون حبيبها في هذا الوقت صادقا أي أنه صدق وقتي ومع أول مشكله تقابلهما سيمزق ورقة الزواج أو يتملص منها وعلته في ذلك أنها السبب في هذه المشاكل ويبحث عن غيرها.وبحسب هذا المنظور يمكن القول ان الأولاد والفتيات في زماننا هذا يتلقون معلوماتهم بالنسبة لمثل هذه الثقافة من أصدقائهم وهذا بالتأكيد يوفر لهم حصيلة من المعلومات التي لا بأس بها ولكنها تكون غالبا معلومات خاطئة أو غير سليمة تماما لأنها ليست من أهل ثقة وعلم، ولأنهم عبارة عن مجموعه من الأطفال يسألون مجموعة من الأطفال الأكبر سناً منهم. ومع عدم تصحيح هذه المعلومات تثبت في أذهانهم بعد ذلك إلى أن يكبروا ويتزوجوا ليفاجئوا بأن الأمر مختلف مما يترتب عليها مشاكل نفسية، ولهذا يجب تدريس الثقافة الجنسية في المدارس. ولكن علينا أن نراعي أن تكون المعلومة مناسبة للمرحلة العمرية وأن تكون على هيئة معلومة عامة وليس كمعلومة جنسية.الزواج العرفي والشرعيفي كتابه القيم ( سكان القلوب ) حدد المستشار أشرف عواض المحامي لدى محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية، تعريف الزواج بأنه عقد رضائي يُحل الاستمتاع لكل من العاقدين بالآخر على الوجه المشروع. فالزواج رابطة مقدسة وعلاقة روحية و نفسية ترقى بالإنسان وتسمو به ، والزواج الرسمي هو الزواج المستوفي لكل الشروط ( كالإيجاب والقبول والإشهار والولي والشهود وموثق في محكمة. وهذا الزواج يحفظ للزوجة جميع حقوقها؛ من طلاق ومؤخر صداق ونفقة العدة والمتعة وأجر الحاضنة. أما الزواج العرفي فهو الزواج الذي يُحرر كتابة ويشهده الشهود ولكنه عقد غير موثق ولا يصح إلا بولي وفي حالة وجود ولي يحفظ للزوجة بعض حقوقها كحقها في التطليق ولكنها تفقد حقها في مؤخر الصداق والمتعة وغيرها. أما الزواج السري فهو زواج يتولاه الزوج والزوجة من دون حضور شهود ولا ولي ودون أن يُعلن أو يكتب في وثيقة رسمية، و يعيش فيه الزوجان دون علم أهلهما بهذا الزواج. وقد أجمع الفقهاء على أن هذا النوع من الزواج باطل لفقده شروط الصحة، وهي وجود شهود وولي وذلك ليتم الإشهار في مجتمعهما. وأوضح أن القانون المصري يعترف بالزواج العرفي المستوفي لكامل شروط الزواج و لكنه يُفقد الزوجة والأبناء حقوقاً كثيرة إذا فشلوا في إثبات هذا الزواج .ويحدد الكتاب أبرز مشاكل الزواج العرفي في ما يلي:1 ـ اختفاء الزوج لسبب أو لآخر كالسفر أو الموت، وفي هذه الحالة لا تُنظر دعوى إثبات العلاقة الزوجية لعدم تواجد الزوج لأنه يعتبر منكراً لهذا الزواج.2 ـ لا تستطيع الزوجة الزواج بشخصٍ آخر لأنها متزوجة من الزوج الغائب وعليها أن تطلق منه أولاً. 3 ـ أن يكون الزواج بدون وثيقة ويجحده أحدهما أي لا يعترف به ويطعن فيه وبالتالي يعجز الآخر عن إثباته. وهنا لا يكون أمام الأم التي لها طفل من الزواج العرفي وأنكر زوجها زواجه بها سوى اللجوء إلى المحكمة لإثبات نسب طفلها والتي تقوم بدورها بعمل التحاليل في المعامل الجنائية و يتدخل الطب الشرعي لوضع حد لذلك ليأتي بقراره إما بإثبات نسب الطفل أو عدمه. وفي حالة عدم إثبات النسب أو عدم استطاعة الأم أن تنسب طفلها لمن تدعي أنه أبوه يمكن أن تجد الأم حلا لهذه المشكلة باللجوء مثلا للزواج بغيره لينسب الطفل له أو أن تتخلى عنه و تلقي به في الشارع ليصبح طفلا لقيطا أو أن يوضع في أحد الملاجئ .
|
فكر
الحصاد المرّ للزواج العرفي
أخبار متعلقة