اقواس
لاشك إننا نعيش في عالم مختلف عن زمن الخمسينات والستينات والشواهد التي تظهر بين حين وآخر تؤكد سرعة احداث المتغيرات وبغض النظر عن مشاكل السلاح والحروب النووية فهناك الغذاء والمياه فكل شيء يتبدل هو والاسس التي تقوم عليها المنظومات الباردة والحارة برمتها الاّ أن الكثير من المفاهيم والاوضاع التي احاطت بعالمنا العربي لم تعد انعكاساتها مقصورة على الشعر او القصة فحسب وإنما كذلك الرواية ..واذا عدنا بالذاكرة الى الكتابات المختلفة سواء في نجيب محفوظ الطيب صالح عبدالرحمن منيف يوسف القعيد فربما الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والفكرية قد طغت على كتاباتهم ولكنها فسرت اسباب تدهور هذه الجوانب في اطار العلاقة بين الفرد ومجتمعه وكثير من الاتهامات في الرواية العربية تطارد الحكومات بالفساد والرشوة وسوء استخدام الموارد وإثارة النزاعات الاقليمية والانقلابات مما أثر سلباً على جهد التنمية والثقافة عموماً .وهذه المفارقة بالذات هي التي تعنينا هنا في القاهرة ثلاثين والثلاثية السمان والخريف زقاق المدق ، خان الخليلي ، ايضاً لم نسمع مثل هذا الاحتجاج القوي بين الشمال والجنوب باعتبار الفوارق ضارة بمستوى معيشة الغالبية من ابناء العالم الثالث واعتقد أن موسم الهجرة الى الشمال تعتبر حجة يمكن توجيهها الى مجالات اهم مثل الصحة ولاتعليم والغذاء والحاجة التي تحتاج اليها بشدة الدول النامية وخاصة العرب وافريقيا كذلك الامر بالنسبة ( لمدن الملح) ليس فقط لأن البترول سيقلل من احتياجات اهالي المنطقة بل لان ما يتدفق منه يوجه الى استخدامات لم تستوعب عمق التغييرات في المستقبل وانعكاساتها على نطاق كبير فعندما تنحو منطقة مثل الخليج الى بناء غابات من الاسمنت دون أن تتفرغ لمواجهة عبئها الثقيل المتمثل في التخلف والتبعية فهذه مشكلة .ليس هناك شك في أن الاتجاه نحو تخليص العرب من القهر والسجون و الاستبداد والتدمير النفسي كان واضحاً في رواية ( فتحي عبدالفتاح) ، ( الاقدام العارية) ، ( العسف) البشير الحاج علي والعين ذات الجفن المعدنية ( شريف حتاتة).ونرى ايضاً في راهننا كيف بدأت اسرائيل تسعى في حربها على المياه والتي تعتبر غاية استراتيجية لكل اليهود منذ ان طرح فكرتها ( هرتزل) في كتابه الذي نشر عقب وفاته 1904م ( لتكون حدودها بين نهر النيل غرباً ونهر الفرات شرقاً ).( يوسف القعيد) كتب رواية جميلة بعنوان ( الحرب في بر مصر ) كشف ابعاد هذا الهدف الاستراتيجي للصهيونية واليهودية في الارض والمياه في كل مظاهر الحياة الانسانية والحيوانية والنباتية وايضاً تعتمد عليها كافة مرافق الحياة من المصانع والاليات والبناء والتعمير .ولا شك أن موضوع هذه الرواية كان من اهم جداول الاعمال التي وضعتها اسرائيل للترجمة وللتفاوض المشروط كان امراً غريباً على الكثيرين من المثقفين في مصر باعتبارهم امنين بالاسترخاء العفوي في معاملة النيل والارض المصرية .وبالطبع التطلعات الى الفرات عكست اتجاه رغبة اسرائيل وامريكا في سقوط بغداد والآن سوريا على المحك لأن مصادر ومنابع المياه التي تجري في اراضيها تصل الى منطقة الخليج والاردن وفي الوسط ( اسرائيل )؟ المزعومة ! فمنذ عهد يوسف عليه السلام وعهود القحط القديمة والرخاء كذلك لم يهمل الادب الوعي الواجب فهمه وادراكه ومع تعدد الموضوعات والمشكلات تعددت اجناس الادب وتخصصت الرواية في ايضاح وادراك كثير من المفاهيم ومع هذا تظل كاحكام غير نهائية .( نهلة عبدالله )