مع الأحداث
مرة أخرى تتأجل أماني العرب وتخبو أحلامهم، فمع بداية كل عام يتأمل العرب تحقيق أمانيهم وحل مشاكلهم التي طالت كثيرا لكنهم عندما ينصرم العام وتمضي أيامه يأخذون بالنظر إلى العام الجديد ليعلقوا عليه آمالهم السالفة المخضرمة.فمنذ سنوات طويلة والعرب يرنون لبلوغ واقع أفضل يجعلهم على قدر المساواة مع آخرين كانوا دونهم في التطور. والآن يتقدمون عليهم بخطوات كثيرة لأن الواقع العربي لا يزال يعاني التأخر في شتى مناحي الحياة، وأهمها الناحية الاقتصادية؛ حيث بقي العرب يعتمدون بشكل رئيسي على مورد واحد، سواء كان هذا المورد نفطا -كما هو الحال مع بلدان الخليج والجزائر وليبيا- أو سياحة -كما هو الحال مع مصر وتونس والمغرب- أو زراعة -كما هو الحال مع السودان وسوريا- أو على المساعدات الدولية كما هو الحال مع فلسطين والأردن والصومال. الأمر الذي أبقى السواد الأعظم من سكان البلاد العربية على درجة عالية من الفقر، وفي أقل مستوى من الخدمات التي بات الارتقاء بها حلما من الأحلام. أما قضايا العرب السياسية وأهمها قضية فلسطين فقد تجاوز عمرها الستين ودخلت مرحلة الشيخوخة، وربما أصبحت الآن على درجة من التعقيد أعلى بكثير من ذي قبل، بالرغم من التطورات المهمة التي وضعت المسار الفلسطيني أمام حلم الدولة الفلسطينية ربما لأول مرة منذ عقود عدة.لكن مفاوضات السلام التي دشنتها اتفاقيات أوسلو لم تصل إلى مبتغاها، وعاد الوضع إلى التدهور من جديد، وبدلا من أن يشهد العرب تأسيس الدولة الفلسطينية خلال هذا العام كما هو مرسوم لها في المفاوضات ويعم السلام المنطقة شهدنا حربا مدمرة خلفت حتى الآن مئات الضحايا وآلاف الجرحى، ناهيك عن الخسائر المادية الكبيرة، الأمر الذي نتج عنه تأجيل جديد لموضوع الدولة الفلسطينية التي لم يعد بالإمكان تجاهلها، بعد أن ملّ الفلسطينيون من الأحلام والشعارات وضاقوا ذرعا بحياة التشرد والمعاناة، على ذمة آمال مكلفة وأحلام بعيدة قد لا تتحقق.ولم يتغير وضع الصومال البلد المضطرب الآخر رغم التدخل الأثيوبي وهزيمة المليشيا الإسلامية المتنفذة؛ حيث بقي يعيش واقع الانقسام ويواجه الفوضى بعد أن طالته الأجندات وعششت فيه الأيدلوجيات، مستغلة عوز الناس وفقرهم. وكذلك الحال بالنسبة لقضية لبنان التي ما زالت تشكل مصدر قلق لكثير من الأطراف، بعد أن عادت لبنان لتكون مرة أخرى مسرحا للتكالب ومرتعا لحسابات خارجية مختلفة؛ حيث يلعب في ساحته أكثر من طرف خارجي، مستغلا التناقضات التي يحرك من خلالها بيادقه ويشغل بها أعدائه، وهو أمر قد ينطبق في نطاق ما على العراق البلد الذي عانى ما عانى خلال السنوات الأخيرة، فقد لعبت مصالح القوى الإقليمية والدولية دورها في إبقائه في وضع مرتبك وعلى حافة الانفجار دائما؛ حيث بقيت الأوضاع على حالها، وإن خفت وتيرة العنف كثيرا لأن الظروف الحالية لا تتيح التيقن بشكل أكيد من ثبوتية الحال العراقي، الذي ربما ينساق إلى الفوضى من جديد في أي وقت، نظرا لأن الاستقرار ما زال هشّا ويحتاج إلى مزيد من الجهود لبلورته أكثر.لقد كان الشارع العربي على موعد دائم مع التمني لتحقيق السلام والاستقرار والتقدم والتطور والارتقاء وتحسن الخدمات.. إلخ، لكنه أيضا كان على موعد دائم مع الخيبة والخسران والفشل، فكل عام يشبه سابقه وكل أمنية مصيرها الخواء وعدم التحقق. وبالتالي لم تتحقق في عام 2008 أيٌّ من الآمال التي كان يتمنى العرب تحقيقها، مثلما لم يتحقق ذلك خلال السنوات الماضية، ولم يعد هناك مناص إلا بانتظار عام 2009 عسى أن يكون أفضل من سابقيه. [c1]* خاص بـ «العربية.نت»[/c]