مع الأحداث
رسالة ضد الطائفية تأخر كثيرا الخوض بها في الأعمال السينمائية العربية لكنها وصلت أخيرا ، وإن بقالب الفنان القدير عادل إمام الكوميدي ، فالطائفية كارثة كبرى حلت على الشعوب لتقلب التعايش والتسامح فيما بينها الى أحقاد وضغائن ..لأول مرة في أفلام القدير عادل إمام لم نشهد حضورا طاغيا لإحدى نجماته ( شيرين أو يسرا ) تقف الى جانبه تقدم معه فيلمه الجديد، لكن البديل كان نجما رفيع المستوى بدرجة الفنان العالمي الذي أمتعنا بدوره كثيرا الفنان عمر الشريف ، وبعيدا عن هذين الاسمين الضخمين في السينما المصرية لم نشهد أسماء نجوم كبار في الفلم باستثناء بعض ضيوف الشرف كالفنان حسن مصطفى. «حسن ومرقص»، بعد انتهاء عرضه وانا ما أزال في السينما سمعت أكثر من تعليق منها قول أحدهم : الفيلم أقرب الى الأفلام التلفزيونية ، وآخر قال أفلام عادل إمام الأخيرة متميزة أكثر ، أما أنا كمشاهدة فأوافق الرأيين معا فالفلم من حيث الضخامة ليس على نفس الدرجة التي قدم بها عادل إمام فلمه المميز « عمارة يعقوبيان»هذا ربما ما أوحى للبعض بأنه أقرب الى الأفلام التلفزيونية ، مع ذلك كان الجميع معجبا بحضور الموضوع ...أعجبني كثيرا تبادل الأدوار بين الفنانين إمام الذي أدى دور القس مع أنه مسلم وبالعكس عمر الشريف المسيحي أصلا وأدى دور الرجل المسلم المتدين ، هذا إضافة الى أن هيبة وحضورا خاشعا جدا كانا حاضرين بقوة في آداء عمر الشريف الذي أقنعنا بهما وبأنه أفضل من كان سيؤدي هذه الشخصية ، حتى أني وجدتها تليق به ويليق بها..ما لم أقتنع به في الفلم ، أن هذا الحد من النزاع الطائفي لم نسمع به في مصر بمعنى أن الأحداث الطائفية التي حصلت في الاسكندرية مثلا أو محافظات أخرى وإن علا صوت المخاوف منها ومن تكرارها لا يمكن أن تكون وصلت في مصر تحديدا الى حد التنكر بدين آخر وبشخصية دينية أخرى ليصبح المسلم مسيحيا والمسيحي مسلما ، لكن هذه القصة جائز جدا أن تكون حصلت في العراق مثلا ولبنان ، لوصول مسالة التعايش بين الطوائف إلى حد الهستيريا ، لا حد التنكر بالدين المقابل وحسب ، ولربما المثال الصارخ على هستيريا الطائفية ، ما سمعناه قبل أيام عن هجرة آلاف المسيحيين خلال أربع وعشرين ساعة من بعض المدن العراقية لاستهدافهم من الجماعات الإرهابية ولن أقول أبدا من المسلمين فالإسلام لا يؤمن ولا يدعو أبدا الى إيذاء الآخرين من أهل الذمة ولا حتى من أي روح وهبها الله الحياة ، ويكفي أن نتذكر رسولنا الحبيب حين أوصى بحفظ ورعاية الجيرة ..مع هذا النوع من المبالغة التي لا بد أن نتقبلها في حكاية حسن ومرقص على أنها جرت في مصر لا في لبنان أو في العراق ، نقول ربما هذه المبالغة مقصودة لرسم واقع التعصب وما يمكن أن يؤدي اليه حين يصبح الحقد على الأديان الأخرى أساسا لعلاقاتنا بالجار أو الزميل في العمل أو الدراسة...كان مؤثرا جدا أن المسجد والكنيسة متقابلان متجاوران أيضا كجيران الحي الذي بدا تعصب كل منهم ، كذلك كانت مؤثرة اللقطة التي حلق بها المارون في الشارع صوب الطابق حيث يسكن الجار المسيحي وتعلو من منزله ترانيم دينية ومن الشرفة المجاورة كانت تعلو في نفس الوقت أصوات الابتهالات الدينية الإسلامية وكان ذلك دليلا صارخا على أن التعايش بين الدينين محكوم بحكم الجيرة وأن لا مناص من الاحتكاك اليومي فلم لا يكون سلميا مبنيا على الاحترام .جرعة الكوميديا في « حسن ومرقص « كانت حاضرة لكن ليس حضورها المعتاد في أفلام عادل إمام مع ذلك لم يكن المقياس هذه المرة كم أضحكنا عميد الكوميديا المصرية ، المقياس هنا كم كانت هامة رسالة الفلم ...لقطة مؤثرة أخرى حين أحرق المنزلان فوجدنا المسلم يرمي بسترته على كتفي زوجة جاره المسيحي التي هربت من النار الى الشارع فوجدها بلباس النوم الكاشف لمفاتنها وفي المقابل كيف أنقذ زوجها نفسه عائلة جاره المسلم حين سمع طرقات قوية خلف بابهم تطلب المساعدة من الاختناق من الحريق ...الرسائل جميعها كانت متسلسة وبهدف واحد ، أن السلام هو الحل والضغائن لن تقدم للناس سوى التهلكة ...« حسن ومرقص « جذب المشاهدين كثيرا وأقبل عليه حتى بعض من لا يشاهد الأفلام العربية ، هذا ما سمعته من دكتور سعودي أثناء شرائي وصديقتي البوشار والعصير قبل دخولنا السينما حين أكد لنا أن ما سمعه عن « حسن ومرقص « دفعه للمجيء لحضور أول فلم عربي من نوعه بعد انقطاع دام ثلاثة وعشرين سنة ، أذكر أني قلت له خسارة أنك ضيعت عليك فلم « عمارة يعقوبيان « فقال سنرى ماذا يحمل « حسن ومرقص « وطبعا بعد انتهاء الفلم لم يكن سهلا معرفة رأيه فكل راح الى وجهته ولم نتقابل لكنني أظنه سيقول الرسالة هامة جدا ولكن الإمكانيات عادية إخراجا وانتاجامع ذلك شكرا للقديرين عادل إمام والعالمي بجدارة عمر الشريف ، مع أمنياتنا أن يفهم كل طائفي رسالة الفلم اللاطائفية . [c1] موقع «العربية.نت»[/c]