(300) ألف دجال في مصر يتحكمون بعقول مريديهم !
القاهرة / متابعات :إناء من النحاس ممتلئ بالرمال, أعمدة دخان من بخور ماركة "خرز عين العفريت" تنطلق من منتصف هذا الإناء الذي يجلس أمامه رجل أغبر أشعث شكله مخيف يرتدي عباءة سوداء فوق جلباب عديم اللون, وحول رقبته عقد صغير وآخر كبير.. في يده مسبحة, عيناه زائغتان تلمحان من يجلس أمامه, أو تنظران إلى السقف أو تبرقان فيخرج منها شرارة تزيد البخور توهجاً والدخان كثافة فيلقي بالرعب في قلب من جاء إليه و"أشتاتاً أشتوت" هذا المشهد انتهى عصره, حيث تطورت الأساليب مع تطور الزمن ودارت مع عجلة العصر, فلم يعد يستخدم الدجال بخوراً أو أحجبة ولم يعد يطلب من زبونه "كتكوت بعين واحدة لونه بني منقط", في هذا العصر أصبح الدجال لا يلقب بمولانا أو سيدنا فقد نال درجة الدكتوراة الفخرية وأصبح يرتدي أفخر الملابس التي تتماشى مع المستوى المادي والثقافي لزبائنه الأثرياء, حيث انتقل من المناطق الشعبية إلى أرقى الأحياء, ولم يعد يمارس نشاطه في وكر سري, بل يمارسه جهاراً نهاراً من دون حياء أو استحياء, وتماشياً مع العصر يستخدم الكمبيوتر وشبكة الإنتر نت والبيروجيكتور والزئبق الأزرق والأحمر والفستقي أيضاً!أحدث إحصائية عن ميزانية الدجل تشير إلى أن عشرة مليارات دولار ينفقها العرب على الدجل والشعوذة, أو بمعنى أصح إرضاء للأسياد, خاصة وأن هناك ملايين البشر يعتقدون أن "راكبهم عفاريت", وملايين آخرون لديهم يقين أنهم مربوطون بفعل عمل سفلي, وهناك أكثر من 300 ألف دجال في مصر يتحكمون بعقول مريديهم! كان تاريخ الدجل والشعوذة يعود إلى عصور ما قبل التاريخ لكنه لم يكن يمارس رغبة في المال والشهرة, بل كان نابعاً من عدم وجود ثقافة أو علم أو دين.. ومع تطور الحياة ورسوخ الوازع الديني أصبح بعض الكهنة هم الذين يمارسون أعمال الدجل.ومع ظهور الإسلام ونزول الآيات القرآنية التي تقر بوجود السحر والجن, بدأ الدجالون يلعبون على هذا الوتر متخذين شتى الطرق, وأخذوا يدعون قدرتهم على علاج السحر بالسحر.. ومع انتشار هؤلاء اصبح السؤال الذي يطرح نفسه ويثير الجدل هو: هل يجوز علاج السحر بالسحر؟ د. عزت عطية أستاذ الحديث بجامعة الأزهر أوضح أن الجن خلق من خلق الله لا نعلم عنهم إلا ما ورد في القرآن الكريم, وما ورد في السنة النبوية الصحيحة, وليس فيهما, أي القرآن والسنة - أنهم يمثلون قوة ضاغطة على عالم الإنس لتتحكم في مصائره أو توقع به الأذى الذي لا يمكن دفعه إلا بإرضائهم أو إرضاء وكلائهم من الإنس, ومثل هذه الأمور تروج دائماً عند ضعاف الدين حينما يبتعد الإنسان عن القواعد الأصلية في التعامل مع الله ومع الخلق.. وما يحدث أحياناً من ضرر بسبب الجن لا يمثل نسبة لها أثر في حياة الناس.. وإنما هو أمر شاذ يشك في وقوعه أصلاً لأن الله سبحانه وتعالى حمى الإنسان من كل الأضرار التي تنتج عن غير الوجه المعتاد بين الناس إلا إذا خرج الأمر عن السنن المعتادة, مثلما أهلك الله به الأمم السابقة عقاباً لهم على الكفر وإيذائهم لأهل الإيمان.. فسلط الله عليهم قوى خفية لا قبل لهم بها, قال تعالى: "فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ومنهم من أخذته الصيحة, ومنهم من خسفنا به الأرض, ومنهم من أغرقنا, وما كان الله ليظلمهم, ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" (العنكبوت:40) ويؤكد الدكتور عطية أن من يلجأ إلى الشياطين ويتعامل معهم يفتح على نفسه أبواباً من الشر لا خلاص له منها في الغالب.. أيضاً من يلجأ إلى المتصلين بهم أو المدعين بغير حق فإنهم يتلاعبون به ويتعاونون جميعاً على قطع صلته بربه واعتماده عليهم ليتمكنوا من التصرف فيه, كما يريدون, كما أن ممارسة السحر أو استعماله أو الخوف منه فتنة تؤدي إلى الكفر, المشاكل أو التنبؤ بالغيب أيضاً فتنة تؤدي إلى الكفر بدليل أن من يسمعهم يجد أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً, ويحرفون ألفاظ القرآن ومعانيه, ويتوجهون إلى الشياطين في الكواكب أو أعماق البحار, وفي الأماكن الخالية, ويكذبون ما يشاؤون, ولا تقوم أقوالهم على حقائق شرعية أو عقلية, وإنما تقوم على استهواء الناس, ودغدغة مشاعرهم وشهواتهم, وما لا يتصل بحياتهم المعتبرة عند الله وعند الناس.جانب كبير من رجال الدين اتفقوا على أن علاج السحر بالسحر لا يجوز شرعاً لأسباب عشرة وضحها الشيخ خالد العطيفي وهي:1 - أن في ذلك استعانة بالشيطان من دون الله, وقد أوصانا الله ورسوله "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله".2 - ان السحر من عمل الشيطان, وأن الساحر يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يستجيب لمطالبه, وقد يأمره الشيطان بالكفر فيكفر ويسيء إلى المصحف وهذا كفر بالله.3 - سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة "وهي علاج السحر بالسحر" فقال هي من عمل الشيطان, رواه أحمد وأبو داود والحافظ عن جابر رضي الله عنه.4 - ان القول بالجواز يستلزم تعلم السحر وهذا منهي عنه, وكذلك الذهاب إلى السحرة والاستعانة بهم من دون الله.5 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما جعل الله شفاء أمتي في ما حرم عليهم".6 - "من لم يشفه القرآن فلا شفاه الله ومن لم يكفه القرآن فلا كفاه الله".7 - قال ابن الجوزي: النشرة هي حل السحر بالسحر وهذا لا يقدر عليه إلا ساحر, والساحر كافر لا يجوز الاستعانة به.8 - النبي نهى صراحة في أكثر من موضع عن الذهاب إلى الساحر أو الكاهن أو العراف.9 - قال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه "اقتلوا كل ساحر وساحرة".10 - إن الساحر قد يقوم بأعمال كفر وشرك لا يعلمها أحد, وقد يطلب من المريض أعمالاً هي عين الشرك والكفر, فيكفر المؤمن وهو لا يدري ويقع بذلك في ما حرم الله سبحانه وتعالى, وبناء على هذه الآراء اتفق جانب كبير من رجال الدين على أن علاج السحر بالسحر حرام شرعاً ولا يجوز,ومن جانبه أكد الشيخ إبراهيم عبده عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف أن علاج السحر بالسحر لا يجوز شرعاً لأنه لا يجوز الذهاب إلى الساحر أصلاً.ويعرف الشيخ إبراهيم السحر بأنه التغيير, أي تغيير الحقائق وهو أنواع فمنه سحر التخييل وهذا النوع من السحر هو ما حدث مع سيدنا موسى وهو ما قال الله في شأنه "يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى", وهناك سحر التفريق أي التفريق بين الزوج وزوجته وقال تعالى "وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ" (البقرة:102), وهناك أنواع من السحر كلها حرام لأنها لا تقوم إلا على الكفر بالله, وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الذهاب إلى الساحر أو الاستعانة به فقال: "من ذهب إلى ساحر أو عراف لم يقبل منه عمل أربعون يوماً, ومن صدق بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".وأضاف: هناك من العلماء والأئمة من ذهب إلى جواز علاج السحر بالسحر وهو ما يسمى "بالنشرة" وهم الإمام أحمد وبعض الحنابلة إلا أن أسانيدهم في هذه الإجازة ضعيفة.وهذا الإنسان المريض قد يموت وهو عند الساحر أو قد يموت بعد خروجه من عنده فيموت على الكفر كما ورد في الحديث الشريف السابق, ولذلك لا نرى إلا أن نمتثل لقول الحبيب المصطفى "ما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا".ولكن هناك من أجاز علاج السحر بالسحر انطلاقاً من مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات", أي أن ذلك لا يكون إلا بعد فشل الشيخ المعالج بالقرآن الكريم في علاج هذه الحالة فيلجأ إلى العلاج بالسحر على اعتبار ذلك ويستدل هؤلاء برأي أرجعوه إلى الشيخ عبد المحسن العبيكان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية, حيث قال في فتواه التي أثارت جدلاً كبيراً في العالم الإسلامي: يجوز حل السحر بالسحر وهذا ما ذهب إليه الحنابلة والإمام أحمد والبخاري وابن حجر وسعيد بن المسيب البصري, وأضاف الشيخ عبد المحسن أن الإمام الحسن قال تعليقاً على حديث السيدة عائشة عندما ذكرت علاج "النشرة" أي السحر أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها ذلك قال الحسن "لأنه لا يكاد يعرف السحر إلا "الساحر", وأن الحنابلة أجازوا ذلك ما دامت هناك ضرورة.كما يدل هؤلاء المؤيدون لعلاج السحر بالسحر بما قاله الرحيباني بأنه "يجوز حل السحر بسحر لأجل الضرورة وهو المذهب". وهذه الضرورة محمولة على تعذر حل السحر بالنوع الأول من "النشرة" وهو ما يكون بالرقية الشرعية والأدعية النبوية والتعاويذ.وهكذا فإن غالبية جمهور العلماء ذهبوا إلى عدم جواز علاج السحر بالسحر, إلا أن هناك فريقاً ذهب إلى جوازه ويقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال "اختلاف أمتي رحمة", أي أن في اختلافهم رحمة بمعنى أن أي مؤمن يتعذر عليه عمل شيء بما ورد في أحد المذاهب فليأته بما ورد في مذهب آخر عسى أن يكون ميسراً.