في محاولة نقدية للوقوف علي معالمه·· أتيلية القاهرة يناقش:
القاهرة/14اكتوبر/ نهال قاسم:“النقد الثقافي في عصر العولمة" عنوان الندوة الثقافية، التي عقدت في أتيليه القاهرة مؤخراً، حيث أكد فيها د·مدحت الجيار أستاذ الأب العربي بالجامعات المصرية أهمية النقد الثقافي لكونه يعد نقلة نوعية وتاريخية في عصر ما بعد الحداثة، والذي جاء بديلاً عن الفلسفة بالمعني الأكاديمي المتخصص أو بديلاً لتعدد الخطابات المتخصصة في شتي ميادين المعرفة ذات الأدوات والمناهج والغايات الخاصة، وهذا بدوره جعل الأنشطة العقلية تبدو وكأنها تدور في جزر منعزلة·وأشار إلي أن النقد الثقافي مجال ثقافي لم ينتج العولمة فحسب، بل هو سليل نفس العوامل والمتغيرات التي أدت إليها، فالنقد الحديث عودة إلي أصل الثقافة الإنسانية بعيداً عن الخطابات المتخصصة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأدبية أو الفلسفية أو العلمية، هذه النصوص التي تنتج عن أي ممارسة إنسانية ثقافية من قول أو فعل أو حدث له أهمية ويتوالد عنه دلالة ما ولا تندرج تحت تخصص خطاب بعينه، وهي المفردات أو الموضوعات التي يتناولها النقد الثقافي متجاوزا الحواجز القديمة، التي صنعتها الخطابات المتخصصة، والتي كانت تقوم علي فكرة النقد أو البنية التي كانت الإطار المهيمن المنظم·[c1]واقع عقلي[/c]وقال د·صلاح قنصوة أستاذ الفلسفة بالجامعات المصرية: أن الفكرة العامة التي قامت عليها البنيوية، لتستمد في الأساس من عبارة الفيلسوف "هيجل" ونصها "كل ما هو واقعي عقلي وكل ما هو عقلي واقعي" أي أن هناك بنية أو نسق في الواقع علي غرار الموجود في العقل الإنساني، وبالتالي فإن الإنسان ليس إلا معبراً أو جسراً يفكر من خلال هذه البنية أو العقل وأن الإنسان يتحدث من خلال اللغة وليس من خلال نفسه، أي أن هناك نسق سابق للإنسان والممارسة الإنسانية والثقافية، ولأن الواقع بطبيعته متغير وتفاصيلة متعددة·ومن ثم ترتب علي ذلك محاولات الإنسان منذ بدء الخليقة لفهم هذا الواقع للسيطرة عليه حتي يتمكن من السيطرة علي الآخرين، مما جعله يلجأ إلي وضع نسق جاهز يقوم فيه بترتيب العناصر المتباعدة حتي يسهل فهمها وتفسيرها، إلا أنها بمرور الوقت تتحولت هذه الأنساق أو المعقوليات المتعددة أو البنية العقلية والثقافية، إلي واقع ومن هنا جاء اليقين والإيمان بصدق النظريات·وفي إطار مقارنته بين الحقيقة والواقعية، شدد علي أن استخدامنا للحقيقة، كما لو كانت كيانا مستقلاً وسعينا الدائم لاكتشاف الحقيقة الكامنة بينما هي وهم من أوهام اللغة وأنها أشياء يمكن النظر إليها من زوايا أخري متعددة، فالحقيقة هي وصف معرفي إنساني لحكمنا علي الواقع المتغير الموجود بالفعل وهو أمر لا يمكن إنكاره، مشيراً إلي أن حكمنا علي هذا الواقع يختلف باختلاف الزمان والمكان، بل وحتي من شخص إلي آخر، وأنه من هنا تنشأ فكرة غربة الإنسان عن ما هو قائم فعلياً من وقائع، وذلك من فرط اعتياده لها وتعامله اليومي معها، الأمر الذي يعيد اكتشاف تصورنا نحن في واقع الأشياء في ذاتها، وهي وظيفة الثقافة التي تعمل علي السيطرة على الطبيعة ومحاولة فهم العالم الذي نعيش فيه حتي نتمكن من السيطرة على الآخرين·[c1]المعني الشائع[/c]وانتقد قنصوة النظرة المشينة للفلسفة والفلاسفة في الشرق والتي تختلف عن نظرة الغرب، حيث إننا نستخدمها بالمعني الشائع علي اعتبار أنها أقوال تنتج من فراغ وليس لها قيمة أو معني، وفي المقابل نجد الصحف اليومية والخاصة تستخدم مصطلح الفلسفة عند الحديث عن التعليم أو الاقتصاد بمعني الاسترايجية أو الخطة العامة والنظرة المحيطة للموضوع المتناول بالدراسة في حين أن الفلسفة تعني كل حكم عام عن الزمن أو الواقع أو الإنسان، وهي الموضوعات التي لا تخضع بطبيعتها تحت تخصص أو علم معين من العلوم، وهي السؤال الذي لم نجد إجابته في العلوم المتخصصة مؤكداً إلى أن هذا النوع من التفلسف نمارسه جميعاً ويومياً دون أن نشعر بذلك، إلا أنه يعيبه التناقض فقد نكون متفائلين صباحاً ثم نغدو في ختامي اليوم متشائمين أو مكتئبين إثر تعرضنا لحادثة ما· وقال: إنه في كل عصر ثقافي يكون في الساحة الثقافية منظومة رائدة أساسية ففي العصور الوسطي كان هناك الدين سواء في الشرق أو الغرب، فظهرت الفلسفة المسيحية وكانت الإشكالية في قيام الفلسفة طرح المشكلات والإجابة عليها وفقا للاتجاهات المختلفة والإسلامية، وفي عصر النهضة كان هناك فكرة إعادة لاكتشاف العالم وفهمه علمياً، وكانت الإشكالية الخاصة به ترتبط بالمنهج المتصل بدراسة العلوم الطبيعية، والذي لا يصلح بالتالي لدراسة العلوم الإنسانية التي ظهرت بعد كانط وهيجل مع الفلسفة المعاصرة، أما في عصر العولمة أو ما بعد الحداثة فقد أصبحت الساحة الثقافية متعددة ومتنوعة، وبالتالي لا توجد منظومة أو نسقا بعينه فكان لابد للفلسفة أن تلبي هذا المطلب الفكري، وحتي في مجال العلوم الاجتماعية، لنجد فيها نظرة جديدة للمجتمع والإنسان، ولم تعد تختض بجانب معين، وإنما أصبحت ـ كالساحة الثقافية ـ شديدة الاتساع والتداخل والترابط·[c1]استراتيجية إجرائية[/c]وأضاف د·صلاح: أن النقد الثقافي ليس نظرية أو تحليلاً أو منهجاً ولا مذهباً، وإنما هو استراتيجية وممارسة إجرائية لدراسة أي نص ثقافي، وهو أي قول أو فعل أو حدث يحدث في الواقع الثقافي والقيام بدراسته من جميع الزوايا والرؤى بالاستعانة بالنظريات السابقة، التي تكون بمثابة أدوات للفهم، ومن ثم لا تسقط الماركسية أو البرجماتية أو الوجودية أو الهيجلية أو الكانطية، وإنما تستخدم جميعها كل حسب الحالة موضع الدراسة منبها علي أن القانون العلمي الجديد لا يلغي القانون السابق، وإنما يتجاوزه ويحتويه في فكر أوسع ومن هنا كان النقد الثقافي يستفيد من كل ما هو قائم الآن، ومن كل ما مرت به الثقافة الإنسانية، مما يفتح الأفق أمام تفسيرات أكثر صحة وإيجابية كاشفا لنا عن الأبنية الفاسدة من الفكر وتحطيمها كنوع من التنوير الجديد والخروج عن وصاية الخطابات المرسومة الحدود القائمة علي قواعد وتقسيمات سابقة التي لا تزال تحكمنا حتي نصبح أكثر تحرراً وقدرة علي التفاهم والحوار والتواصل·