محمد رجب أبو رجب تحل علينا الذكرى الستون لنكبة الشعب الفلسطيني في الخامس عشر من مايو الحالي، حيث تحقق لإسرائيل ما كانت تحلم به، ففي الفترة الواقعة بين 11/29 /1947م (قرار التقسيم ) إلى تموز 1949م، (تاريخ توقيع آخر اتفاقية هدنة مع سوريا) ، تحقق لإسرائيل ما كانت تخطط له منذ سنوات طويلة. لقد نفذت بالقوة العسكرية عملية طرد الفلسطينيين من بلادهم تحت ستار الدفاع عن النفس، وأصبح بذلك (805.000) من سكان فلسطين لاجئين ، وهم سكان 531 قرية ومدينة ، وأراضيهم تمثل (92.6 %) من الأراضي التي احتلتها إسرائيل ، هذه هي الكارثة الكبرى التي عرفت باسم النكبة (الهولوكوست الفلسطيني ) ليس لها نظير في التاريخ الحديث . إذ لم يحدث من قبل أن غزت أقلية أجنبية أكثرية وطنية واحتلت أرضها وطردتها من ديارها بدعم مالي وسياسي وغطاء شرعي دولي من الخارج. ولتغطية آثار هذه الجريمة ، أقنعت إسرائيل الغرب بأن هؤلاء اللاجئين مشكلة عربية، لان العرب هم الذين اعتدوا على إسرائيل، وأن، اللاجئين خرجوا طوعاً أو بأوامر عربية، وأن مسؤولية إيوائهم وتوطينهم تقع على عاتق الدول العربية. هذه هي المغالطة الإسرائيلية ، والحقيقة أن فلسطين العربية كان يسكنها عام 1918م، (675) ألف عربي فلسطيني و(56) ألف يهودي، ويملك العرب في فلسطين البالغ مساحتها (26.322.420) دونما (25.901.820) دونما، ويملك اليهود منها( 420.600) دونم، وكان يسكن اليهود في القدس ، وحيفا، وطبريا، وصفد ، ويافا مع عرب فلسطين بأمن وسلام حتى فتحت حكومة الانتداب البريطاني أبواب فلسطين للهجرة الصهيونية أرض فلسطين ، وهنا انقلبت الأوضاع في فلسطين ، وأخذ المهاجرون الصهاينة يستولوا على الأراضي ويقيموا عليها المدن والمستوطنات الصهيونية والتي كانت مقرا ومركزاً لأكثر من (75) ألف صهيوني تم تدريبهم وتسليحهم بمساعدة حكومة الانتداب البريطاني ليكونوا نواة للجيش الصهيوني. لقد مارس الصهاينة بروحهم العنصرية وطبيعتهم الإجرامية واللا إنسانية ضد العرب كل الأساليب الغير قانونية ، والإرهابية ، والحجج الواهية وارتكاب المجازر من اجل طرد الفلسطيني والاستيلاء على أرضه وأملاكه. لقد عكف القادة الصهاينة على وضع الخطط والسياسات اللازمة للتخلص من الشعب الفلسطيني ، وقد كتب يوسف فاتيس مدير الصندوق القومي اليهودي، مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية للشؤون العربية، في مذكراته عام 1920م (بيننا وبين أنفسنا) يجب أن يكون واضحاً أنه لا يوجد مكان في البلاد لشعبين معاً فمع وجود العرب لن نتمكن من تحقيق هدفنا المتمثل في أن نكون شعباً مستقلاً في هذه البلاد. أن الحل الوحيد الذي نراه هو أن تصبح أرض إسرائيل وبدون العرب، ولا توجد طريقة لذلك غير نقل العرب من هنا إلى الدول المجاورة، نقلهم جميعاً بحيث لانبقي ولا قرية واحدة. ولاجل هذا الهدف أقام الصهاينة معامل أسلحة ، واعدوا منظمات إرهابية مقاتلة وأنشئوا كتائب شباب (الجدناع) وقوات شرطة المستعمرات ، ووضعوا تحت تصرفها أسلحة متنوعة. لم يكن الإرهاب الصهيوني وليد لحظته ن إنما حالة متأصلة في أعماق الصهاينة فكراً ،وسلوكاً ، يقول جابوتنسكي : (أن التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء) ويقول مناحيم بيغن : (كن أخي وإلا قتلتك) ، وقد أقيمت في أمريكا رابطة عنصرية إرهابية بزعامة حاخام صهيوني مغتصب يدعى (مائير كاهانا) تقوم بأعمال العنف والإرهاب أي إنسان إو جماعة وحتى دولة تقف في وجه الصهيونية ، وأطلق عليهم اسم (عصابة الدفاع اليهودي) وشكل كاهانا فرعاً لهذه العصابة في الأرض المحتلة. كما أن عصابتي شتيرن والأرغون (تسفاي لؤمي) هما العصابتان الإرهابيتان اللتان عاثتا في أرض فلسطين دمارا وبطشا فبل قيام دولة إسرائيل وبعد قيامها. لقد نتجت الهجرة الفلسطينية تحت ضغط الأوضاع التالية : 1- قصف جوي، وهجوم القوات اليهودية بمدافع المورتر. 2- طرد وجلاء بالقوة 3- مذابح جماعية. جرى تهجير المدن وفق خطة عسكرية تبدأ يقصف مدفعي لضاحية أو قرية مجاورة للمدينة ليدفع سكانها للهرب إلى المدينة بقصد أضعاف معنويات أهلها ودفعهم للمغادرة ، ثم يتبع ذلك بقصف المدينة بين حين وآخر على مدى أيام أو أسابيع ، وبهذه الطريقة تنهار المعنويات .1- مذبحة دير ياسين : في 9 نيسان 1948م ، احتلت القوات الصهيونية القرية وذبحت السكان المدنيين غير المسلحين بمن فيهم الأطفال والنساء و الشيوخ ، وأدت إلى رحيل من تبقى والبالغ عددهم 750 نسمة. 2- مذبحة اللد : بعد أوامر من الون ورابين تم ذبح أكثر من 250 مدنياً في اللد وطرد سكانها البالغ عددهم ثلاثين ألفاً ، واجبروهم على السير مشياً على الأقدام باتجاه رام الله وذلك في شهر رمضان ، وتحت أشعة الشمس حيث توفي ما يقارب 300 من الأطفال والشيوخ قبل وصولهم إلى رام الله. 3- مجزرة الدوايمة : حدثت المجزرة في 29 - 30 أكتوبر 1948م على يد الكتيبة 89 في الجيش الإسرائيلي ، قادها موشي دايان وذلك بعد سقوط القرية دون قتال .. ووصف أحد الجنود هذه المجزرة وقال : قتلت الكتيبة الأولى ما بين 80 - 100 عربي من الذكور والنساء والأطفال ، وقتل الأطفال بتكسير رؤوسهم بالعصا، ويتباهى جندي بأنه اغتصب امرأة ، ثم قتلها. 4- مجزرة صفصف : ربط في صفصف 52 رجلاً بالحبال والقي بهم في بئر وأطلقت عليهم النار. 5- مجزرة كفر قاسم : في الثامن والعشرين من أكتوبر 1956م، إصدر اليهود أمراً إلى عمدة كفر قاسم بأنه على جميع السكان أن يكونوا داخل منزلهم في الخامسة مساء، فقال المختار أننا في الخامسة إلا الربع وهناك استحالة في إبلاغهم بهذا الأمر المفاجئ ، ولكن القائد اليهودي (ششنه شادحي) كان يبيت أمراً عسكرياً لابد من تنفيذه ، فكان الجنود بانتظار عودة الفلاحين مساء من مزارعهم وأطلقوا عليهم النيران فسقط منهم 57 قتيلاً و27جريحاً ، نفذ هذه الجريمة 3 ضباط صهاينة هم ششنه شادحي ، والرائد مالكني والملازم غيبريال دهان. هذه الجرائم والمجازر والتي ذكرت البعض منها اعترفت بها تقارير الصليب الأحمر الدولي وشهود عيان هي التي كانت مدعاة لهجرة العرب ، ولا يستطيع أحد أن يلوم عليها الشعب الفلسطيني . لقد تمت عملية الطرد في خمس موجات كبيرة متعاقبة بين تشرين الثاني 1947م وكانون الأول 1951م ، وهو ما يمثل على وجه التقريب ثلاثة أرباع السكان الأصليين الفلسطينيين ، ولم يعد هناك مجتمع فلسطيني إنما إجراء مجتمع ، تعيش في عدة بلدان ، تحكمها أنظمة وقوانين مختلفة: 1- فلسطينيون داخل حدود الأرض المحتلة 1948م، ويسمون عرب إسرائيل .2- فلسطينيو الضفة الغربية وغزة المقيمون ، واللاجئون. 3- اللاجئون في الأقطار العربية (مصر، والعراق ولبنان وسوريا والأردن) .4- الفلسطينيون المهاجرون (أمريكا وكندا وغيرها وشبه الجزيرة العربية والخليج). أما بعد حرب 1967م ، فقد تغير الوضع والأسلوب وحجم المشكلة ، فقد زاد عدد اللاجئين ، فبعضهم كان لاجئاً وهاجر للمرة الثانية ، وبعضهم طرد من وطنه في الضفة وغزة فأصبح نازحاً ، وتضاعفت مساحة الأرض العربية المحتلة ، وإزاء شعور الإسرائيليين بالانتصار أمعنوا في سن القوانين التي تتحايل على الاستيلاء على أراضي اللاجئين (داخل إسرائيل) اليوم، ونحن نعيش الذكرى الستين للنكبة يشتد الضغط الدولي ، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تصرح علنا وعلى لسان رئيسها بوش بأن عودة اللاجئين أمر غير قابل للنقاش وأن قرارات الأمم المتحدة التي أخذتها بهذا الصدد ، لا تستطيع تنفيذها ويجب أن نبحث عن حلول أخرى مثل التعويض ، طبعاً هذا الكلام جاء بعد ماسمي (بمؤتمر انابوليس) وأثناء زيارة السيد بوش إلى رام الله فلسطين. ونجد ونحن نعيش الذكرى الحصار يشتد على غزة والضفة الغربية ، والقتل والاغتيال والاعتقال لايتوقف ، ونجد حالة الانقسام وهي الأخطر في الساحة الفلسطينية مستمرة رغم كل المبادرات التي قدمتها الفصائل الوطنية الفلسطينية والأشقاء العرب وفي مقدمتهم المبادرة اليمنية، ولا أبالغ أن قلت أن حالة الانقسام هذه باتت تهدد المشروع الوطني الفلسطيني برمته ، وبات الكيان الصهيوني يبحث والإدارة الأمريكية وآخرين عن حلول للدولة الفلسطينية خارج الأرض الفلسطينية ، وهذا أخطر ما نواجه. فكيف لنا ونحن نحيي الذكرى الستين للنكبة ، أن نقبل على أنفسنا استمرار حالة الانقسام هذه ، بعد أيام قليلة في 15 أيار الجاري ستحتفل دويلة إسرائيل بذكرى قيامها وبحضور السيد بوش الذي يقر يهودية الدولة ، سيسخر منا أبناء شعبنا الفلسطيني ، وسيسخر منا اشقاءنا العرب، وكل أحرار العالم ونحن في هذه الحالة ونصر على الانقسام ، ونصر على حكومة في غزة وحكومة في رام الله. في الذكرى الستين نجد أنفسنا نفاوض ونفاوض ونفاوض ولم نخرج من هذا التفاوض بشيء يذكر/ نراهن على مؤتمرات عقدت ولقاءات تمت ووعود أعطيت وأخذت والنتيجة لاشيء ، ماذا تبقى لنا؟ نقولها بوضوح وبصراحة ، لم يبقى لنا الا العودة لبناء بيتنا الفلسطيني وتحقيق وحدثنا الوطنية والالتفاف حول الثوابت الوطنية وفي المقدمة منها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس ، خاصة وأنه معلوم للجميع أن الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في العودة قد تم في 11 كانون الأول ، ديسمبر 1948م بموجب قرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وقد تكرر هذا الاعتراف مرات عديدة ، وفي الواقع رقم 194 والقرارات اللاحقة بكاملها والتي هي لمصلحة الفلسطينيين جاءت لان الفلسطينيين كانوا ضحايا الهجرة الجماعية الكثيفة، ويعني جميع الفلسطينيين الذي اقتلعوا من أرضهم (لاجئين - نازحين) مطرودين. أن التشكيك في إمكانية عودة اللاجئين من ناحية عملية والذي يروج له الكثير في هذه الأيام لا أساس له ولا نقبله . وإذا كنا نبحث عن السلام ، فان عودة اللاجئين هي دعامة السلام والاستقرار والأمن وهو الخيار الوحيد الواجب الأخذ به ، وادعاء إسرائيل أن عودة اللاجئين ستعكر النقاوة اليهودية فما هو الإكلام عنصري لم يعد له مكان في القاموس الوطني الفلسطيني . [c1]المراجع : [/c]رمضان بابا رجي ، حق العودة للشعب الفلسطيني ومبادئ تطبيقه. نجيب الأحمد، دولة الاحتلال الصهيوني ، سياستها التوسعية والعنصرية. سلمان أبو ستة ، حق العودة مقدس وقانوني وممكن. عبدالوهاب المسيري ، موسوعة اليهود واليهودية ، الجزء السابع. مذكرات بن غوريون ، المجلد. سعد الياس ، الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة. الموسوعة الفلسطينية ، المجلد الثاني. وليد الخالدي ، ما الذي جعل الفلسطينيين يرحلون.
|
اتجاهات
ستون عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني
أخبار متعلقة