مع الأحداث
تستطيع مشاهدتها بأم عينيك حال خروجك إلى الشارع ، وفي كل خطوة تخطوها في الشارع والمدرسة ومرافق العمل، كلما بذلت جهداً وتقدمت خطوة إلى الأمام صعوداً ستدفعك بقوة خطوات إلى الوراء، عفواً، لن تتمكن من ردعها إذا كنت ضعيفاً أمام قوتها الجبارة وسطوتها في نفوس بعض الناس؛ فهي كالنار في الهشيم تلتهم الأخضر واليابس وتفتك بك وبما حولك، ستضطر آسفاً للتراجع إلى الخلف بعد عجزك عن مواجهتها ومقاومتها منفرداً وإفساح الطريق لهذا الغول الشرير القادم ليعبث بك وبنا وبكل مقدرات البلاد، ببساطة هي (ظاهرة الفســاد).يُقال: إن الضمير منبعه النفس، وظيفته مراقبة ومحاسبة أفعال الإنسان لضبط وردع النزعات الشريرة وإرشاده إلى الصواب ، الضمير بمثابة السّراج المضيء الذي ينير درب المرء، للضمير صوت وجع وأنين يصطلح على تسميته بــ (التأنيب)، تأنيب الضمير دائماً يلاحق صاحبه فلن يهنأ براحة البال والسكينة إلا بالعودة لتقييم الأفعال ومراجعة النفس وبناء سلوكيات جديدة ، فهو الضابط المسؤول عن عمله الملتزم بقانون خاص من القيم والمبادئ العليا كـ ( النزاهة والصدق وتحمل المسؤولية وصيانة الأمانة والامتثال لصوت الحق ) ومن سلك هذا الطريق كان ضميره يقظاً لا ينام ، أما من خالف ضميره فقد خلع عنه الحياء وبات خائناً لمَ أؤتمن عليه ، يتلذذ بأفعاله الانحرافية دونما شعور بعقدة الذنب أو خوض غمار صراع ومعاناة مع الذات، لقد مزق ضميره ولم يعد له نبض وحياة ورماه في أقرب مكب للنفايات ، واستسهل الحرام، والظلم، والكذب، والتلفيق وغيرها من الكبائر، هكذا هم الفاسدون كتبوا مبايعة ضمائرهم على ورق البنكنوت.إن الحضارة لا تُبنى بالعلم وحده حيث تشكل الأخلاق وقود التنمية ومرتكزاً أساسياً، وأهميتها تفوق أهمية المأكل والمشرب، والأمم تُبنى على الأخلاق وانهيارها مرتبط بالانحلال والانحراف، الأخلاق هي مجموعة من القيم تعني إجادة التصرف والتحلي بالسلوك اللائق والامتثال للصواب، فإذا حُسنت أخلاق الناس نهض المجتمع وتقدم وصولاً إلى مرتبة ما يقارب الكمال، وإذا ساءت أخلاقهم انحط المجتمع وصار في الدرك الأسفل على شفير الهاوية. كانت قد أوكلت مهمة غرس الأخلاق على دور العلم المختلفة وقُدمت التربية على التعليم، وتم تسخير العلم لخدمة أغراض التربية وإعداد وتوجيه النشء منذ المراحل الدراسية الأولى نحو الأخلاق الحميدة، للمربي دور بارز في الكشف لطلابه عن وجود حياة ملؤها الفضيلة والنزاهة والأمانة والصدق واجتذابهم نحو الخير والصلاح، فذلك يعد حماية ووقاية للمجتمع من انتشار وباء الفساد وبناء مجتمع صالح ، لكن - هنا نضع خطاً أحمر تحت كلمة لكن - عندما تنحرف المدرسة عن أداء مهمتها في تقويم اعوجاج الأخلاق وتلقين طلابها أهمية الشرف والنزاهة ، تُدق أجراس الخطر معلنة عن ولادة جيل فاشل وغشاش، وكان المعلم والمدرسة شركاء في غرس أولى بذور الفساد وسوء الخلق.الفساد بكل أنواعه من سرقة المال العام والاستغلال السيئ للمنصب الوظيفي في تحقيق مصلحة خاصة والتسيب وعدم الانضباط واستكمال المواطن معاملاته في الدوائر الحكومية عبر الرشاوى التي تبدأ من البوابة وتنتهي إلى المدير صار أمراً اعتيادياً في ظل عدم احترام ثقة الدولة وفقدان الحس الوطني والأخلاقي والوازع الديني والضمير الحي.فكان إنشاء هيئة مكافحة الفساد التي حددت مهامها بموجب القانون وأعطيت لها صلاحيات واسعة في ملاحقة ومساءلة كل فاسد تعتبر خطوة إيجابية لتنظيف المجتمع من الفاسدين.وإقالة بعض الوزراء السابقين بسبب وجود ملفات فساد عنهم يدل على فعالية الهيئة، ويتبقى عليها تفعيل دورها وأداء المهام المناط بها من خلال التنسيق و المتابعة الأكبر مع أجهزة الدولة.حتى لا تذهب الجهود هباء. مسؤولية اجتثاث الفساد من جذوره ليس على الهيئة فقط، ويستلزم مشاركة منظمات المجتمع المحلي والمدني من خلال بث ثقافة مكافحة الفساد ومحاربته عملياً والتعريف بأخطاره وتأثيره السلبي في ضياع فرص التنمية، والسعي لخلق مجتمع يقظ الضمير، متمسك بالأخلاق الفاضلة، مرتكز على مبدأ المصداقية والعدالة الاجتماعية.