السلطوية في التربية العربية
عرض وتحليل / د. يحي قاسم سهل المحاميوضع د/ يزيد عيسى السورطي الباحث في أصول التربية في المملكة الأردنية الهاشمية يده على (مشكلة تربوية غربية حقيقية هي السلطوية بأبعادها المختلفة) وذلك في كتابة الموسوم بـ (السلطوية في التربية العربية) الصادر عن سلسلة (عالم المعرفة) الشهرية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت أبريل 2009م العدد (362).وتتمثل إشكالية الكتاب بحسب المؤلف في السؤالين الآتيين:ماهي أهم مظاهر السلطوية بوصفها ظاهرة في التربية العربية.ماهي أهم نتائج السلطوية في التربية العربية.وللإجابة عن السؤالين السابقين بدأ المؤلف بتشخيص المشكلة وتحديدها بوصفها أي السلطوية (ظاهرة تتفشى في كثير من نظم التربية والتعليم في الوطن العربي، فتعمل على الحد من كفايتها وفاعليتها، وتسهم في إعاقة تحقيقها أهدافها فالجو الذي يسيطر على عدد كبير من المؤسسات التربوية العربية هو جو الكبت الفكري الذي يعمل على تعطيل طاقات النمو، ويؤدي أحياناً إلى رفض الطالب لتلك المؤسسات وللعلم بشكل عام ..) وفي إطار تحديد المشكلة أشار المؤلف إلى (أن التربية العربية ببنيتها وتوجهاتها وأساليبها، تعمل في كثير من الأحيان على تكريس مناخ السلطوية).والسلطوية بحسب الكتاب (هي الخضوع التام للسلطة ومبادئها بدلاً من التركيز على الحرية) أو (هي استخدام القوة لذات القوة ومن صورها الشدة، والعقاب، وإلقاء الأوامر والتهديد، والتوبيخ والإحراج، والعنف، والتمييز والحرمان من الحقوق والغرض بالقوة، ومصادرة الحركة، وعدم مراعاة إنسانية الإنسان).ومن دون شك فالتربية الحرة لا تتحقق إلا في ظل وجود مجتمع متحرر من التسلط، لأنها ليست سوى نسقاًَ فرعياً من النظم الاجتماعية تتأثر بها، وتستجيب لها، وتؤثر فيها أيضاًَ) .وعلى أساس ما سبق لا مناص من القول أن السلطوية في التربية العربية بشكل عام (ظاهرة تربوية تمتد جذورها في البنية الاجتماعية العربية التقليدية التي تخشى إطلاق القوى الإبداعية وتنكرها وتحاول كبتها وتشجع الانقياد والامتثال والإذعان والاتكال والتقليد والمحاكاة، وتعمل على التكيف والاندماج ضمن البنى الاجتماعية القائمة، بغض النظر عن سلبياتها.وإضافة إلى المقدمة السابق الإشارة إليها، يتكون الكتاب من فصول سبعة عرض في الفصل الأول (مظاهر السلطوية في العملية التعليمية ـ التعليمية ) وقد حدد تلك المظاهر في السلطوية في طرق التدريس بوصفها ـ طرق التدريس ـ أساليب نقل المعرفة والخبرة مضامين المنهاج إلى المتعلمين باستخدام نظريات التعليم ومبادئها وغير ذلك من مكتشفات سيكولوجية .. وتستخدم في معظم المدارس العربية وعلى نطاق واسع طريقة التلقين بوصفها الطريقة الرئيسية في التدريس وهذه الطريقة تقدم على الحفظ والاسترجاع عند الامتحان وما يرتبط بها علامات سلطوية كقلة الإقناع والتركيز على العقاب الجسدي والعامل المشترك بين التلقين والعقاب هو أن كليهما يركزان على السلطة.ويقودان إلى الخضوع، ويجعلان المتعلم أكثر إذعاناً.وأبرز المؤلف الأسباب التي أدت إلى شيوع نمط التدريس التلقين الذي جعل من مؤسسات التعليم في الوطن العربي مراكز للإخضاع والترويض.والمظهر الثاني من مظاهر السلطوية يتحدد في السلطوية في المناهج الدراسية. أما المظهر الثالث للسلطة يتجلى في (التقويم التربوي) والمتمثل في (إصدار حكم مدى تحقيق الطالب أو الجهاز التعليمي الأهداف التربوية).واستعراض المؤلف مشكلات الامتحانات كما حدد مجموعة من الإجراءات التي يجب اتخاذها لتطوير عملية التقويم التربوي في الوطن العربي.والهدف من ذلك تجاوز الوضع الحالي في بعض النظم التربوية العربية، التي أصبح التقويم التربوي أداة للتسلط على الطالب وترويعه والتحكم في مستقبله ومصيره، وإضعاف قدراته.ويتناول الفصل الثاني مظاهر السلطوية في الجانب الإداري للتربية والمتمثلة في السلطوية في الإشراف التربوي الذي يمارس في عدد من المدارس العربية كعملية سلطوية مزاجية تفتيشية تهدف إلى تخويف المعلم، وإحراقه وإظهار نقاط ضعفه، من دون بذل جهد كبير لمساعدته على التغلب عليها ثم يعرج على المظهر الآخر للسلطوية وهو الإدارة التربوية التي يغلب عليها التسلط وتركيز السلطة، والرجوع إلى ديوان الوزارة في كل القرارات المنظمة للعمل.وتتمثل المركزية في مستويات الإدارة التربوية العربية في اتخاذ القرارات، ورسم السياسات ووضع الخطط التربوية في مجال المناهج وتدريب المعلمين، واستيعاب الطلاب في المراحل المختلفة. ومن مظاهر السلطوية في التربية العربية، السلطوية في الإدارة الصفية وكذلك السلطوية في العلاقة بين المعلم والطالب، و وقف المؤلف عند أسبابها وآثارها ونتائجها.[c1]مظاهر السلطوية في مشكلة الحرية الأكاديمية[/c]لايمكن أن تنمو وتزدهر الثقافة وتتفتح القرائح وتبرز المواهب، إلا في ظل الحرية الأكاديمية والهدف الرئيسي للحرية الأكاديمية هو دعم العطاء العلمي، وإزالة العقبات التي تحول دون انتشار النشاط العلمي والبحثي الحر، وتمنع تغلغل العلم والتفكير العلمي في الحياة لذلك فان الحرية الأكاديمية هي الإطار الذي يوفر حرية التفكير والتعبير والاعتقاد.ويشير المؤلف إلى أن ضعف الفاعلية والتنوع في المناهج وطرق التدريس ووسائل التقويم، والعلاقة التسلطية بين الطلبة والأساتذة جعلت الجامعات العربية عموماً أشبه بثانويات مكبرة لا توفر لطلبتها حقهم في تعليم ممتاز، ما يعد انتقاصاً من حريتهم الأكاديمية. [c1]السلطوية وشيوع الأمية والتميز التربوي[/c]يتناول الفصل الرابع من الكتاب والموسوم «السلطوية وشيوع الأمية والتميز التربوي «الأمية بوصفها مفصله تربوية عربية حقيقية .[c1]السلطوية المتمثلة في التسليع التربوي[/c]وهذا العنوان هو عنوان الفصل الخامس ويقصد به أي التسليع التربوي بوصفه أحد مظاهر السلطوية التربوية العربية التي تعمل على تحويل التربية من رسالة سامية إلى سلعة تجارية. وبحسب المؤلف هناك أسباب للتسليع التربوي كالأسباب الاقتصادية والثقافية والسياسية والاجتماعية والأسباب الفلسفية اذ إن الفلسفة البرجماتية هي من أهم الفلسفات التربوية التي توجه التربية العربية.[c1]اللفظية والماضوية في التربية[/c]استهل الفصل السادس بالتأكيد على أن فرض الانسحاب على الطالب من حياته وحاضره ومستقبله إلى الماضي صورة من صور التسلط التي تضعف العمل والإنتاجية والاجتهاد والممارسة، وتحل محلها ثقافة القول غير المسنود بالفعل، والشعار البعيد عن الواقع، واجترار الألفاظ بدلاً من ترجمتها إلى منجزات.[c1]أولاً: السلطوية المتمثلة في اللفظية التربوية[/c]يقصد باللفظية ( استخدام كلمات رنانة لا تحتوي في حقيقة الأمر على مضمون كبير، فالكلمات تستخدم في حد ذاتها على حساب المعنى. أي أن اللفظية، تعني غلبة الألفاظ على المعاني. ويمكن القول إن ظاهرة اللفظية تعد إحدى المشكلات البارزة المرتبطة بالسلطوية، التي تعاني معظم النظم التربوية والتعليمية العربية. فالعملية التعليمية العربية بشكل عام تقوم على اللفظية شرحاً وتوضيحاً، وتلخيصاً للتلخيص، وخطباً، أما نصيب العمل فقليل. ليس هذا فحسب، بل ثمة شبه انفصال بين التعليم الأكاديمي النظري والتعليم التطبيقي العملي، يرافقه نظرة فوقية للأول، ونظرة دونية للثاني.أما مظاهر اللفظية في التربية العربية فتمتد لتشمل جوانب العملية التربوية كلها واهم ملامحها تتمثل في اللفظية في الأهداف التربوية فكل الخطط والبرامج والأهداف التربوية صيغت بعبارات رنانة طنانة تجعل من الأهداف التربوية مجرد جمل إنشائية أنيقة تطرب السمع وتنعش الآمال، لكنها لا تغير واقعاً، ولا تحسن وضعاً...الخوتتجلى هذه اللفظية كذلك في محتوى المناهج الدراسية وفي طرق التدريس وفي البحوث التربوية التي ليست إلاَّ قشرة زائفة، لأن النظام التعليمي نفسه ليس إلاّ تعليم معارف جامدة، وتعليم إملاء وحفظ واستظهار، وتعليم كلام لا تختبر صحته الأفعال...هذا، وناقش المؤلف أسباب اللفظية في التربية العربية سواء الثقافية أو التاريخية أو السياسية أو الفلسفية أو الاقتصادية.ثانياً: السلطوية المتمثلة في الماضوية التربوية:الماضوية هي « سجن» النظم التعليمة في زنازين الماضي، وحرمانها من العيش في الماضي واستشراف المستقبل. وقد وقفت التربية في الوطن العربي في منزلق الماضوية الذي يتمثل بالتركيز على الماضي، والهجرة إليه، وإهمال الحاضر، وضعف النظرة إلى المستقبل.ومظاهر الماضوية في التربية في الوطن العربي تبدأ من الأهداف التربوية إذ إن أهداف التربية في القرن الحادي والعشرين أكثر وضوحاً وتحديداً. ويهدف تعليم المستقبل إلى بناء الشخصية الإنسانية أكثر من الحصول على المعلومات، إضافة إلى تدريب الأفراد على واجبات المواطنة والمشاركة المجتمعية السياسية وغرس قيم العمل والإنتاج والإتقان فيهم، وزيادة قدرتهم على الابتكار والإبداع والتنظيم، وتطوير مهاراتهم في التفكر المنهجي النقدي العقلاني. والماضوية كذلك تتجلى في المناهج الدراسية وطرق التدريس العتيقة والإدارة التربوية والتقويم التربوي.[c1]نتائج السلطوية في التربية العربية[/c]تناول الفصل الأخير التي خلص إليها الكتاب ويمكن إيجازها في الآتي :[c1]إعادة إنتاج التسلط إضعاف النظام التعليم[/c]تسهيل التغريب الثقافي والتربوي وتتجلى مظاهر التغريب في فلسفة التربية ومناهج الدراسة وضعف اللغة وهو اخطر أنواع التغريب. ومن أهم نتائج الاغتراب المرتبط بالتعليم السلطوي، ضعف التحصيل الدراسي، التسرب من الدراسة والهجرة والإذعان والتمرد والمشكلات النفسية والاجتماعية وإعاقة الإبداع والملل.وتوصلت خاتمة الكتاب إلى أن السلطوية مرض تنتشر أعراضه في كثير من أوصال الجسم التربوي العربي كالمناهج وطرق التدريس، والإدارة والإشراف التربوي والإدارة، الصفية والعلاقة بين المعلم والطالب، وضعف الحرية الأكاديمية.. الخوللتخلص من السلطوية في التربية العربية وهي موضوع الكتاب مناط العرض والتلخيص ثمة مقترحات كحل أهمها أن المعالجة تبدأ من الأسرة وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي عليها إشاعة جو الحوار والحرية والابتعاد عن أساليب القهر، والإذعان والعنف والتركيز على استخدام أساليب الثواب والمكافأة، والتشجيع، والتعزيز، في التنشئة الاجتماعية. وكل ذلك إلى جانب تحقيق الإصلاح السياسي الشامل بالمشاركة الاجتماعية الواسعة واحترام وصيانة الحقوق والحريات العامة، وتوفير العدالة الاجتماعية في توزيع الثروات وثمار التنمية، وتحقيق تكافؤ الفرص، ومحاربة الفقر، وتضييق الهوة بين الطبقات وأخيراً تحرير التربية العربية من أغلال الماضي، وربطها بالحاضر والمستقبل...