أقواس
شفاء منصرتتحرك في إطار ضيق جداً يشبه مسافة الشهقة وافق الصرخة المكتومة وحدود قطرة الندى المتشبثة بأهداب الوردة والتوهج الأخير لضوء شمعة توشك على الانطفاء.. تلك حدود حركة القصة القصيرة جداً لا تتجاوز المشهد الصغير.. واللحظة العابرة والومضة الخاطفة كأنها في تكوينها الأدبي الخاص توجز وتختزل عالماً سردياً واسع الآفاق عميق الثراء والتنوع يفيض بالدهشة والبهاء والشاعرية وهذا يجعلها تبدو كالأخت الصغرى بالنسبة للفنون السردية الأخرى.. وتشبه إلى حد ما قصة(الأخوات الثلاث) في الحكايات الشعبية المروية وعلى وجه خاص حكاية الأخت الصغرى التي دائماً ما تظهر في السياق السردي لتلك القصص الشائقة مزادنةً بالحكمة والفطنة والدهاء بغض النظر عن منبع ومنشأ تلك القصص المنبثقة من مختلف البيئات شرقية كانت أم غربية .وإذا كان فن (القصة القصيرة) كما يرى “ جابر العصفور” (فناً صعباً لا يبرع فيه سوى الأكفياء من الكتاب القادرين على اقتناص اللحظات العابرة قبل إنزلاقها من أسطح الذاكرة وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها الشاعرية بقدر ما يكشف عن دلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه) فان فن (القصة القصيرة جداً) أكثر صعوبة لأنه يتطلب من القاص أن يبدع نصاً سردياً مستوفياً للشروط الفنية بعدد قليل من المفردات التي تمتلك قدرة على الوصول والتغيير. وربما لأن من أهم مميزات هذا الفن العمق الدلالي واللغوي الناتج أساساً من أهم عناصره الفنية وهو (التكثيف).لكن لا يعني اقتناص القصة القصيرة جداً للحظة العابرة اللحظة الومضة بما يتطلبه ذلك العمل من تكثيف دلالي خلو القصة القصيرة جداً من عناصر وشروط العمل القصصي من حدثٍ وحبكة وشخصيات ونهاية لكن الاختلاف ربما في التشكيل السردي للقصة القصيرة جداً من حيث تقنيات السرد التي تتخذ بعض المواصفات تلخصها الكاتبة فتحية الهاشمي بشخوص غير مكتملة وأمكنة بارقة ودون محددات ومعالم إلى حد تبدو معه هذه الأمكنة حميمية أو قل أمكنة الظلة.-أزمنة غير مقيمة أو هاربة وهو ما خلق تسريعاً في السرد.اصطياد المفارقات على أنواعها المختلفة ولغة مكثفة بتلميح باذخٍ ورمزية متعددة الروافد.ولكن هل تعني تلك المواصفات التي تميز تقنيات السرد في القصة القصيرة جداً إنها جنس أدبي جديد؟؟يكشف لنا التاريخ الحقيقي للقصة القصيرة أن المحكي القصير كان موجوداً في التراث السردي الإنساني” وليست منهجاً أو جنساً ادبياً جديداً. و القصة بتسمياتها المختلفة إلا تطويراً لفن الخبر في تراثنا الذي تجمع بين المفارقة والسخرية ومنها الأخبار التي وردت في كتاب المستطرف في كل فن مستظرف ويعترض الكاتب عدنان كنفاني على تجنيس هذا اللون السردي.قائلاً: إن مصطلح القصة القصيرة جداً وما يندرج تحت هذا العنوان لا يعني أن من طرحوه يبتدعون لوناً أو منهجاً أو جنساً ادبياً جديداً ولو عدنا إلى كثير من النصوص القديمة بدءاً بما جاء في القرآن الكريم وكتب السلف ومواقف الظرفاء والشعراء وما تمخض عنها من حكايات لم تتجاوز الجمل القليلة وكذلك بعض النصوص التي جاءت في كتب الخلف لوجدنا عشرات من النصوص تصلح لتكون قصصاً قصيرة جداً حملت إلينا متعة القصة مستوفية الشروط الفنية ووصلتنا سهلة دون أن يفرضها علينا احد تحت عنوان قصة قصيرة جداً وكأنه مصطلح يوحي بابتداع جنس أدبي جديد ولعل الكلمة المبتدعة والتي أثارت جدلاً هي كلمة (جداً وفي رأيي أن إضافة كلمة (جداً) التعريفية بهذا الفن الراقي قد أضافت لوناً مشرقاً على ملامح المشهد السردي المألوف والرتيب وحقنته بشحنه من الالق الإبداعي الزاهي الذي تفتق عن ولادة نصوص قصصية مشرقة وباهرة الإدهاش بلغة فنية راقية ومكثفة قادرة على التعبير السردي الموجز والمكتمل حيث يخطف النص السردي المختزل اهتمام الكثير من القراء الذين رضوا به بديلاً عن الرواية و القصة اللتين تستغرق قراءتها وقتاً طويلاً لا تتجه لهم ظروف الحياة الضاغطة والسريعة.. فنص القصة القصيرة جداً لا يتطلب تركيزاً أثناء القراءة على نفس القدر من التركيز والتيقظ الذي تفرضه قراءة النصوص الطويلة التي تتداخل في حقولها السردية التفاصيل والوقائع والأحداث الجزئية التي توجب على القارئ أن يظل محافظاً على التنقل بين تخومها على خط متسلسل ومرتب حتى لا يتوه أثناء ترحاله المرهق فيغفل راجعاً من حيث آتى.“ لكن قصر نص القصة القصيرة جداً يجعل القارئ يطالعه في دقيقة واحدة أو بضع دقائق إذا أعاد تأملها أو أقراءتها يتيح له التعايش مع النص وتذوقه تذوقاً اقرب إلى الاكتمال”المرجع: القصة القصيرة جداً قراءة في التشكيل والرؤية دراسة في اجزاء للكاتب د0 حسني علي محمد