قصة قصيرة
نظر الدكتور بن مهروس إلى ساعته فوجدها الخامسة وثلاثين دقيقة...لم يستطع الصبر أكثر من ذلك .. ثم رفع رأسه إلى محدثه والقلق ينهشه معتذراً له، بأنه يريد اللحاق بالطائرة .. ستقلع بعد خمس وثلاثين دقيقة ..فودعه معتذراً عن تأخيره .. وودعه “الدكتور بن مهروس” محرجاً ومتعجباً لهذه المصادفة الغريبة التي أضاعت منه خمساً وثلاثين دقيقة!!.ركب الطائرة أخيراً وتخلص من قلق الخوف وفوات موعدها . إقترب من مقعده وهو يرمق الراكب الجالس إلى جواره .. بدأت المضيفة في شرح تعليمات الأمان وكيفية إرتداء جاكت النجاة عند وقوع الخطر لا قدر الله .. أغمض عينيه زاهداً ثم فجأة يشعر “بهرسة” من الراكب شديد البدانة والذي جاء حظه في الجلوس إلى جواره ، حيث فاضت أعطافه فاحتلت ثلث مقعده مما جعل “ الدكتور بن مهروس” مائلاً إلى الجانب الآخر. انفرجت أسارير الراكب وقال له :”إنها تعليمات الطيران الدولي”. وبينما كانت المضيفة مستمرة تشرح كيفية إرتداء جاكت الحياة، كان هو أيضاً مستمراً في حديثه يفصل بين كل تعليمة وأخرى من تعليمات المضيفة بالالتفات إلى “الدكتور بن مهروس” وهكذا حتى انتهت من تعليماتها ، وصاحبنا “الدكتور بن مهروس” لا يزال مهروساً .. مهروساً.. مهروساً، مائلاً إلى الجانب الآخر الذي أحتل ثلث مقعده صاحب “البدانة “ الذي جاء حظه في الجلوس إلى جواره . ثم عرف منه بعد التعارف والاطمئنان أنه في طريقه إلى إجراء جراحة لشفط الدهون وإزالة ثلاثين كيلو جراماً من جسمه .يبدو أنني أتعبتك ببدني هذا الضخم ، رغم أنني في السابعة والعشرين من العمر .. إنها أعماق الشاب من عمر العشرين إلى الثلاثين.أجابه “الدكتور بن مهروس” مبتسماً:أكيد أنك تعلم كما أعلم، ففي داخل كل إنسان أعمار مختلفة .ابتسم صاحب البدانة حتى علا كرشه وانخفض بحركة إيقاعية خفيفة قائلاً :”تقصد المسافة بين العشرين والثلاثين بعدها يتراجع .. المسافة بين العشرين والثلاثين تعيش تحت شمس كثيرة الضوء.. كثيفة البريق ، فيعكس منها نورها على كل ما حولك ، فلا ترى ماذا أمامك بالضبط !”.كان “الدكتور بن مهروس” ينصت إليه باهتمام .. فجأة يأتي صوت المضيفة معلنة ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط .. حينها يلتفت الدكتور مهروس،إلى الخلف قائلاً، “بسيط كهذا المطلب من المضيفة الذي يعفي الإنسان من “وعثاء” السفر كما كان العرب القدامى يقولون “.. التفت إليه الرجل البدين مستغرباً سائلاً: “ماذا تقصد بالوعثاء؟!”.ابتسم “الدكتور بن مهروس” مجيباً:-”الوعثاء” هي المشقة والتعب ومصدرها “الوعث “ وهي الطريق العسيرة.هبطت الطائرة بالسلامة .. امتدت يد “الدكتور بن مهروس” لتحضن كف يد صاحب البدانة قائلاً:“كلماتك مليئة بالإيحاءات .. أقول لك إلى اللقاء ولنرى إلى أين تقودنا تجربة العشرين .. والثلاثين من العمر ؟”.