نشرت جريدة “العامل” التي يسيطر عليها المدعو عبدالله الأصنج في عددها الأخير الصادر بتاريخ 6 جمادي الثاني 1379هـ الموافق 6 ديسمبر 1959م خبراً في صفحاتها الأولى عن استئناف العَلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية العربية المتحدة وبريطانيا. واختتمت الخبر بالعبارة التالية :«والمستفاد أنّ الجمهورية العربية المتحدة قد اشترطت على بريطانيا إنشاء قنصلية لها في عدن مقابل افتتاح قنصلية بريطانية في دمشق».ولقد سمعنا هذه الإشاعة قبل بضعة أشهر وقرأناها في بعض الصحف، وها هي تتردد من جديد وتتناقلها الصحف هنا وهناك.ولكننا لا نحب ولا نريد أن نصدق هذه الإشاعة، بل نحن نحب أن نعتبرها إشاعة جديدة من الإشاعات المسمومة وجزءاً من حملة الدس والفتنة .ذلك أنّ كل وطني في اليمن وكل عربي شريف يدرك أنّ هذه الخطوة لا تعتبر اعترافاً بالوجود البريطاني في عدن ومحاولة لعزل اليمن عن قضية الجنوب اليمني المحتل فحسب ولكنها تعتبر أيضاً طعنة للوحدة اليمنية وخروجاً على قرارات مؤتمر باندونج ومؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي.. تلك القرارات التي تؤكد أنّ عدن وما يسمى بالمحميات جزء لا يتجزأ من اليمن الأم.وكل وطني في اليمن وكل عربي شريف يدرك أنّ مثل هذه الخطوة لا يمكن أن تخدم مصلحة الشعب اليمني ومصلحة الشعوب العربية، وإنّما هي تخدم أعداء الشعب اليمني وأعداء الوحدة اليمنية من استعماريين وانفصاليين وانتهازيين وحاقدين على اليمن.وهؤلاء هم وحدهم الذين يستفيدون من نشر هذه الإشاعة.بل نحن نحب أن نعتقد أنّ هؤلاء هم الذين اخترعوا هذه الإشاعة وروجوها في الصحف لمصلحتهم الخاصة.إنّ هذا الطابور من الحاقدين والانفصاليين والانتهازيين يشتعل منذ زمن بعيد ويشتعل الآن أكثر فأكثر حقداً وعداء للوحدة اليمنية والحكومة اليمنية.. لماذا؟.لأنّ الدعوة إلى الوحدة اليمنية تقطع الطريق على أحلامهم في السيطرة والحكم.ومن أجل ذلك راحوا يعنون الوحدة اليمنية ويسمونها «غزواً متوكلياً» ويطلقون على الجنوب اليمني المحتل اسم «الجنوب العربي» وهي تسمية مفتعلة فيها خداع وزيف وفيها تعميم متعمد.. وهم يتخذون من هذا التعميم ستاراً لطمس وحجب “يمنية” الجنوب المحتل وتغطية أهدافهم الانفصالية.ومن أجل ذلك أيضاً راحوا يكيدون للحكومة اليمنية والوحدة اليمنية لدى رجالات العرب في الخارج ويحاولون إقناعهم بفكرة إقامة كيان «مستقل» في الجنوب منفصل عن اليمن الأم.إنّهم يقولون للمسؤولين العرب في الخارج إنّ الجنوب أكثر تقدماً من الشمال، وأنّ الحركة الوطنية قد بلغت الذروة ولم يبقَ إلا الجلوس حول مائدة واحدة مع الإنجليز لإجراء المفاوضات النهائية حول الجلاء و«الاستقلال».وهذه الادعاءات محض كذب وافتراء وتشويه متعمد للحقيقة.فليس في الجنوب تقدم وإنّما هناك استعمار واستغلال ونهب وظلم وتخلف وفقر وجهل واضطهاد وكل ما يولده الاستعمار من شرور بل أنّ الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيما يسمى بـ «محميات عدن» أكثر تخلفاً وسوءاً من الأوضاع في الشمال.وإذا كانت هناك بعض المظاهر والتحسينات المغرية في عدن المستعمرة، فإنّ هذه “الإصلاحات” اقتضتها مصالح الإنجليز لتسهيل وتوسيع استغلالهم وتسويق بضائعهم ومنتجاتهم وتبرير وتزيين استعمارهم.ومثل هذه المظاهر المادية الشكلية لا يمكن أن تخدع أحداً ولا تدل على أي تقدم، ولا تصلح مبرراً لفصل الجنوب عن الشمال.إنّ دعوتنا إلى الوحدة اليمنية ليست نزوة مؤقتة أو عاطفة غامضة ولكنها دعوة وطنية عميقة يؤكدها منطق التاريخ والمفهوم العلمي للشعب الواحد وتفرضها الروابط الأصيلة المشتركة وضرورات الكفاح الوطني التحرري.إنّ الضمان الوحيد لإنجاز أهدافنا الوطنية في التحرر الوطني الكامل والوحدة هو ربط قضيتنا الوطنية باليمن الأم.وأنّ أية محاولة لفصل قضية التحرر الوطني عن قضية الوحدة اليمنية ليس لها إلا نتيجة واحدة هي إفساح المجال للعناصر الانتهازية للإنفراد بقيادة كفاح الشعب وحل القضية الوطنية عن طريق المساومات وأنصاف الحلول.ولئن كانت هناك أوضاع متخلفة في الشمال فهي ليست خالدة ولابد لها من أن تتطور وتتقدم. أما الشيء الثابت والأساسي والخالد فهو وحدة شعبنا اليمني في الجنوب والشمال.إنّ الاستعمار هو الذي خلق التجزئة وأقام الحواجز المصطنعة في اليمن، وهو الذي جزأ اليمن الواحد إلى جنوب وشمال بل جزأ الجنوب نفسه إلى عدن وما يسمى بالمحميات.والاستعمار هو الذي يعتبر اليمنيين الشماليين في عدن أجانب ويتخذ ضدهم عمليات التسفير الجماعي ويفتح أبواب عدن لموجات المهاجرين الأجانب من أبناء الكومنولث البريطاني هادفاً من وراء ذلك إلى القضاء على يمنية عدن وبالتالي عروبتها الخالدة.والاستعمار هو الذي أقام الاتحاد الفيدرالي المزعوم في إمارات الجنوب اليمني المحتل بهدف قطع الطريق على الوحدة اليمنية، وكنواة لدولة مستقلة استقلالاً زائفاً في الجنوب تتألف من عدن وما يسمى بالمحميات وترتبط بالكومنولث البريطاني.ومن ثمّ فإنّ من يقف ضد الوحدة اليمنية إنّما يسير في اتجاه الاستعمار ويلتقي مع أهدافه وخطوطه السياسية في الجنوب اليمني المحتل.ونحن لا نعرف أنّ حكومة اليمن تعتبر الجنوب جزءاً من ممتلكاتها وتريد أن تضمه إليها بالقوة، كما يدعي أولئك الانتهازيون، وعلى العكس من ذك فإنّ حكومة اليمن تحث بريطانيا دائماً أن توافق على منح شعبنا في الجنوب اليمني حقه في تقرير المصير بعيداً عن أي نفوذٍ أجنبي وتحت إشرافٍ دولي محايد. وهو موقف متقدم لا يستطيع أن يرتفع إلى مستواه أولئك الانتهازيون الانفصاليون.والواقع أنّه لا يوجد على الإطلاق ما يدعو الآن إلى الخوف من أن تتم الوحدة اليمنية عن طريق الضم الجبري فلا زال أمامنا طريق طويل من الكفاح حتى نحقق النصر النهائي على الاستعمار.وعليه فإنّ الخوف الذي يبديه الانتهازيون الآن من الوحدة اليمنية إنّما هو خوف مصطنع يفضح نواياهم الانفصالية.وكمحاولة لتغطية هذه النوايا الانفصالية يدعي الانتهازيون أن حركتنا الوطنية قد بلغت الذروة وأنّ كفاحنا قد وصل إلى نهاية المطاف.وتقتضينا المسؤولية الوطنية والأمانة للحقيقة أن نكذب هذا الإدعاء المغرض وأن نؤكد أنّ حركتنا الوطنية لا زالت في أول الطريق وأنّ أمامنا مرحلة طويلة من الكفاح المرير سوف نخوضها حتماً تحت راية شعبنا برجولة وشرف حتى النصر.إنّ الانتهازيين الذين يبالغون في تقدير مدى الحركة الوطنية وينشرون عنها التهويلات والأكاذيب في الخارج إنّما يخدعون الرأي العام العربي والعالمي لكسب المساندة والتأييد المادي والأدبي العاجل بُغية قطف ثمرات كفاح الشعب قبل الأوان وحل القضية الوطنية على أيديهم لتحقيق أطماعهم الذاتية.هي محاولة رخيصة “لإجهاض” الحركة الوطنية وتصفيتها بواسطة المساومات والاكتفاء بالتنازلات الشكلية البسيطة من جانب الاستعمار.وهي هروب من الكفاح الحقيقي الجاد واستثمار لنضال الشعب لصالح حفنة من الناس الطامعين في الجلوس على كراسي الحكم في الجنوب إلى جانب السلاطين وفي ظلال الإنجليز.وهي التقاء صريح مع أهداف الاستعمار.باسم قرارات مؤتمر باندونج وقرارات مؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي ندعو الرأي العام العربي والعالمي إلى مساندة وتأييد كفاحنا العادل الشريف الهادف إلى التحرر الوطني والوحدة اليمنية.وباسم قرارات مؤتمر باندونج ومؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي ندعو الرأي العام العربي والعالمي إلى رفض الأكاذيب والمغالطات والمفاهيم الخاطئة التي يروجها المغرضون والانتهازيون منتحلين لأنفسهم صفة تمثيل الشعب والكلام باسمه.إنّ هؤلاء الناس في الواقع يتاجرون بالقضية الوطنية ويهربون من مواجهة مسؤولياتهم الوطنية الكفاحية في الداخل إلى كفاح آخر في الخارج. إنّ المسألة بالنسبة لهم مسألة مزيد من المال ومزيد من السلاح ومزيد من التأييد لهم والاعتماد عليهم وحدهم ليصلوا إلى أهدافهم بسرعة وليشتروا الذمم والضمائر ويسوقوا الشعب إلى التضحية من أجل أحلامهم الذاتية.ولكن المسألة لا يمكن أن تكون مسألة مال وسلاح فقط، وإنّما هي بالدرجة الأولى مسألة تنظيم وإنضاج وتدعيم كفاح الشعب ومسألة قيادات نظيفة واعية أمينة.. ومسألة مبادئ شريفة ومثل وطنية عليا مهما طال الكفاح وتأخرت الثمرة.ولن يكافح شعبنا ويضحي من أجل استقلال إسمي أو من أجل استبدال الاستعمار بحكم السلاطين والانتهازيين والطامعين، وليس هناك شيء اسمه “الجنوب العربي” وليس هناك يمنان.ولا جنوب ولا شمال بل يمن واحد وشعب يمني واحد.عاش كفاح الشعب اليمني من أجل التحرر الوطني والوحدة اليمنية.عاشت الوحدة اليمنية طريق الوحدة العربية.[c1]عبدالله باذيب20 ديسمبر 1959مكتابات مختارةالجزء الثاني ـ 1978مدار الفارابي - بيروت[/c]
لا جنوب ولا شمال .. لايمنان .. بل يمن واحد .. وشعب واحد
أخبار متعلقة