نص
كمال محمود علي اليماني- هل كان عليك ان تتصرف على ذلك النحو، في مثل هذا الوقت الحساس؟قال لي أبي ، وهو يحادثني مغتاظا .- أعلم أنك تخشاه ، وأنك تكاد تموت رعباً كلما لمحته ، ولكن الوقت لم يكن مناسبا أبدا .كنت مطرقاً أمامه ، مثل طفل عجز عن حل مسألة حسابية بسيطة . أنا نفسي لا أدري سببا لهذا الخوف الذي يتملكني كلما لمحته هنا أو هناك ،وكنت أدرك حين يتندر الأصدقاء أنني أهل لتندرهم ، ولكن ماعساني أفعل ، هكذا وجدت نفسي ، ولاسبيل للخلاص مما أنا فيه.حين كنت جالسا برفقة أبي في دار والد خطيبتي المرتقبة ، كان أبي ينظر إلي مزهوا ، ويشير إلي بين الفينة والأخرى ، وكأنني أحد أهم رجالات المجتمع ، ويربت على كتفي متفاخرا ،كنت حينها أحس بشعور مزدوج ، فأنا سعيد لإطراء أبي لي أمام والد خطيبتي وأخوانها الذين كانوا يشاركوننا الجلسة ، وكنت في ذات الوقت أحس بأنني أكبر من أن يتحدث عني أبي بتلك الطريقة .كانت الإسئلة تتطاير من أفواه الحاضرين ، فذاك يسأل عن راتبي وآخر يسأل عن مؤهلاتي وثالث عن مشاريعي المستقبلية ،وكنت أجيب عن هذا السؤال وذاك ، ويتكفل أبي بالإضافات والتعليقات .كوب الشاي في يدي ووالد خطيبتي المفترضة عن يميني وأبي عن يساري ، وفجأة لمحته يمر أمام عيني ، كان متجها صوب قدمي ، لم يكن الوقت كافيا للتصرف الحسن ، كانت غمضة عين ليس إلا ..ثم إندلق الشاي فوق فخذ عمي المرتقب ، كان حارا ، حارا جدا ، هو أيضا لم يكن يملك الوقت للتصرف الحسن ، إنتفض لتوه وأطلق عقيرته بالسباب ، أبي لم يحتمل أن يسبني أحد ولوكان عمي المرتقب ، أعاد إليه السب أضعافا مضاعفة ، رد إخوان الخطيبة ، رددت أنا ، وفي غمرة الغضب وجدنا أنفسنا في الشارع .كان أبي يشتعل غضبا ، والكلمات تتطاير من فيه ، وفي عينيه تتنطط العفاريت ، إلتفت إلي وقال : ألم تجد غير هذا العم السخيف ؟ وهذه العائلة غير المهذبة؟ من الخير لنا أن حدث ماحدث ، لقد ظهروا على حقيقتهم ، أتعلم ، هذه هي المرة الأولى التي ينفعك فيها جبنك .. نعم ، ليس كل ما نكره ضاراً في كل الأوقات ، ما من شيء وإن كان شرا ،إلا حمل في ثناياه بعض الخير .. من الآن فصاعدا عليك أن تحترمه فلولاه لوقعت صهرا لعائلة لاتستحقك .نظرت إليه مندهشا ،وقلت في نفسي: صدقت.. هززت رأسي موافقا وأرسلت شكري إليه .