عواصم/متابعات:كان الأسبوع الماضي سيئا جدا على الاقتصاد العالمي، إذ تراجعت أسهم بورصة نيويورك بـ 5 % مما يمثل بداية العام الأسوأ في تاريخ وول ستريت.فالذي استثمر مثلا في البورصة الأميركية بأكتوبر فقد 14 % من استثماراته، وتعدى الأمر المستثمرين العاديين إلى مجموعات كبرى كسيتي غروب التي أعلنت أكبر الخسائر منذ تأسيسها قبل 196 عاما.لقد سببت أزمة الرهن العقاري خسائر لبنوك العالم قدرت بنحو 90 مليار دولار منذ مايو الماضي. ومن المسلم به أنه عندما يخسر الكبار يدفع الصغار الثمن، وهكذا زادت البطالة بأميركا الشهر الماضي بـ 13 % مقارنة بما كانت عليه قبل سنة، ولم يكن مفاجئا تراجع مستوى إنفاق المستهلكين الأميركيين وانخفاض مستوى المبيعات.كان هذا الخبرَ الأسوأ، وقد ساعد ميل الأميركيين إلى الإنفاق في الإبقاء على الاقتصاد منتعشا، وبالتالي في انتقال عدوى البطالة وخسارة المداخيل إلى بقية العالم مسببة أضرارا اقتصادية واجتماعية خطيرة، كما كتبت صحيفة إلباييس الإسبانية.بل إن إحدى مفاجآت العقد الماضي هي تحكم الاقتصاد العالمي من البداية في أزمة انهيار الاقتصادات الآسيوية وشركات الانترنت، وقطاع الاتصالات وفي أزمة الثقة التي سببها إفلاس إنرون, وهجمات سبتمبر/أيلول 2001 وحربي العراق وأفغانستان ومخاوف حدوث وباء إنفلونزا الطيور، فضلا عن ما سببه من ارتفاع في أسعار النفط. ومع ذلك لا شيء أوقف إحدى أكثر فترات نمو اقتصاد العالم بنصف قرن، والسبب الرئيسي مواصلة المستهلك الأميركي إنفاقه كأن لم يحدث شيء.لكن السؤال هو هل تنهي أزمة الرهن العقاري والقروض بأميركا هذا الاتجاه؟ فمن الممكن أن يكون الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة الركود، «وعندما تعطس أميركا، يحس بقية العالم بالبرد».لكن هناك سيناريو آخر، إذ ربما اكتسبت اقتصادات أخرى قدرة الاستمرار في النمو بشكل مستقل حتى عندما تفقد أميركا حيويتها، بل من الممكن أن تخرج الحيوية الاقتصادية لبعض الدول أميركا بسرعة أكبر من أزمتها. فبتوسعها النشط، أصبحت دول كالصين والهند وروسيا ودول بالاتحاد السوفيتي سابقا وآسيا تشكل نصف مستهلكي العالم، وهي تواصل نموها, وتشتري أكثر فأكثر منتوجات أميركا مما رفع صادرات هذا البلد بـ 20% سنويا, متجاوزة في سرعتها بخمس مرات سرعة نمو الواردات. والأهم عدد الفقراء الذين لم يعودوا مجرد كائنات اقتصادية تتعيّش, بل تحولوا مستهلكين لديهم قدرة إنفاق متزايدة. هم أفقر طبعا من مستهلكي أميركا وأوروبا, لكنهم أكثر عددا, فالصين والهند وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا وفيتنام ودول ذات نمو سريع تعد مستهلكين بمئات الملايين لا وجود لهم بهذا الشكل قبل عقد.في الصين مثلا باتت شريحة المستهلكين بعدد سكان أميركا كلها, ويتوقع أن يستمر حد الإنفاق الأدنى على منتوجات كالصابون والحبوب والدواجن والملابس والأدوية والنقل بغض النظر عما يصيب الاقتصاد الأميركي أو وول ستريت. بل إن وتيرة الاستهلاك هذه -إن استمرت ديناميكية الاقتصاد العالمي على حالها- قد تحول دون ركود أميركي أكثر عمقا وامتدادا في الزمن, ومن هذا المنظور فالفقراء هم من سيضخون في اقتصاد العالم الطاقة التي يحتاجها ليتعافى. يبقى ذلك مجرد تكهنات, إذ أن الاقتصاد العالمي ربما يكون آيلا إلى الركود بسبب الأزمة الأميركية, لكن من الأفضل أن نستحضر أن من راهنوا على هشاشة الاقتصاد العالمي كذبت نبوءاتهم, فعساهم يفعلون مرة أخرى.