منتديات ومقايل .. بين الفكر والكيف
حسين محمد الدحيميطرح الدكتور سمير عبدالرحمن الشميري موضوعاً للمناقشة بعنوان ( المنتديات الثقافية في عدن .. ملاحظات مقترحات ) وذلك للحوار والتأمل والتحليل. بعد قراءتي لهذا الموضوع وجدت أنه يهم كل مثقف في هذه المدينة وخاصة الذين يتألمون على العهد المشرق للثقافة والإبداع والتنوير والنجابة والذي تجلى في أجمل صورة وعلى مختلف الأصعدة خاصة قبل الاستقلال وإلى جانب الثقافة والتنوير كان الاقتصاد والرخاء والجمال والسياحة والأمن. المقدمة التي جادت بها قريحة الدكتور الشميري كانت شيقة وسلسة وتثير كل شغوف بعملية المثاقفة والحوار وتبادل الخبرات ووضع الحافر على الحافر والأصبع على الجرح .. الخ كما جاء في سياق تلك المقدمة. تقسيم الموضوع إلى مرحلتين كان موفقاً وسهل عملية استيعاب الموضوع والمشاركة فيه خاصة أن كل مرحلة اختلفت عن الأخرى في السمات والنشاط والعمل والنتائج. في المرحلة الأولى علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ظروف تلك المرحلة وثقافتها والمثقفين فيها والرغبة الشديدة في القراءة والإطلاع والجو العام والميول والاستقرار الاقتصادي والذهني والنفسي وترابط الأشياء بشكل صحيح هذا أفرز واقعاً ثقافياً وعلمياً وبالتالي أنتج طبقة من المثقفين أداروا الأمور وأسموا الأشياء بأسمائها الصحيحة وأبدعوا وتبنوا مواهب بعيداً عن المجاملات والعشوائية والارتجال وادعاء المعرفة بهتاناً.وبناء على ذلك فقد وظفت الكلمات والألقاب وفق دلالاتها ومعانيها وأسميت الأشياء والأعمال بأسمائها الصحيحة لأن الثقافة والخلق والاستقامة والأمانة والتواضع والصدق كانت سمات المثقفين في تلك المرحلة ، وهذا فقد تماماً في المرحلة الأخرى أي بعد الاستقلال وحتى الآن وكان لتغير الأوضاع دور أساسي في ذلك. استعرض الدكتور الشميري في القسم الأول معظم الأندية والمخيمات والأربطة وكانت زاخرة بالأنشطة الثقافية والفكرية والرياضية والخيرية أيضاً.كان أيضاً في نفس الوقت مقايل أو مبارز للقات منتشرة في الشيخ عثمان وكريتر والتواهي ولم يطلق على أي منها منتدى لا من قبل القائمين عليها ولا من غيرهم. كلمة منتدى في مضمونها ودلالتها مرتبطة بتجمع ثقافي فكري لا كيف ولانشوة فيه وأنشطتها تقام في أوقات مناسبة وأماكن فسيحة. في العدد رقم 5439 الصادر بتاريخ 26 يونيو 2008م ص 26 كتب الأخ أحمد الباهيصمي موضوعاً رد فيه على الأخ الكاتب السعودي أحمد المهندس أشار في رده إلى أن المنتديات في عدن تعود إلى بدايات الأربعينات من القرن الماضي وأن المرحوم محمد علي لقمان أنشأ منتدى يؤمه الأدباء والفنانون لكن لم يوضح هل كان يتعاطى فيه القات أم لا ولم يوضح أحد ذلك فيما بعد ، لان لقمان الله يرحمه كان يهاجم مقايل القات ومضغه في عدن. الأخ الدكتور الشميري تطرق في موضوعه إلى كتاب لقمان الصادر عام 1932م كمادة تثقيفية لأعضاء نوادي الإصلاح العربي الإسلامي ولنقرأ ماذا قال لقمان في هذا الكتاب عن القات: (اليمنيون والأحباش غالباً مولعون بمضغ القات يقضون الحياة في أكله ليلاً ونهاراً وفي الأوقات التي يجب فيها أن يستريحوا بالنوم ويستفيدوا بالمطالعة أو الرياضة العضلية مع العلم أن القات يخل مضغه بالصحة عموماً وينهك الأضراس ويودي بها قبل أوانها كذلك يسيء حركة الهضم ويضعف قوة الباءة ويولد المرض المعروف (اسبر ماتوريا ) أي السيلان وبعد مفارقة مجالس القات تجدهم في غم ونكد يتصببون عرقاً وهم في حالة خدر والقات مادة مجلبة للسهر لاحتوائها على التانين من السموم المعروفة).وقد عمل مقارنة مع الإفرنجي الذي لا يأتي عليه وقت العصر الا وقد استعد للرياضة العنيفة أقلها السير مسافة عدة كيلو مترات كذلك بين الصحة والأكل لكل منهما. بعد هذا أنه كله هل ممكن أن تكون مجالس القات مجالس منتديات للثقافة والفكر والفن؟.في مبارز القات في عدن خاصة في الأربعينيات من القرن الماضي كانت ظاهرة أو عادة وهي حميدة ربما البعض لم يسمع بها وقد يفكر البعض في إحيائها الآن. كان يوضع في كل مبرز صندوق توفير وأي شخص يأتي إلى هذا المبرز أو المقيل يضع في هذا الصندوق أي مبلغ روبية ، نصف روبية أوعانة أو نصف عانة ونصف عانة مبلغ لايستهان به في تلك الأيام ثم في الأعياد أو عند افتتاح المدارس يوزع على الطلبة أو الأطفال الفقراء واليتامى أو يشترى به لوازم لهم!! نعود إلى القسم الثاني من الموضوع والذي عني بالمنتديات اليوم حيث حدد الدكتور الشميري هذه المرحلة بعد حرب 94م ووصف هذه المرحلة بالوضع الملغوم وهو فعلاً كذلك والذي يقول اليوم أن المبدعين في عدن لم يعد لهم مكان يعملون فيه، هذا صحيح وجاءت هذه المنتديات المقايل لتسد هذه الثغرة لكن كثيراً من المثقفين ومنهم من هو على قدر من الثقافة والإطلاع لم يستطع التكيف مع هذا الوضع أو يرى أن هذه الأماكن ليست المكان المناسب له، كذلك حرمت المرأة وخاصة من لديهن الرغبة والقدرة على المشاركة أيضاً يرين أن هذه الأماكن ليست المكان المناسب كذلك ، وقد أورد الدكتور الشميري ذلك ضمن إحدى الملاحظات التي طرحها. أصبح اليوم في عدن كل مقيل أو مبرز قات في عدن يسمى منتدى مثل الفنادق كلها تطلق على نفسها سياحي مع أنك لو أخضعتها للمواصفات والشروط لن تجد سوى ثلاثة أو أربعة تنطبق عليها كلمة سياحي. هذا القسم من الموضوع اقتصر على عرض للمقايل أو المنتديات اليوم مع ذكر بعض الفعاليات المختلفة التي تتبناها هذه المنتديات رغم محدوديتها كما ذكر وأضاف أنها تصب في خانة الخير العام وقد لخص ذلك في ثمان ملاحظات مهمة جداً هذه الملاحظات هي من واقع التجربة التي عايشها الأخ/ الشميري في هذه المنتديات وقد كان جريئاً في طرحها وفي معظمها كان مصيباً ، وأنا أتمنى أن تدرس هذه الملاحظات في كل المنتديات وفي جلسات خاصة لها فهي بمثابة تقييم لعمل هذه المنتديات خلال الفترة الماضية. تساءل الدكتور الشميري عن المنتديات الثقافية هل هي بديل للمؤسسات والمراكز الثقافية؟ أنا أقول لا من وجهة نظري الشخصية ، المؤسسات والقاعات والمراكز الثقافية الفسيحة المصممة لذلك هي المناسبة وهي التي تحدد الملامح الثقافية والإبداعية لأي مدينة فما بالك بمدينة كانت رائدة في هذا المجال ، وقد كتب عن ذلك الكاتب والصحفي والمذيع شكيب عوض رحمة الله عليه في صحيفة ( الأيام ) قبل وفاته بفترة وتساءل هل يعقل أن عدن التي كان يوجد بها مركز ثقافي في كل حي اليوم خالية من أي قاعة ومن أي مركز؟؟ويمكن التنسيق الجاد بين هذه المؤسسات وبين بعض المنتديات التي أثبتت نشاطاً متميزاً وأن يكون هذا العمل صادقاً بعيداً عن الضغينة والنجومية والانغلاق وعزل وجوه وإبراز وجوه ( لغرض في نفس يعقوب ) كما قال الدكتور الشميري وأن يكون الهدف الحقيقي هو البعد الثقافي والتنويري والإبداعي والتراثي بعيداً عن هيمنة البعد السياسي والعلاقات الشخصية وقد كان هذا هو السبب في إفراغ المدينة من إرثها الثقافي والتنويري والإبداعي على مدى الأربعين السنة الماضية.