مع الأحداث
طغت الماديات في عالمنا اليوم إلى درجة أن حياتنا كادت تصبح مجردة من قيم المحبة والمودة والجمال الإنساني فما كان عفوياً وجميلاً بالأمس غدا مصطنعاً ومشوهاً اليوم، وما كان قريباً من القلب أصبح بعيداً عن العين، وما كنا نظنه حقيقة لم يعد كذلك فالأشياء لم تعد تعني مسمياتها فعلاً .ومن المؤسف القول بان لغة المصالح اليوم هي سيدة الموقف في حياتنا على حساب القيم والمثل والمبادئ الإنسانية التي لطالما تغنينا بها كثيرا إلى حد التبجح ،فمعظم الشعارات التي نرفعها أحيانا - بالزور والبهتان - سرعان ما تتساقط أمام حقيقة الحياة وعدالة السماء لتكشف لنا مدى تقزم الذات المتعالية على الآخر بتساقط الأقنعة التي تتخفي وراءها، فمن كنت تظنه المحب المخلص لك - على سبيل المثال - لم يكن سوى ممثل بارع يجيد لعب الأدوار ،ومن كنت تظنه العاشق الولهان لمحبوبته لم يكن سوى قناص ماهر يتحين الفرص بها، ومن كنت تظنه صادق المشاعر مرهف الأحاسيس لم يكن سوى نصاب محتال بياع أوهام من الدرجة الأولى. ومن المؤلم جدا العبث بمشاعر الآخرين والتلاعب بها لمجرد بلوغ مآرب ذاتية أو تحقيق مكاسب شخصية وما أكثرها في حياتنا، فهل كان الحب في يوم من الأيام شعوراً إنسانياً سامياً يجسد علاقاتنا مع بعض أو مقياساً لتحضرنا كما يفترض ؟إن لغة الحب لا تنسجم بأي حال من الأحوال مع لغة المصالح الضيقة التي تتجاهل الآخر وتتعالى فيها نبرة الأنا،فقد سُلخ الحب كما نعرف من أبهى معانيه،وتحول إلى وكرٍ لمرضى القلوب وملوثي الفكر، فمن كان يحب وطنه مثلاً فلا يعبث بثرواته ومن كان يحب منصبه فلا يستغله لابتزاز الآخرين ومن كان يحب عمله فلا يهمل أداءه ومن كان يحب علمه فلا يكون غشاشا في تحصيله أو بخيلا في تعليمه لغيره ومن كان يحب محبوبته فلا يهتك عرضها أو يخدش حياءها ومن كان يحب والديه فلا يكون عاقا لهما ومن كان يحب خالقه فلا يجاهره بالمعاصي وهكذاأما الحب الحقيقي فهو بوابة الإيمان و راحة الإنسان ومفتاح سعادته في الدارين ، كما أنه أيضا عنوان التمدن و التحضر وقمة السلوك الديمقراطي لأي مجتمع تسوده المحبة والتسامح فهو أسمى من أن يبتذل أو يختزل في مقاصد دنيئة أو مصالح دنيوية ضيقة. كيف لا يكون كذلك والحب الإلهي قرين الإيمان وهو عاطفة بالغة النقاء والشفافية ليس لها جزاءً إلا الجنة وهو أول درجات الحب وأسماها منزلة على وجه الإطلاق، وبالمثل حب الوالدين. كيف لا يكون كذلك والصداقة القائمة على محبة الله الخالصة يظلل الحق عز وجل أصحابها يوم القيامة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله كما أخبرنا الحديث الشريف.كيف لا يكون كذلك ولغة الحب تقود دائماً إلى تحقيق التكافل الاجتماعي من خلال إيثار الغير على النفس ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الانتصار على الأنا وتجسيد أروع صور التماسك الاجتماعي.كيف لا يكون كذلك عندما يداوي الحب جراح الماضي ويطفئ نيران الكراهية والحقد في النفوس ويزرعها عفواً وتسامحاً.كيف لا يكون كذلك عندما نختلف ونحن نبتسم لبعض .. نهدم سويا بأيدينا حواجز الفرقة ونصنع منها جسوراً للتواصل والمحبة.