برلين / متابعات :لم تعد مباريات كرة القدم الكبرى في العالم لقاء بين فريقين فقط، يسعى كل منهما إلى الفوز، بل تجاوزت الأمر إلى آفاق جديدة وواسعة، وأصبحت الملاعب في تلك المباريات مسارح عملاقة لتقديم كل أنواع المتعة والتسلية البعيدة من كرة القدم، والهدف الأول هو جلب أكبر عدد من المشاهدين في الملعب وأكبر عدد من الرعاة والمعلنين في الملعب، والأهم هو ضمان نسبة متابعة قياسية عبر الشاشات في كل مكان، وأخيراً الحصول على أموال طائلة من حقوق البث العلني.حلقة كاملة من المكاسب الضخمة حولت كرة القدم إلى صناعة مهمة تدر دخلاً هائلاً ولم يكن غريباً أن تتكالب الشركات العالمية المعروفة على الرعاية والدعاية في نهائيات كأس العالم وبأرقام فلكية في فترات محدودة.كأس العالم لكرة القدم في ألمانيا 2006م ، أهدتنا عشرات الدروس التي يمكن أن نستفيد منها لنرفع من شأن كرة القدم العربية على كل الأصعدة.والدرس الأول يبدأ من الملاعب التي تستضيف المباريات، وتحولت الملاعب الآن من أحجار ضخمة ومدرجات جرداء يذهب إليها المتفرجون للجلوس على الأسمنت أو التراب لساعات عدة حافلة بالمعاناة والتحمل إلى نزهة ولا أجمل منها.الملاعب الـ 12 في مونديال 2006م ، كانت نموذجاً للإبداع من كل الوجوه، ولم يعد هناك ملعب من دون مقاعد ثابتة ومخصصة لكل متفرج، وفقاً لرقم بطاقته أو تذكرته، وهو ما يكفل ثقة المشاهد في الذهاب إلى الملعب في أي توقيت مع ضمان عدم الصراع مع جاره على مقعد، والتفكير في راحة المشاهدين بدأ باكراً بتوفير وسائل الراحة لهم في المواصلات إلى الملعب، والاتجاه يسير نحو إقامة الملاعب بجوار محطات المترو والقطارات لضمان أقل قدر من الكلفة في رحلة الذهاب إلى الملعب، ولا يخلو ملعب على الإطلاق من ساحة واسعة مجاورة له لاستقبال السيارات، ويرى الخبراء أن تلك الساحات التي تسع كل منها إلى أربعة آلاف سيارة على الأقل تضمن عنصر الأمان للمشاهدين سواء في وجود مكان لسياراتهم أم في اتخاذ قرار الذهاب إلى الملعب، والنظام في الدخول إلى الملعب يمثل جانباً رئيسياً في تحفيز المتفرجين على الذهاب وحضور المباريات، ولا يمكن أبداً أن يتعرض المشاهد الذي دفع مبلغاً كبيراً إلى شراء تذكرة وتحمل عبء الذهاب إلى الملعب واقتطاع من وقته وعمله لأي نوع من المعاملة غير الجيدة، وعلى رغم الوجود المكثف للشرطة داخل ملاعب المونديال وخارجها إلا أن الشعور بها لم يكن موجوداً على الإطلاق بسبب سلاسة التعامل، وأصبح الدخول إلى الملعب مماثلاً تماماً للدخول إلى المسرح أو الأوبرا في السهولة واليسر.ويحتاج المسؤولون عن الملاعب في العالم العربي إلى سلسلة من الزيارات إلى ملاعب المونديال للتعرف على الخدمات الكثيرة التي يحصل عليها المتفرج داخل تلك الملاعب، ولا يقل عدد دورات المياه في أي ملعب عن 500 دورة، وهو رقم يثير الدهشة عند المسؤولين في ملاعبنا، لأنه يزيد على الموجود في كل الملاعب المصرية مثلاً ونقاط الطعام والشراب الراقية موجودة بأعداد ضخمة، ولا يحتاج المتفرج إلى السير لأكثر من مئة متر في أي اتجاه للعثور على بغيته من طعام أو شراب، وفي عدد من الملاعب توجد مطاعم راقية أو مقاهٍ فاخرة لقضاء بعض الوقت قبل المباراة وبعدها، ما يرفع عن المتفرجين ضغوط انتظار اللقاء أو ضغوط النتيجة، ويمكن للمتفرج شراء أكبر عدد من الهدايا التذكارية المتعلقة بالمدينة أو الملعب أو الأندية الكبرى أو الفرق المتنافسة أو شؤون كرة القدم من محال بيع مختلفة في الملعب، وهواة القراءة والمشاهدة لديهم خيارات كثيرة في محال بيع الكتب والشرائط.وعندما يجلس المتفرج في مقعده انتظاراً للمباراة يبهره جمال المنظر المحيط بين عشب أخضر وألوان زاهية في جنبات الملعب، ويوفر الملعب - وهو مسرح عملاق - للجمهور لوحات عرض عملاقة لتقديم مشاهد من مباريات قديمة أو أغنيات وأفلام ومشاهد كوميدية لتوفير التسلية الكاملة للمتفرجين قبل المباراة.الخدمات السابقة تكشف لنا السر وراء ارتفاع ثمن التذكرة في المباريات، والأهم سر إقبال الجماهير بأعداد ضخمة على مشاهدة كل المباريات.