حجية الخبرة الجنائية في رسالة دكتوراه تناقش في أكاديمية الشرطة بجمهورية مصر العربية..
عرض/ عبدالرحمن منير الصلوي:حجية الخبرة الجنائية دراسة مقارنة بالتطبيق على المعامل الجنائية في اليمن ومصر هذا هو عنوان رسالة الدكتوراه التي تقدم بها الباحث اليمني العقيد الركن/عبدالخالق محمد أحمد الصلوي لنيل الدكتوراه في العلوم الشرطية والقانونية من أكاديمية الشرطة المصرية، وقد تشكلت لجنة المناقشة والحكم على الرسالة من كل من : الأستاذة الدكتورة/ فوزية عبد الستار أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة مشرفاً أول ورئيساً للجنة، وعضوية كل من: الأستاذ الدكتور/ محمد سامي الشواء أستاذ القانون الجنائي ، وعميد كلية الحقوق جامعة المنوفية، واللواء الدكتور/ سعود محمد موسى الأستاذ المساعد بقسم العلوم الجنائية بكلية الدراسات العليا- أكاديمية الشرطة المصرية، ومدير الكلية الأسبق، واللواء الدكتور/ أحمد أبو القاسم أحمد الأستاذ المنتدب للتدريس بأكاديمية الشرطة، مساعد أول وزير الداخلية السابق مشرفاً ثان وعضواً.. وتعد الرسالة التي نال بموجبها الباحث اليمني درجة الدكتوراه بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف - وهي الدرجة الأعلى التي يسمح نظام الأكاديمية بمنحها- دراسة مقارنة بين القانون اليمني والمصري وعدد من القوانين العربية والأجنبية، كما اشتملت الرسالة على قسم تطبيقي عن موضوع الرسالة فكانت المعامل الجنائية في كل من اليمن ومصر هي بيئة العمل البحثي الميداني للباحث الصلوي.. وكان يوم الخميس الخامس والعشرين من رمضان/1429هـ الموافق 2008/9/25م موعداً لمناقشة الرسالة بقاعة الاحتفالات بكلية الدراسات العليا بأكاديمية الشرطة .. ظهر خلالها الباحث ثابتاً القدمين شجاع ومتواضعاً في آن واحد ملماً بكل جوانب موضوع بحثه والذي حاول أن يقدم فيه عصارة ما تعلمه خلال فترة علمه العالي وعملة الشرطي كضابط في هيئة الشرطة اليمنية برتبة عقيد ركن ، وقد كان موضوع البحث هاماً وعملياً حاول فيه الباحث أن يضع للخبرة نظاماً قانونياً تكفل تحقيق دورها الهام في تحقيق العدالة، فرغم تحليلاته لأحكام الخبرة في القوانين المقارنة إلا أنه قدم مشروعاً لقانون ينظم أعمال الخبرة، منادياً وموصياً أن تشكل مصلحة للخبرة تعنى بكل شئونها..
وتفصيلا فقد احتوت الرسالة على خمسة أبواب تضمن الباب الأول ثلاثة فصول اشتمل الأول منها التعريف بالخبرة ثم التفرقة بينها وبين ما قد يشتبه بها من وسائل الإثبات الأخرى، ليصل الباحث بذلك إلى أن الخبرة تختلف عن الشهادة في أن كلاً منهما وسيلة مستقلة، كما خلص الباحث إلى أن الترجمة ما هي إلا نوع من أنواع الخبرة، وأن المترجم خبير، ومن ثم يخضع في عمله لشروط الخبرة.ثم استعرض في الفصل الثاني النظريات المختلفة بشأن الطبيعة القانونية للخبرة، وخلص إلى أن الخبرة وسيلة إثبات، وأن رأي الخبير الفني دليل إثبات، مرجحاً في ذلك النظرية الأكثر قبولاً في التشريعات والفقه والقضاء، مع إيراد الردود على النظريات الأخرى.وفي الفصل الثالث بين أهمية الخبرة في الإثبات الجنائي، مستعرضاً جوانب الأهمية للخبرة في المعامل الجنائية وغيرها، ومنها دور الخبرة في كشف غموض الجرائم، وفي معالجة قصور العملية الإثباتية، ثم اقترح معالجة القصور في العملية الإثباتية، من خلال الاهتمام بالخبرة وإعطائها المكانة المناسبة بدءاً من حسن اختيار الخبراء، وتأهيلهم، وكذا تأهيل أجهزة العدالة المتمثلة في الشرطة والنيابة والقضاء، بما يكفل إلمامها بالجوانب الفنية والعلمية والمعلوماتية أيضاً، وبما يمكِّن سلطة الندب من تحديد مهام الخبراء الذين يستعان بهم للقيام بأعمال الخبرة، ومراقبتهم في أعمالهم في حدود ما تسمح به أعمال الخبرة، ليتم بناء تقدير القضاء لأعمال ونتائج الخبرة على أسس سليمة؛ كل ذلك حتى تنهض الخبرة بدورها الهام في معالجة القصور في عملية الإثبات. ولأن شريعتنا الإسلامية مصدر أساس لكل ما هو نافع، ويحقق مصالح الأمة؛ فقد بين الباحث في الفصل الرابع موقف الشريعة والفقه الإسلامي من الخبرة، ليصل بذلك إلى أساس الخبرة من كتاب الله وسنة نبيه الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث نجد أساس الخبرة في قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾، مبينا إقرار الشريعة الإسلامية لكل ما يحقق مصلحة العباد، بل وسبقُها لكل الأنظمة الوضعية في ذلك.وقسم الباب الثاني إلى فصلين، بين في الفصل الأول إجراءات ندب الخبراء، والجهة المختصة بالندب، وبين في الفصل الثاني الوضع القانوني للخبير، حيث وضح الباحث ضرورة إلزام الخبير بأداء المهمة الموكلة إليه بنفسه، وضرورة تحديد مهمة الخبير من قبل سلطة الندب، والوسائل التي يستعين بها الخبير في أداء مهمته، وما يتطلبه القانون من رقابة على الخبراء أثناء أداء مهامهم. ثم بين الاستثناءات على مبدأ التزام الخبير بأداء المهمة، وأن الخبير غير ملزم دائماً بأداء المهمة إذ إن هناك استثناءات من مبدأ الالتزام وذلك في حالتي الرد والتنحي. وفي الفصل الثالث أورد بياناً لحقوق الخبراء. وفي الباب الثالث بين الباحث شروط صحة أعمال الخبير، سواء السابقة على أداء المهمة من جنسية وأهلية مدنية ومؤهلات وغيرها، وكذا أداء الخبير لليمين كشرط أساسي لاعتبار أعمال الخبرة من أعمال التحقيق، وكذا الشروط اللاحقة لأداء الخبير مهمته، والمتمثلة في إعداد تقرير بنتائج أعمال الخبرة يمثل خلاصة مهمة الخبير، حيث يُضَمِّنه النتائج التي خلص إليها، وما خرج به من رأي في نهاية مهمته، وضرورة أن يُذيل التقرير بتوقيع الخبير الذي يدل على صدور التقرير عنه دون غيره، ثم أوضحت شرط إيداع التقرير في الموعد المحدد وإبلاغ الخصوم بهذا الإيداع، ومن ثم خضوع التقرير للمناقشة تطبيقاً لمبدأ شفوية المرافعة.وفي الباب الرابع بين دور الخبرة في الإثبات الجنائي مبيناً في الفصل الأول علاقة الخبرة بالاقتناع القضائي، وفي الفصل الثاني بين أثر الإثبات العلمي على مبدأ الاقتناع القضائي، كما أورد في الفصل الثالث تقدير القضاء لنتائج الخبرة من خلال بيان موقف القضاء من نتائج الخبرة وناقش فيها الباحث مدى صحة القول: بأن القاضي هو الخبير الأعلى، داعياً إلى إعطاء الخبرة المكانة المناسبة؛ انطلاقاً من أهميتها في الإثبات، والنابعة من اعتمادها على الوسائل العلمية الحديثة، وما تقدمه للعدالة من خدمة جليلة في كشف الجرائم والقبض على مرتكبيها من اجل إنزال حكم القانون فيهم.وفي الباب الخامس أورد الجانب العملي من الدراسة والمشتمل على دراسة وضع الخبرة في المعامل الجنائية في كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية اليمنية، حيث بين في الفصل الأول ماهية أجهزة تقديم الخبرة في الشرطة اليمنية والمصرية، مستعرضا نشأة أجهزة تحقيق الأدلة الجنائية في الشرطة المصرية واليمنية واختصاصها، مبيناً الطبيعة القانونية لخبرة المعامل الجنائية في الشرطة، مع استعراض للآراء المختلفة بشأن الطبيعة القانونية لخبرة أجهزة تحقيق الأدلة الجنائية، محدداً مقومات الخبرة في أعمال خبـراء المعامل الجنائيـة، التي من خلالها يتضح أن خبرة المعامل الجنائية في الشرطة من قبيل التحقيق شأنها شأن الخبرة التي تقدمها سائر المصالح والجهات المخولة fذلك، فثمة عدد من المقومات التي يمكن الاستناد إليها في اعتبار الأعمال المقدمة من خبراء المعامل الجنائية في الشرطة من قبيل الخبرة، أظهرها الندب من سلطة التحقيق، وأداء الخبراء لليمين، وممارسة الخبرة وفق الأسس القانونية والأساليب العلمية، وأخيراً إعداد تقرير بنتائج أعمال الخبرة.كما بين الباحث أهمية الخبرة التي تقدمها أجهزة الشرطة، مؤكداً أن الخبرة التي تقدمها مصلحة تحقيق الأدلة الجنائية ـ من خلال خبراء المعامل الجنائية وغيرهم ـ تمثل الأهمية الأكبر بين جهات الخبرة الأخرى، وبالأخص في الجمهورية اليمنية، حيث تقوم الإدارة العامة للأدلة الجنائية بالدور الرئيس في تقديم الخبرة، في ظل غياب أجهزة الخبرة الأخرى، باستثناء إدارة الطب الشرعي بمكتب النائب العام، والذي يوجد بها أربعة أطباء شرعيون من كوادر وزارة الداخلية المنتدبين لدى النيابة العامة، وفيما عدا ذلك ليس هناك أجهزة أخرى تقدم الخبرة في اليمن؛ إذ لا يوجد جداول للخبراء، كما أنه ليس هناك خبراء تابعون لوزارة العدل؛ الأمر الذي يؤكد أن كل ما يرد من مزايا وأهمية للخبرة عموماً ينطبق على خبرة المعامل الجنائية في الشرطة على وجه الخصوص بالنسبة لليمن.وخلص الباحث إلى أنه بناء على ذلك فإن دور خبرة المعامل الجنائية في الشرطة يظل هو الدور الرئيس بالنسبة للخبرة في اليمن، كما أنه يمثل دوراً هاماً في جمهورية مصر العربية، وثمة مظاهر خاصة لأهمية خبرة المعامل الجنائية تتمثل أهمها فيما يأتي:1 ـ سهولة استعانة مأموري الضبط القضائي من ضباط الشرطة بالخبراء العاملين في المعامل الجنائية، وفروع جهاز تحقيق الأدلة الجنائية.2 ـ سرعة الانتقال إلى مسرح الجريمة؛ لتوفر أسباب ومؤهلات سرعة الحركة ووسائل التنقل، وكذا سرعة تلقي الأخبار عبر أجهزة اللاسلكي، وهي مؤهلات لا تتوفر لغير جهاز الشرطة؛ كسلطات التحقيق أو جهات الخبرة الأخرى، حيث تحقق سرعة الانتقال العديد من المزايا، التي أهمها سرعة رفع الأثر وتحريزه قبل أن تطاله يد العبث، أو يتعرض لعوامل التعرية، ومن ثم يمكن الوصول إلى نتائج أكثر دقة.وقد أكد الباحث أهمية الخبرة التي تقدمها المعامل الجنائية في الشرطة، في توجيه عملية البحث والتحري، وكذا جمع الآثار والدلائل التي يمكن أن توصل ـ بالفحص والمقارنة ـ إلى دليل الإثبات الفني الذي يمكن التعويل عليه في إصدار الحكم، وأن عدم الاستعانة بالخبرة الفنية رغم توافر الظروف المواتية للاستفادة منها قد يؤدي إلى فقدان العديد من الأدلة التي يمكن الاستعانة بها في خدمة العدالة، ومن ثم عدم التوصل إلى كشف الجريمة وضبط الجناة.وفي الفصل الثاني من الباب الخامس والأخير استعرضت الدراسة الميدانية التي قام بها الباحث/ عبدالخالق الصلوي عن واقع الخبرة في المعامل الجنائية من خلال تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث استعرض في المبحث الأول واقع الخبرة في الشرطة من وجهة نظر السلطة القضائية المتمثلة في أعضاء النيابة العامة والقضاة، من خلال تحليل نتائج الاستبيان لفئتي النيابات والمحاكم.وفي المبحث الثاني استعرض واقع الخبرة في الشرطة من وجهة نظر الشرطة (وهي رؤية داخلية تمت من خلال تنزيل استمارات التقصي على مأموري الضبط القضائي من ضباط البحث الجنائي، وكذا إجراء المقابلات مع كل من السيد مدير عام الشؤون القانونية، وكذا السيد مدير عام الإدارة العامة للأدلة الجنائية، والسادة مديري فروع إدارات الأدلة الجنائية في الثلاث المحافظات الرئيسية وهي أمانة العاصمة صنعاء، وعدن وتعز. وبينت الدراسة عدم وجود التشريعات المنظمة للخبرة، أو تلك التي تبين أسلوب أداء العمل إداريا وفنيا في الإدارة العامة للأدلة الجنائية وفروعها، وهو قصور ينبئ عن قلة الاهتمام بجانب الخبرة الفنية، ويستدعي سرعة التنبه له.كما أُتبعت الدراسة بمبحث ثالث تضمن مقابلة تم إجراؤها مع اختصاصيين بإدارة الطب الشرعي في الجمهورية اليمنية، هما: مدير إدارة الطب الشرعي، وكبير الأطباء الشرعيين.ومن خلال الإجابات التي حصل عليها الباحث تم استخلاص عدد من النتائج التي أوردها في نهاية المقابلة، والتي أهمها ضعف الاهتمام بجانب الخبرة في الجمهورية اليمنية، وعدم حصول الخبراء على الحقوق الكافية أو الضمانات والحصانات التي تحقق الحماية لهم لأداء أعمالهم وآرائهم بشجاعة،... وقد خلص الباحث من هذه الدراسة إلى إعداد مشروع قانون للخبرة، يتناسب مع وضع الخبرة الوليدة في بلادنا، كما أورد عدداً من التوصيات التي نأمل أن تجد طريقها للتطبيق.. وأن تسهم إلى حد كبير في الدفع بأعمال الخبرة لتحقق دورها في تحقيق العدالة والكشف عن الجرائم وصولاً إلى تطبيق عادل للقانون.جدير بالذكر أن الباحث/ عبدالخالق محمد أحمد الصلوي من الباحثين الجادين والمتفوقين علمياً خلال مراحل دراسته الجامعية والعليا، وقد حصل على مرتبة الشرف في كل مراحل دراسته الجامعية والعليا، وتم تكريمه لأكثر من مرة من قبل فخامة الأخ/ رئيس الجمهورية ، ومن الباحثين الذين يحق لليمن أن تفخر بهم ، طالما كانت تعيش في قلوبهم وعقولهم، فالباحث لم ينس اليمن وهو على منصة المناقشة فقد وجه لها كل حبه وتقديره معترفاً لها بالجميل؛ فقال ضمن كلمته التي ألقاها أمام لجنة المناقشة: وكلمة شكر إلى بلدي الحبيبة مهد العرب الأول (اليمن السعيد)، من رعتني طفلا ويافعا وشابا.. من اعطتني الكثير ولم تنتظر مقابلا.. هنيئاً للباحث/عبدالخالق محمد أحمد الصلوي درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف، وهنيئاً لليمن مثل هذا الباحث الجاد والمتميز والذي نأمل أن يكون له ولأمثاله من الباحثين دور في الإسهام في العمل العملي والأكاديمي..