وصفها مثقفون وأدباء بارزون بأنها كارثة (( طالبانية ))
القاهرة/ متابعات: أثارت فتوى أصدرها مفتي مصر الدكتور علي جمعة بتحريم استخدام التماثيل كزينة في الشوارع والمنازل، ردود فعل متباينة لدى مثقفين مصريين حيث ذهب بعضهم إلى تحريم تماثيل العبادة واعتبار "تماثيل الزينة حلالا" فيما اعتبر البعض الآخر الفتوى "طالبانية مسيئة إلى الحضارة المصرية وإلى الإسلام"، وتصاعد الجدل ليصل أيضا إلى حكم الزوجة المتزوجة من نحات!!. وكان المفتي الشيخ علي جمعة أصدر الأسبوع الماضي فتوى تحمل الرقم 68 ردا على سؤال حول استخدام التماثيل كزينة في البيوت استنادا الى فتوى سابقة اصدرها كل من الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ يوسف القرضاوي وإلى حديث نبوي رواه البخاري ومسلم عن مسروق قال "دخلنا مع عبد الله بيتا فيه تماثيل فأشار إلى تمثال منها: تمثال من هذا؟ قالوا تمثال مريم، قال عبد الله. قال رسول الله إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون".وفي رواية أخرى أن الرسول قال إن "الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم احيوا ما خلقتم". واعتبر الشيخ جمعة ذلك "نصا صريحا في أن صنع التماثيل معصية، وعليه فلا يجوز تزيين المنزل بالتماثيل". وفتحت الفتوى باب الجدل حول قضية "تكفير" النحاتين والتفريق بينهم وبين زوجاتهم المسلمات، حيث تعرض المفتي لسؤال على الهواء بهذا الخصوص من سعد هجرس وهو أحد كبار الكتاب الصحفيين المصريين المعارضين للفتوى طلب منه فيها أن يفتيه في موقف ابنته المتزوجة من أستاذ للنحت، فأجاب المفتي خلال برنامج "البيت بيتك" مساء أمس الأربعاء: "لا تطلق ابنتك من زوجها، وساير العصر"؟!.إلى ذلك قالت صحيفة "المصري اليوم" التي نشرت هذا الخبر إن "الطريف أن هجرس من أشد الرافضين لفتوي جمعة حول حرمة التماثيل، إلا أن جمعة اعتقد أنه يسأله عن موقف الشرع من استمرار ابنته مع زوجها النحات" وأشارت الصحيفة إلى أن المفتي دافع عن الفتوى في وجه انتقادات صحفي شهير آخر هو صلاح منتصر عندما قال إن الفتوى التي أفتى بها قديمة وقد صدرت عن الأزهر منذ العام 1960م حيث أصدرها الشيخ مأمون، خال الكاتب الصحفي صلاح منتصر.وزاد من حدة هذا الجدل ما ذهب إليه الدكتور عبد المعطي بيومي، عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر سابقا وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، بالقول إن "أصنام العبادة حرام وتماثيل السياحة و الزينة حلال" في مقالة نشرها بالعنوان نفسه في أسبوعية "المصري" الأربعاء 29-3-2006.ويأتي هذا الجدل في وقت باتت فيه مسألة تماثيل الزينة والسياحة "مبتوت فيها" لدى عدد كبير من علماء الدين في العالم الإسلامي عموما وفي السعودية ودول الخليج خصوصا. فقد أفتى أحد أبرز علماء السعودية ومفتيها الراحل الشيخ عبد العزيز بن باز أنه "لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس (...) لأن ذلك وسيلة للشرك بالله.." فيما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي بتحريمها قائلا إن "الإسلام حرم التماثيل بكل انواعها بما في ذلك كل الصور المجسمة، ما دامت لكائن حي مثل الإنسان أو الحيوان فهي محرمة، وتزاد حرمتها إذا كانت لمخلوق معظم !! ". [c1]"قضية استهلاكية" [/c] ولكن يبدو أن مثقفين مصريين لا يتفقون مع هذه الفتاوى، إذ يرى مدير مركز ومتحف المخطوطات في مكتبة الإسكندرية يوسف زيدان الموضوع برمته "قضية استهلاكية سخيفة"، متسائلا "ما الداعي أصلا لطرح الموضوع في بلد به أكثر من عشر كليات حكومية تدرس فن النحت وأكثر من عشرين كلية تدرس تاريخ الفن ؟". وتابع "نحن بلد يحفل بعشرات وربما مئات الميادين المزدانة بالتماثيل التي لا تعنى عند الناس أكثر من قيمتها الجمالية، بلد علم العالم قبل سبعة آلاف سنة نحت تماثيل يأتي اليوم ملايين من السياح لمشاهدتها، بلد ما بينه وبين الوثنية مسافة زمنية ومجازية كبيرة لا يماثلها إلا المسافة الممتدة بين هذا المجتمع وبين التقدم التكنولوجي المعاصر". [c1] "فتوى طالبانية" [/c] أما رئيس تحرير أسبوعية "أخبار الأدب" جمال الغيطاني، فقد ذهب إلى اعتبار فتوى الشيخ علي جمعة "كارثة"، مضيفا أنها "تجعلنا لا نستبعد أن يدخل شخص إلى معبد الكرنك في الأقصر أو أي معبد فرعوني آخر لينسفه اعتمادا على فتوى جمعة". ووصف الغيطاني الفتوى بأنها "طالبانية" نسبة إلى نظام طالبان الذي حكم أفغانستان. وقال "هذا انقلاب على عصر التنوير الذي قادته فتاوى منفتحة على العالم والعصر مثل فتوى الإمام محمد عبده قبل أكثر من مائة عام وفتوى رشيد رضا التي حسمت الموضوع منذ وقت طويل واعتبرت أن التماثيل والصور ليست محرمة وأن التحريم كان للاصنام أو التماثيل المستخدمة في عبادة الأوثان". ولم يكتف الغيطاني بذلك، ومضى يقول إن "هذه الفتوى تعكس أزمة المؤسسة الرسمية عن فهم المشاكل التي تحيط بالمسلمين في اللحظة الحاضرة والتي تبرز حاجتنا إلى فقيه كبير يدرك حجم المخاطر والمشاكل المطروحة الآن بالنسبة للإسلام والمسلمين". واعتبر فتوى تحريم التماثيل "ارتدادا على منجزات الإمام محمد عبده". وأضاف الغيطاني "آن الأوان للذين يضعون تعارضا بين الإسلام والحياة المعاصرة أن ينتهوا من حياتنا خصوصا وأن هناك اجتهادات لشيوخ كبار في القرن الماضي تجاوزوا التفاصيل السخيفة فما بالك الآن ووجودنا نفسه يتعرض للتهديد". وقال "نحن بحاجة لشيخ مثل محمد عبده لإنقاذ الإسلام من هذه الضحالة". [c1] "استغراب من إصدار الفتوى" [/c] وقال الروائي عزت القمحاوي "ما استغربه أن تصدر مثل هذه الفتوى عن مفتي مصر وهو عالم مستنير تفاءلنا به حتى صدور هذه الفتوى وكأنها نوع من الردة والعودة إلى عصر الخيام في الصحراء وما تمثله من تراجع عن حركة التنوير العربية". وتابع القمحاوي أن هذه الفتوى "موجودة منذ فترة طويلة ومنشورة على شبكة الانترنت في موقع يقوم عليه عدد من المشايخ بينهم ابن باز ويوسف القرضاوي".وقال القمحاوي إن عالم الدين الشيخ يوسف القرضاوي "أفتى قائلا إن تحريم التماثيل هو تحريم قطعي ورفض الاحتجاج ببعد زمننا عن زمن البعثة النبوية حيث كانت تعبد الأوثان واعتبر أن استعمال المعاصرين للتماثيل لا يخلو من قداسة بدليل أن بعضهم يتبرك بعين الإله الفرعوني حورس لحمايته من الحسد". [c1] "تجاهل للتطور الإنساني" [/c] ومن جهته رأى المخرج المصري داود عبد السيد في هذه الفتوى "موقفا مدهشا في تجاهله للتطور الإنساني خلال أكثر من 15 قرنا. فمن المعروف أن تحريم التماثيل في بدايات الإسلام كان طبيعيا لأن الناس كانت تعبدها فكان هناك خوف من الفتنة". وتابع "ولكن الآن وبعد 15 قرنا من التطور هل سنجد شخصا يرى تمثالا فيقوم بعبادته هذا ليس صحيحا. ها هي تماثيل طلعت حرب أو سعد زغلول أو جمال عبد الناصر تؤرخ لرجال اثروا في حياة مصر وبعضها أعطى مضمونا كبيرا مثل تمثال نهضة مصر". وأبدى داود عبد السيد استغرابه قائلا، "يدهشني مثل هذا العقل الذي يقفز عن خبرة القرون ويعامل الناس في وقتنا المعاصر كما لو أنهم ما يزالون في الجاهلية، وهذه العقلية هي نفسها التي وقفت وراء كارثة الطالبانية في تحطيم تمثالي باميان البوذيين في أفغانستان". [c1] "لا عودة لعبادة التماثيل" [/c] في هذا السياق مدير عام سمبوزيوم اسوان للنحت على صخور الغرانيت الصلبة صلاح مرعي فاعتبر أن "هذه الفتوى تعبر عن تخلف. فلا يوجد أي فنان بعد ظهور الديانات السماوية وتقدم العلم يعتقد انه ينحت تمثالا يقصد به خلق كائن حي وإنما يفعل ذلك بحثا عن الجمال، فالله جميل يحب الجمال". وتابع "ومن الغباء أن يعتقد البعض أنه قادر على إقناع أي إنسان على وجه الأرض بان يقوم بعبادة تمثال. هذه مرحلة مرت بها البشرية قبل عشرات القرون ولم يعد ممكنا لها العودة من جديد، فالعقل البشري تجاوزها". [c1] فتاوى شرعية [/c] يبقى القول ان هذه الفتوى بقدر ما اثارت الكثير من الجدل المصحوب بالخوف والقلق من اجندة الاسلام السياسي التي تتصادم مع روح العصر وتنذر بعزلة مخيفة للمجتمع العربي والاسلامي عن مسار تطور العالم المعاصر الحضارة البشرية الحديثة على نحو ما حدث في الدولة الدينية التي اقبمت في امارة (( طالبان )) في افغانستان التي قادها المدعو امير المؤمنين المتوكل على الله الملا محمد عمر بحسب تسميته الرسمية آنذاك ، والدولة الدينية التي اقامها في اليمن المدعو امير المؤمنين الامام يحي حميد الدين قبل ان تسقطها ثورة 26 سبتمبر 1962 الخالدة، ولئن اختلفت تلك الدولتان سيئتا الصيت في الفروع التي تتعلق بالصراع على السلطة واسس ممارسة الاستبداد واحتكار الحكم، الا أنهما لم تختلفا حول الآصول وخاصة تلك التي تقضي بتحريم الفنون والتصوير والموسيقى وعدم جواز تعليم المرأة وضرورة حبسها في المنزل ومنعها من الخروج للعمل وغير ذلك من المفاهيم التي كانت سببا في تخلف العالم الاسلامي وعجزه عن عبور فجوة التخلف الحضاري منذ ظهور الثورات الصناعية الأولى والثانية والثالثة في القرون الثلاثة الاخيرة ، وحتى قيام الثورة الرقمية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات . وعلى هامش الفتوى الاخيرة التي هزت ليس فقط الاوساط الثقافية والفكرية في مصر بل امتدت لتشمل الشارع المصري كله ،تساءل كثيرون عن الاسباب التي تمنع مفتي مصر والشيخ القرضاوي عن القول بأن بن لادن والملا عمر كانا على حقّ حينما قاما بتدمير تماثيل بوذا في أفغانستان؟ كما كانت طالبان على حق عندما منعت استخدام التلفزيون واغلقت محلات التصوير الفوتوغرافي ومنعت الصحف من نشر الصور .. فهذا هو المغزى الحقيقي لهذه الفتوى العجيبة الغريبة. ولماذا لا يفتي الشيخان الموقّران بتدمير الأهرامات بالديناميت حتى لا يقوم المصريون بعبادتها؟ ومعبد أبو سنبل؟ ألا يخشيان أن يقوم المصريون بعبادة الفراعنة؟ وهل يعتبر الشيخ القرضاوي نفسه مخوّلاً بتحريم التماثيل عند المسيحيين، وماذا ينتظر ليأمر بتدميرها؟ وما أدرانا، فقد يعمد الناس إلى عبادة "صورة" الشيخ القرضاوي حينما يطلّ علينا من "الجزيرة" ليفتي بصحّة زواج المسيار! هل يفتي مفتي مصر ومفتي الإخوان، يوماً، بتحطيم تماثيل الأمّية والفقر والقمع والإستبداد والسجون في البلاد الإسلامية؟ أم أن الفقر والعوز والأمية التي تشمل 60 بالمئة من العرب، ليست إلا تفاصيل.. !![c1] نص فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله): [/c] "لا يجوز تعليق التصاوير ولا الحيوانات المحنطة في المنازل ولا في المكاتب ولا في المجالس لعموم الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدالة على تحريم تعليق الصور وإقامة التماثيل في البيوت وغيرها. لأن ذلك وسيلة للشرك بالله، ولأن في ذلك مضاهاة لخلق الله وتشبها بأعداء الله، ولما في تعليق الحيوانات المحنطة من إضاعة المال والتشبه بأعداء الله وفتح الباب لتعليق التماثيل المصورة وقد جاءت الشريعة الإسلامية الكاملة بسد الذرائع المفضية إلى الشرك أو المعاصي وقد وقع الشرك في قوم نوح بأسباب تصوير خمسة من الصالحين في زمانهم ونصب صورهم في مجالسهم، كما بين الله سبحانه ذلك في كتابه المبين حيث قال سبحانه: وَقَالُوا لا تَذرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا وَقَدْ أَضَلُّوا الآية ، فوجب الحذر من مشابهة هؤلاء في عملهم المنكر الذي وقع بسببه الشرك . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته خرجه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون متفق على صحته، والأحاديث في ذلك كثيرة، والله ولي التوفيق".[c1]نص فتوى الشيخ يوسف القرضاوي: [/c] "حرّم الإسلام التماثيل وكل الصور المجسمة، ما دامت لكائن حي مثل الإنسان أو الحيوان فهي محرمة، وتزاد حرمتها إذا كانت لمخلوق معظم. مثل ملك أو نبي كالمسيح أو العذراء، أو إله من الآلهة الوثنية مثل البقر عند الهندوس، فتزداد الحرمة في مثل ذلك وتتأكد حتى تصبح أحيانًا كفرًا أو قريبًا من الكفر، من استحلها فهو كافر. فالإسلام يحرص على حماية التوحيد، وكل ما له مساس بعقيدة التوحيد يسد الأبواب إليه. بعض الناس يقول: هذا كان في عهد الوثنية وعبادة الأصنام، أما الآن فليس هناك وثنية ولا عباد للأصنام.. وهذا ليس بصحيح .. فلا يزال في عصرنا من يعبد الأصنام.. من يعبد البقرة ويعبد المعز. فلماذا ننكر الواقع؟ هناك أناس في أوروبا لا يقلون عن الوثنين في شيء.. تجد التاجر يعلق على محله (حدوة حصان) مثلا، أو يركب في سيارته شيئًا ما.. فالناس لا يزالون يؤمنون بالخرافات، والعقل الإنساني فيه نوع من الضعف ويقبل أحيانًا ما لا يصدق.. حتى المثقفون، يقعون في أشياء هي من أبطل الباطل ولا يصدقها عقل إنسان أمي. فالإسلام احتاط وحرم كل ما يوصل إلى الوثنية أو يشتم فيها رائحة الوثنية.. ولهذا حرم التماثيل. فتماثيل قدماء المصريين من هذا النوع. ولعل بعض الناس يعلقون هذه التماثيل بوصفها نوعًا من التمائم، كأن يأخذ رأس "نفرتيتي" أو غيرها ليمنع بها الحسد أو الجن أو العين.. وهنا تضاعف الحرمة. إذ تنضم حرمة التمائم إلى حرمة التماثيل. لم يبح من التماثيل إلا ألعاب الأطفال فقط، وما عداها فهو محرم .. وعلى المسلم أن يتجنبه.