القاهرة / متابعات :أثار ما طرحته احدى شركات صناعة البرمجيات في مصر لآلة تزعم أنها تقوم بدور الإمام في الصلاة، جدلاً واسعاً مابين رافض استنادا إلى أحكام فقهية ، وبين مؤيد وفقاً لشروط الضرورة.وتأتي هذه المحاولة تحت زعم توظيف العلم لخدمة الأديان بدءاً من الأذان الموحد حتى ممارسة الشعائر والعبادات ،من جانب آخر طرحت هذه المسألة علامات استفهام عديدة حول علاقة الدين بالعلم وهل هناك تعارض بينهما أم ان من يحاول إيجاد مثل هذا التعارض يهدف إلى تحقيق مآرب مشبوهة؟في البداية يدافع منتجو جهاز الإمام الاليكتروني عن سلعتهم وعن هدفهم من إنتاجها موضحين أن الجهاز عبارة عن مشغل صوتي مدمج بالكامل في سماعات دون أسلاك خارجية، وذلك لتسهيل استخدامه أثناء الصلاة وهو يعزل المصلي عن الأصوات المحيطة به ليمكنه من التركيز والخشوع التام، بل ويرشده أثناء أداء خطوات الصلاة حتى لا يخطئ في عدد الركعات، ونفوا أن يكون الجهاز بديلاً للإمام لكنه مجرد مرشد لمن يصلي بمفرده.من جانبه أكد الدكتور علي جمعة مفتي مصر أن الإسلام كمنهج وحياة لا يتعارض مع منجزات العلم بقدر ما يتفاعل معها ارتباطاً بتقدير الإسلام للعلم والعلماء ودورهم في تعمير الأرض وتطويرها والتيسير على الانسان في كل أمور حياته ، ومن هنا فقد أفتى بشرعية الجهاز مع مراعاة نقاط عدة منها جعل القراءة بطريقة المصحف المعلم، إذ يقرأ القارئ ثم يترك مساحة زمنية ليقرأ المصلي بعده واستخدام تسجيلات بقراءة مجيدين لفن التجويد والتلاوة وإضافة نص صوتي للتشهد والصلاة على النبي في موضعيهما من سياق الصلاة.ورأى الدكتور صبري عبدالرؤوف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، أن الإسلام دين العلم والمدنية ويتمشى مع جميع الحضارات ويدعو إلى البحث العلمي ويعمل على رفع مستوى الفرد والجماعة بشرط ألا يتعارض ذلك مع نص من كتاب الله أو سنة رسوله. وإذا كان العصر الحضاري قد خرج علينا بمستجدات ومخترعات فإننا نقول لهذه المستحدثات مرحبا من أجل خدمة البشرية وتطورها، ولكن مهلا فيما يتعلق بالعبادة لأن العبادة علاقة خاصة بين الفرد وربه.ويوضح د.صبري أن توظيف التكنولوجيا في أمر العبادات مرفوض تماما لأن العبادات ما سميت عبادة إلا لأن العقل ليس فيه مجال وإنما لاعتماده فيها على السمع والطاعة والانقياد لأمر الله عز وجل.فالصلاة مثلا شرعها الإسلام وللإنسان أن يؤديها منفردا أو في جماعة، وإذا أداها في جماعة فإننا نقول أنه يشترط في المأموم أن يرى الإمام أو يسمع صوته أو يتصل بصف متصل بصفوف الإمام من غير واسطة أي من غير متابعة على الأجهزة الالكترونية كشاشة التلفاز أو الأقمار الصناعية وذلك لأن مشاهدة الانسان لإمامه عن طريق الوسائل العلمية المستحدثة وليس عن طريق المباشرة يؤدي إلى انشغاله بمشاهدة الأمام عبر الشاشة فيضيع منه الخشوع اللازم لكمال الصلاة ، مشيراً إلى أن الصلاة بهذه الكيفية خلف الأمام الالكتروني المزعوم تضيع تماما عندما يحدث عطل مفاجئ لهذه الأجهزة فلا يستطيع المصلي ان يتابع إمامه.ويتابع د.صبري عبدالرؤوف ، بحسب جريدة " عكاظ " السعودية ، أن قول خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» فهذا يعني أنه إذا قرر هؤلاء المخترعون جعل هذه الأجهزة الالكترونية لتؤم من يصلي منفردا فقط فإن ذلك ليس جائزاً إلا في حالة من يسمع هذا الجهاز الالكتروني قبل الدخول في الصلاة من باب التعليم أو الاسترشاد كمن دخل في الإسلام حديثا أو من في حكمه فلا مانع من ذلك. أما أن دخل الانسان في الصلاة فلا يحل له بأي حال من الأحوال أن يتابع صلاته عن طريق أي من هذه الأجهزة الالكترونية وعلى ذلك فكان الأولى لهؤلاء المخترعين ان يبحثوا عما يعود بالنفع العام للمجتمع بعيدا عن نطاق العبادات لأنها ترتبط بحقوق العبودية لله بما يعني حقوق السمع والطاعة للخالق العظيم هذا هو عين العبودية لله التي ينبغي للمسلم ان يتخلق بها وان يسير على منهجها .ويخلص د.صبري عبدالرؤوف إلى التأكيد بأن استخدام ما يسمى بالإمام الإلكتروني بدعة لأنها لا تتماشى مع الخشوع والإخلاص لله حال الصلاة.في الوقت الذي يؤكد فيه د.عبدالحي عزب أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة الأزهر عدم تعارض الأحكام الشرعية مع تطور العقل البشري والاختراعات التي تيسر حياة الانسان في كل زمان ومكان ، مشيراً إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت خاتمة لكافة الشرائع السماوية ولما كانت شاملة للأحكام بأنواعها من عبادات ومعاملات لضبط حياة الفرد والمجتمع سواء ما يتعلق منها بالأمور الدنيوية أو الأخروية، ومع هذا فقد تركت الشريعة مساحة واسعة لمجال الفكر والعقل والنظر فنجد القرآن الكريم يحث العقل كي يتحرك ويحث الانسان على النظر والتدبر في مخلوقات الله وملكوته ولذلك تختم الكثير من الآيات بقوله تعالى: {أفلا يعقلون}، {أفلا تبصرون}، {أفلا يتدبرون}. وهذا يؤكد ان الدين الإسلامي لا يقف حجر عثرة أمام التقدم العلمي والابتكار الذي يسهل له أمور حياته. وهنا نجد المولى عز وجل يقول في سورة «النحل» {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون}.ويضيف ان تلك الابتكارات التكنولوجية والاليكترونية الحديثة التي تعود بالنفع العام على الانسان قد تندرج تحت قوله تعالى: {ويخلق ما لا تعلمون} بشكل مباشر أو بطريق غير مباشر من خلال تعليم الانسان ما لا يعلم، وهذا في ذاته تأكيد على ان الإسلام لا يصادر فكراً او معرفة بل هو دين الانسجام مع الحياة، إلا ان الأحكام والأمور الشرعية تتنوع تنوعاً كبيراً ومنها ما يخص العبادات التي رسم لها الشارع الحكيم من المعالم التي يجب ان تؤدى بها كالصلاة فهي تؤدى إما فردا أو جماعة وتؤدى بالصفة الشخصية ولا يجوز ان ينوب فيها شخص عن آخر لأنها علاقة رسمية وصلة وثيقة بين العبد وربه. ويجيب د. عبدالحي عزب: لا حاجة عملية لذلك خاصة ان للمسلم ان يصلي بالهيئة والصفة التي يتمكن منها فإن لم يستطع قائماً فجالساً وان لم يستطع جالساً فنائماً وان لم يستطع القراءة اطلاقاً فليجر على لسانه الصلاة ولو بالدعاء.وحول إمكانية توظيف هذه التكنولوجيا لتعليم الجاهل بأحكام وشروط الصلاة من الداخلين في الإسلام حديثاً يوضح د. عزب، ان الحديث عهداً بالإسلام ولا يستطيع قراءة الفاتحة فإنه يجوز استخدام هذا الصوت عبر الجهاز الاليكتروني بحيث يسمع الفاتحة ويرددها خلفه، وهذا لا مانع شرعياً فيه انطلاقاً من عدم معرفته بفاتحة الكتاب، وهذه الرخصة تدخل في باب الضرورة ووفقاً للقاعدة الفقهية وهي ان الضرورة التي تقدر بقدرها.. وهذا يعني ان هذه الضرورة تقتصر على أهلها فإذا وجد مضطر لاستخدام هذا الجهاز الاليكتروني فإن حالته لا تنسحب على غيره والرخص هنا تمنح بدافع الضرورة.ويؤكد د. عبدالحي عزب انه لا يجوز ان نعمم هذه الرخصة ونقول ان المذياع يقرأ أو تقوم قراءة المذياع مقام قراءة الفرد للقرآن أثناء الصلاة، أو القول بأن الأمام يصلي في الكاسيت او الجهاز الاليكتروني ونحن نصلي خلفه فهذا ممنوع منعاً باتاً، لأنه طريق إدخال في الدين ما ليس منه، مشيراً الى انه إذا كان أرباب الديانات الأخرى يحترمون ما فيها من طقوس، فنحن أولى منهم باحترام طقوس عبادتنا وإلا فالإسلام لا يرغم أحدا على الدخول فيه أو البقاء فيه، وعلى ذلك فإن ما يسمى بالإمام الاليكتروني يعد نوعاً من البدع التي يبتغون من ورائها تشويه العبادة.علم مشبوهويصف الدكتور محمد داود عميد معهد معلمي القرآن الكريم مثل هذه التكنولوجيا بالعلم المشبوه الذي يهدف الى صرف المسلمين عن الدين مدللاً على ذلك بصلاة الجمعة التي لا تصح بدون خطبة، مؤكداً ان ذلك يخل بشرط من شروط صحة الصلاة وهو خطأ يجب رده. ورفض د. محمد داوود إمكانية إجازة الإمام الاليكتروني لما له من تداعيات خطيرة تتصل بإمكانية صرف المسلمين عن الذهاب للصلاة في المساجد.
«الإمام الألكتروني» يثير جدلا واسعا في مصر
أخبار متعلقة