معالم وآثار
قونية المدينة ذات الأراضي الخضراء المنبسطة التي احتضنت جلال الدين الرومي رمز التسامح بين العرب والعجم. ومع حلول شهر ديسمبر (كانون الأول) من كل عام تملؤها حفلات «السما» التي يحييها مئات الدراويش الدوارين بطرابيشهم الطويلة، وملابسهم البيضاء، ونظراتهم المشدودة إلى السماء، في أجواء روحانيه فريدة ، قونية مدينة قوامها مزيج من الحضارات والثقافات العربية والرومانية والعثمانية، وفيها يستمتع المسلمون بنفحات التصوف، وتحج قلوب المسيحيين حول كنائسها العتيقة.تحمل قونية الساكنة في جنوب غربي تركيا تاريخاً عظيما تحكيه للأجيال الجديدة، فلقد كانت ولا تزال من أهم واكبر المدن في تركيا ، سيطر عليها أهل ليديا في القرن السادس ق.م، والفرس في الرابع ق.م، والإسكندر وسلوكوس، ومملكة «برغاما» في القرن الثاني ق.م، والروم عام 395 ق.م، والساسانيون في أوائل القرن السابع، والأمويون بقيادة معاوية بن أبي سفيان . ثم ظلت قونية من محافظات البيزنطيين حتى القرن العاشر، ومع دخول العرب المسلمين لها بعدما فتح باب الأناضول للأتراك المسلمين، وتعتبر قونية أو «كونية» كما هو متداول ، من أقدم المدن التاريخية، ويرجع تاريخها إلى نحو 7000عام ق.م، وفي مركز «تشاتالهويك» على حدود قونية بدأ طبخ الطعام، وتم اكتشاف كثير من الآثار التاريخية مثل تمثال الملكة «كبَلة» والمعروض في متحف الآثار القديمة. وفي غرب قونية تقع مدينة «كليستراي»، التي تملؤها الكنائس الصغيرة المنحوتة في الجبال وبها صهاريج كان يعصر فيها العنب في وادي «سوغوتلو». ومن المزارات التي تتميز بها قونية «ينبوع أفلاطون» وهو عبارة عن حوض أبعاده 30 مترا مع 40 مترا، ويوجد أمام الينبوع نصب يمثل الآلهة التي تحمل السماء وهو يعبر عن ارتباط السماء بالأرض، ومن أشهر معالم قونية السياحية النصب التذكاري «فاصللار» ويعد من أكبر النصب التذكارية في العالم، وهناك معبد في الجبل بين أسدين، ويعود للفترة البيزنطية. ومن الأماكن التي تستحق الزيارة نصب «إيفريز» الذي يقع على حدود مدينة قونية، ويعود إلى مملكة «توانا» قبل نحو ألفي عام قبل الميلاد، وهو نصب محفور بين الصخور وحوله عيون ساحرة من الماء، تشعر حين تقترب منها بالسكينة والاسترخاء.تمتلئ قونية بعدة بحيرات خلابة، أروعها وأجملها بحيرة «مكا» بموقعها الفريد وسط الصحراء، وهي تنساب في شكل دائري وتتوسطها تلة مرتفعة من الصخور البازلتية الرمادية.وتفيض عن هذه التلة ثلاث تلال صغيرة، وكل أطراف البحيرة مغطاة بالرماد الأسود الغامق. ومن الاماكن الممتعة للنظر شلال «يَركوبرى» الذي يوجد بنهر «كَوَكْصو» في سهول «طوروس» الغنية بالمصادر والينابيع الطبيعية.تأثرت قونية بروح وفلسفة جلال الدين الرومي وأفكاره التي جعلت منها مدينة للسلام والطمأنينة، وطاقة نور للإنسانية. فإذا كنت في قونية فزيارة متحف «مولانا» على رأس خططك، هذا المتحف كان قديما حديقة ورد للقصر السلجوقي للسلطان «علاء الدين كيكوباد» الذي أهداه إلى والد جلال الدين الرومي «بهاء الدين ولد» الملقب بسلطان العلماء. توفي جلال الدين الرومي في يوم 17 كانون الأول 1273، وأصبح قبره مزاراً، وأمر الوزير السلجوقي «أمير بروانة» بأن تبنى على قبره قبة مخروطية خضراء مزخرفة بالخزف، والتي بناها التبريزي وهي تضم جثمان الرومي وقبور خلفائه، وكل قبر مغطى بقماش سميك مطرز بالذهب تعلوه عمامة بيضاء كبيرة. كما يوجد صندوق صدفي صغير، يقولون إن فيه بعض بقايا نفيسة من شعر لحية النبي، مما يجعل للمكان قدسية من نوع خاص في تركيا. وكان يسمى المزار في البداية «متحف قونية للآثار العتيقة» وفي عام 1954 سمي «متحف مولانا».