صـباح الخـير
رغم زعمي أنني حاصل على شهادتين جامعيتين إلا أنني حتى أسابيع قليلة ماضية يمكنني القول : إنني كنت أمياً!!كان عالم واسع من المعلومات مغلقاً أمام بصري وبصيرتي.ورغم أني منذ أن كنت في قيادة تحرير سابقة أتبنى مشروعاً لمحو الأمية العصرية للصحفيين وكافة العاملين والفنيين في الصحيفة والمؤسسة، ووضعت مشروع خطة على قيادة المؤسسة - آنذاك - حول كيفية تنفيذ إنجاز هذا المشروع، إلا أنّ ذلك كان كله في حكم (التنظير) الذي ينال من رغبة داخلية في اقتحام عالم العصرية والحداثة ولكنه لا يأخذ موقعه في النفس تطبيقاً واقعياً.حتى أسابيع قليلة ماضية كان عالم (الكمبيوتر والإنترنت)، ظلاماً مبهماً أمامي، ولم تنفتح ذاتي على ملامسة هذا العالم أو تلامس أصابعي مفاتيح (الكي بورد)، رغم اشتغالي أكثر من عشرة أعوام ماضية من عمري الصحفي مع شاشة الكمبيوتر عبر طرف ثالث (الصفاف أو المخرج الفني).يمكن القول إنّ حاجزاً نفسياً كان يحول بيني وبين التعامل المباشر مع جهاز الكمبيوتر طوال هذه السنوات الماضية التي تعاملت فيها مع إمكانات الكمبيوتر (التنضيد والإخراج واستخراج المعلومات) دون إدراك بكيفية تشغيل البرامج لإخراج هذه الإمكانات (الكمبيوترية).كنت أمياً.. أمية عصرية.. كما أصطلح الباحثون المعاصرون على إدراج هذا المصطلح إلى جانب ما تداولوه عن الأمية الأبجدية أو الأمية السياسية أو ما شابه، لأنّ المثقف - إن لم يكن المتعلم - لا يمكنه إكمال هذه الأهلية من دون شروط الثقافة المعلوماتية .. وكنت ناقص الأهلية الصحفية، لأنّ عالماً وسيعاً في الصحافة المعاصرة هو الصحافة الإليكترونية إلى جانب نقص الثقافة المعلوماتية بعيد المنال.لا أجد بداً من الاعتراف بأنّ الفضل في هذه الانتقالة - بعد الله تعالى - يعود إلى الأستاذ الصحفي القدير أحمد الحبيشي الذي جاء إلى عالم (14 أكتوبر) المتهالك وبإرادة قيادية صلبة فرض على النشاط التحريري شروط الانتقال من الصحافة التقليدية إلى الإدارة الصحفية المعاصرة.لقد وضع هذا الوضع أمامي رهاناً بين تطور الإدارة وتخلف المدير عن مواكبة هذا التطور، وبين أن أضع المناشدة النظرية التي طالما طالبت بها وجعلتها مشروعاً امام القيادة السابقة أن تتبناه موضع محك مع الذات أولاً، أي البدء في تطوير الذات قبل مطالبتها الآخرين.كان الأستاذ الحبيشي يقول عند حصول قصور في استخراج المعلومات الصحفية من الموظف الفني - وهو غير صحفي - إنّ هذا الموظف الفني هو الذي يقودك صحفياً.. وليس أنت الذي تقوده وإنّه هو الذي يوجه الإدارة التحريرية بما يستخرج من معلومات قد تكون قاصرة أو غير موجهة أو مبوبة.وكان هذا الاستفزاز الإيجابي حافزاً لوضع اليد على مكامن الخلل والتخلف الذي يمكن أن يعيشه الصحفي مهما كانت قدراته وخبراته.وكان الرهان بأن تردم هذه المسافة السلبية لمواكبة مقتضيات العمل الصحفي أو أن تبقى صحفياً منتفخاً بوهم الذات.. مترنحاً في متاهة الجهل المعلوماتي.ومن وحي هذا الاستفزاز الجميل لقائد عمل صحفي مجرب ذي إرادة مهنية واعية بحجم الأستاذ أحمد الحبيشي بدأت الأصابع تنقر مفاتيح (الكي بورد) وبدأ عالم سحري يتفتح أمامي.ودخل الأستاذ أحمد الحبيشي تاريخي الشخصي كما دخله من قبل أساتذة سابقون لا أنكر فضل أحدهم عليّ.