نص
شفاء منصر(سديروت) تستلقي على تخوم المملكة المسروقة، فوق سرير من الخضرة والندى.تغتسل بعطر الليمون والأضواء .. وتـُمارس كل الرذائل والخطايا على الأرض التي افترستها ذات عام بوضاعة لا تعرف الندم.تتباهى برفاهيتها المسرفة وتنظرُ بضغينة إلى الجهة المقابلة حيث (غزًًة) أسيرة الجوع والظلام والعطش.تطمع بحرقها وطمرها تحت الترابلتتخلص من وجع الرعب الذي يثقب رأسها ويطوِّق لياليها بالخوف والسُّهاد.و(غزة) لا تملكُ أسلحة بطشها ..لا تملك سوى (لحم) أبنائها الذين يفجرون أنفسهم بوجه مجنزراتها وتعصبها ووحشيتهاوحجارة الأرض الصامتة التي تمتحن صبرهم إلى أن تنطق يوماً وتشي بالقتله(سديروت) المرفهة والمدلـلـة لا تعرف الجوع أو العطش، البرد أو المرض، لكنها مُصابة بالهلع من (غزًًة) التي تطلع لها من كل الموجودات التي سرقتها منها حقول الزيتون، وبساتين التين، زهر الياسمين، تراب الأرض.. تتفجر غضباً من (غزًًة) التي عكَّرت صفو أيامهاوخدشت مساءاتها الرائقة بما تيَّسر لها من صواريخ بدائية الصنعوأجبرتها على الاختباء تحت جلدها.(سديروت) لا تحتمل البقاء منكمشة مرتعدة محرومة من السهر واللهو، من أخذ قيلولتها وقت راحتها .من النزهة على شاطئ (غزًًة) الذي حوَّله القتله إلى مصيدة.(غزًًة) الآن تترجم قهرها إلى (فعل قتال) وتبتكر أدوات نقمتهالتجرِّبي (سديروت) هلع ليلة من ليالي الحصارولتذوقي طعم جرعة من جرعات الموت الذي سقيتيه لأطفالي، قبل أن يبلغوا حدًً الفطام، ويتعلَّموا حروف الهجاء.. وطرح الأسئلة..و(سديروت) مذهولة من (غزة) التي تجرًًأت على إيلامها وأسقطت هيبتها الزائفة تحت النعال.. باغتتها تلك المحاصرة ..التي تقف وحدها بعد أن تخلت عنها الأمة..تمشي على جراحها وتخرج من بين ألسنة اللهب ولظى المحرقة تحفر لها لحدها، وتـُعيد زمان الغضبما الذي يجعلها معجونة بماء الكبرياء والعنفوان والغضب؟((حلاوة الإيمان تذيب مرارة الحنظل)).(سديروت) ..أخلفت (غزًًة) ظنونها ولم تركع أمامها مستسلمة للبربرية التي يبالغ في تقديسها الآخرون.لأنّها تعرف أنّ كل ما قيل عنهم كذبة!!ولأنّها تعرف هؤلاء القتله!!كما يعرف الحقل أشجاره والنهر مجراه والبحر أمواجهيشحذون شفرات سكاكينهم..ويمارسون نحر الصغار كما يمارسون طقوس العبادة والاحتفالات البهيجة.ولأنّها تراهم على حقيقتهم منذ ستين عاماً((بلا أقنعة ولا مكياج ولا ملابس مستعارة))عراة كما ولدتهم أمهاتهم من الوداعة والبراءة والطهارة.