د.زينب حزام :تتميز أعمال الفنان التشكيلي عارف محمد سعيد بشيء إنساني خاص بسيط رائق فرح، يجمع بين الفرح التعبيري والهندسة البنائية العقلية للأشكال في صياغتها المتعددة جمعاً لا نستطيع ان نتبين فيه أين يبدأ القصد وأين تبدأ حدود المصادفة في لوحاته الفنية.قدم الفنان التشكيلي عارف محمد سعيد ناصر لوحات فنية تشمل العديد من الموضوعات ابتداءً من لوحة بنت يمنية مقاس (35×50) ألوان مائية إلى العديد من اللوحات الفنية التي تشمل مواضيع عن العادات والتقاليد والمعمار اليمني مثل لوحة منظر يمني مقاس اللوحة(45×60) ألوان زيتية وجميع اللوحات الفنية تشمل رموزاً تبنى عليها تراكيب معقدة حسبت فقط أثناء الفعل الفني أن يظل النبض الإنساني حاضراً بقوة سواء جاءت النتائج ذات ملامح هندسية ساكنة مجردة، أو عضوية تعبيرية هادرة أي إنها ببساطة شديدة أعمال تعبر بوعي بان الفن لغة إنسانية بسيطة وبليغة تخاطب العقل والوجدان معاً، والفن التشكيلي يقوي المشاعر الإنسانية ويدعو إلى السلم والأمن والأمان ويقوي الروابط الإنسانية بين الشعوب من خلال لغة الألوان.وقد راح فناننا التشكيلي عارف محمد سعيد يرسم اعمالاً شديدة الرقة حتى قدم العديد من المعالجات للواقع الفني اليمني وقدم هموم وقضايا الناس في المجتمع اليمني في الريف والمدينة.ولا شك في أن الفن بذلك المفهوم الذي بقي على مر التاريخ مؤثراً وطازجاً مهما تقادمت تواريخ انتاجه، أو تغيرت ظروف عصره لأنه لم يأت مرهوناً بظرف تاريخي أو مقيداً بطرح رأي مؤقت وانما يأتي مجرداً عن المباشرة مرتبطاً فحسب بإنسانية الإنسان وبمشاعره وأحلامه وبصياغات بسيطة رائعة وحاذقة معاً.ويجد المشاهد للوحات الفنان التشكيلي عارف محمد سعيد ناصر خريج معهد الفنون الجميلة بعدن عام 2004م وهو من مواليد مدينة عدن 1982م دبلوم فنون تشكيلية عدداً من الموضوعات بسيطة العناصر والمظهر مهما تعقدت مضامينها والصياغات التقنية وقد قدمها بأسلوب أدائي محدد ومتكرر- كما يفعل البعض الذين يتصورون أن ثبات طرائق الأداء والصياغة هي تأكيد للشخصية الفنية بينما الأمر ليس كذلك وعلى سبيل المثال نجد الفنان العالمي «بيكاسو» لم يتقدم يوماً واحداً بما حققه من نتائج تقنية رفيعة المستوى، وانما بدا دائماً متغيراً ومتنامياً دون انقطاع، وهو ما حقق له ذلك التنوع.والزائر لبيت الفن الموجود في معهد الفنون الجميلة بعدن سيجد لوحة رائعة للفنان التشكيلي عارف محمد سعيد ناصر عند مدخل المعرض وهي لوحة بنت يمنية ويجد المشاهد إن معظم لوحات فناننا التشكيلي قد تحررت من اسر الثبات المقيد بأسلوب واحد وإنه راح ينتقل بحرية من الواقعية التشخيصية نحو التجريد، ومن تعقيد البناء الهندسي للأشكال ذات البعد المنظوري إلى البساطة ومن تراكيب اللمسات اللونية الكثيفة وتكديس العناصر إلى تجاوز الزخارف وانتشارها على سطوح مبسطة مسالمة.
الفنان/عارف محمد سعيد ناصر
وخلاصة القول أن الفنان التشكيلي عارف محمد سعيد، يرسم لوحاته ويزخرفها كيفما يشاء من دون حدود وتقيد بالمذاهب والمدارس الفنية مما أدى إلى التنقل بألوانه وأشكاله بحرية كاملة في لوحته المشحونة بالنبض الإنساني العالي، وقد أتاحت له أن يعيد قراءة خلاصات عديدة من نتاجات الفنانين العالميين الكبار وهذا مانمى إبداعه في الفن التشكيلي.وقد راح يصوغ تراكيبه وبناءاته بمفهوم خاص، لايهم فيه أن يأتي هندسياً صارماً ذا حس زخرفي أو أن يهدر بالتعبير الفطري البدائي أو حتى يتحول إلى همس لوني شاعري رقيق قدر ما يهم مدى التوافق بين المشاعر والأفكار وأساليب الصياغة وهو ما يجعل نتاجاته ذاتية متعددة الهيئات والأساليب والصياغات رغم ما يربطها جميعاً من روح إنسانية واحدة المشاعر والنكهة.هموم الناس وواقعهمالواقع أن أهم ما يميز الفنان التشكيلي عارف محمد سعيد هو تلك الروح اليمنية التي تتبدى في كل نتاجاته مهما تنوعت تظل روحاً خالصة ليست مرتبطة بالموضوعات التي يطرحها ولا بأساليب الصياغة ولا حتى بالعناصر والرموز الشعبية التي تمتلئ بها اللوحات وانما هي شيء آخر لا نستطيع أن نمسكه بوضوح بل نستشعره كرائحة البخور واللبان اللذين اشتهرت بزراعتهما اليمن أو كرائحة البن اليمني المنبعث في كل الأحياء الشعبية اليمنية مهما تباينت صحيح انه بجمع بين السريالية والميتافيزيقية والواقعية وحتى التجريد في توليفة واحدة جمعاً ناتجاً عن الوعي بها جمعياً والاستيعاب الهاضم لمعطياتها وليس عن قصد عقلي مباشر، وصحيح ايضاً انه يختار موضوعات إنسانية عامة ليس بالضرورة إنها يمنية ولكنها تبدو ذات نكهة يمنية أصيلة. ربما بسبب عشقه للمناظر الطبيعية كالبحر والنوارس والجبال في مدينة عدن والمدرجات الزراعية في إب وواجهات البيوت الشعبية في مدينة صنعاء والقصص والأساطير اليمنية القديمة.كل هذه العوامل جعلته يرسم بحرية كاملة من دون تقيد بموضوع واحد، أو أسلوب محدد وأدوات واحدة وان عمليات ترك العنان للفن كي يتوالد ويتشكل كالمغامرة في كل مرة، فتخرج خبرات الطفولة والصبا ايضاً مواريث الجدات مخزون الرؤية للموروثات الشعبية في مدينة كريتر والصهاريج والمقاهي الشعبية والشوارع المكتظة بالمارة في سوق الطعام بمدينة كريتر وسوق الحدادين وغيرها من الشوارع الشعبية القديمة في عدن والفنان التشكيلي اليمني عارف محمد سعيد ناصر قدم تجربته الفنية في ثلاث مراحل رئيسية أتت جميعها على حضور قوي للإنسان وبالذات المرأة اليمنية التي ناضلت من اجل التحرر من الأمية والعادات والتقاليد البالية ومشاركة أخيها الرجل في جميع ميادين الحياة.
بينما تجد مجموعته الثانية تبدو قد جمع فيها بين إيحاء انه لرسم الأحياء الشعبية والعمارة اليمنية.اما مجموعته الثالثة بشخوصها الفاترة وبناءاتها المعتمدة على تقاطع الأقواس المحيطة بالشخوص وتناقضاتها العلاقة بين الضوء الساطع والظل القائم قد بدت ذات حس تعبيري عالٍ مؤكداً تلك السمة الأساسية التي تتمحور حولها تجربته كلها مهما تعددت طرائق الأداء أو اختلفت أساليب الصياغة، وهي أن الإنساني بهيئته وروحه وأحلامه ونزواته هو محور الفن ودافعه وعنصره الأساسي، وسواء تواجد الإنسان بهيئته كما هي، أو تحورت ملامحه لتزيد قدر التعبير، أو حتى بقيت آثار انفعالاته في هيئات لونية وشكلية مجردة وسواء ايضاً جاء وحيداً مجابهاً لفراغ شامخ يحيطه كالمجهول أو ترجمة العناصر والمفردات فانه ظل دائماً حاضراً في لوحاته الرائعة والتي قريباً سوف يشارك بها في معرض الفن التشكيلي الذي سيقام في 15 مارس 2008م في بيت الفن التشكيلي بصنعاء.