قصة قصيرة
عبد الجبار ثابت الشهابيالساعة تجاوزت العاشرة مساء بدقائق ..الغرفةُ المكتظة بالرجال كانت صامتة ..ساكنة كالموت ..بعضهم كان يمسح العرق ، وبعضهم كان يرسل بصره من وراء الستائر، أما البعض الآخر فقد اكتفى بالتحديق في عدة عمل الليلة .. البنادق الآلية كانت تنزوي في جانب من زوايا الغرفة الكئيبة ، وكانت الأشعة المنعكسة منها إلى عيون الجالسين تتحدث بصمت ، وترتعش كلما زادت حركة الرجال الخافتة قياماً ، وقعوداً ، وتجوالاً هنا ، وهناك . الشارع الممتد إلى ما لانهاية لبس الليلة قميصاً أسود ، ونام .. لا شيء يبدو أبداً غير الظلام ،وبعض أضواء السيارات الآتية من بعيد بدت عند اختلاطها بالظلام حمراء فاتحة كالدم المهرق للتو .. كانت العيون تحدق في العيون ، وكانت الأوجه تقول كلاماً غامضاً ،ولكنها كانت تزداد شحوباً على شحوبها كلما مر الوقت .. وكان الوقت يمر ثقيلاً كالموت .ـ تقولوا إيش حصل لعلي ؟! نحن بحاجة لأخبار التحركات .قال أحدهم ، وهو يحاول النظر إلى أبعد مسافة في الشارع .. وأضاف :نخاف يكون وقع في يد الجماعة .. أخشى أن ..اسكت !!.قال أحدهم ؛ وهو يحدق في ذخيرة الليلة ،وبعض القنابل اليدوية الليلة عدة العمل جديدة كأنها صنعت لنا خصوصي .جديدة وإلا قديمة .. النتيجة واحدة .. بس فين علي ؟الفأر يلعب في عبي .. هيا نخرج .. علي تأخر لا تقع جبان !! الانجليز أجبن منك !! .بدأت الأصوات تنطلق من هنا ، وهناك دون نظام ..فجأة يقترب عدد من السيارات .... يقترب أكثر ..يطفئ الجميع النور ..الصمت يعود ثانية مختلطاً بالظلمة . . الأعين تحدق بحذر بمن في الخارج .. تقف السيارات أمام المنزل .. ثمة جنود يتقافزون ، وكلمات لا تخطئ الأذن إنجليزيتها .. وتنطلق أصوات مكبرات الصوت :سلموا نفوسكم وإلا نضرب بالنار !!لم يتكلم أحدهم ، ولكنهم عادوا من النوافذ .. ودون أمر جهزوا القنابل ، وبحركة واحدة كان الجواب .. ما عاد الشارع مظلماً .. السكون هرب بعيداً وراء الجبال المحيطة بمدينة عدن .. ثمة سيارات تقبل من كل اتجاه .. أصوات طلقات ، وقنابل تتداخل على إيقاع الموت ، وروائح الدم ..وفجأة صمتت البنادق ، وحل السكون مهيباً.. ولكن المنزل الذي كان شامخاً قبل لحظاتتحول بأنفة من فيه إلى جحيم تطلق شواظهافي كل اتجاه .ـــــــــــــــــــــــــــ18 / 8 / 1993 م