الحبيشي في حوار صريح مع صحيفة ( 26 سبتمبر ) :
[c1]* الرئيس علي عبدالله صالح أطفأ ناراً أشعلها خبر نشرته صحيفة (الوحدة) عندما كنت رئيساً لتحريرها حول فشل اجتماع لجنة الحدود اليمنية السعودية في تعز مطلع التسعينات[/c]في إطار إصداراتها اليومية على طريق الاحتفال بالعيد الوطني السابع عشر للجمهورية اليمنية نشرت صحيفة (26 سبتمبر) في عددها اليومي الذي صدر أمس السبت حوارا صريحا وجريئا مع الزميل أحمد الحبيشي رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير حول حالة الحريات قبل وبعد الوحدة ، ونظرا لأهمية ما جاء في هذا الحوار تعيد ( 14 اكتوبر) نشره تعميما للفائدة :[c1]* من خلال معاصرتكم لماضي التشطير وحاضر الوحدة.. كيف يمكنكم المقارنة بينهما فيما يتعلق بالصحافة وحرية التعبير؟[/c]- المقارنة ستكون بطبيعة الحال لصالح الوحدة التي ارتبط قيامها في الثاني والعشرين من مايو 1990م بالتحول نحو الديمقراطية التعددية حيث أصبح من حق الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والأفراد إصدار الصحف وممارسة حق التعبير عن الآراء والأفكار والبرامج السياسية المتنوعة بحرية تامة، بعيداً عن أي شكل من أشكال الرقابة أو القمع أو الإقصاء.صحيح أنّ الطابع العام للحياة السياسية في عهد التشطير كان يتسم بقدرٍ كبيرٍ من الشمولية بفعل الأطر الدستورية التي كانت تحول دون النشاط العلني للأحزاب السياسية والتيارات الفكرية بدعوى تحريم الحزبية أو الدور القيادي للحزب الواحد، إلا أنّ رياح التغيير في شطري اليمن أسهمت في إيجاد هوامش محدودة لحرية التعبير عبر الصحافة على نحوٍ ما كان موجوداً في الشطر الشمالي من الوطن، حيث تمّ السماح في بداية الثمانينات بإصدار صحيفة "الأمل" اليسارية وصحيفة "الصحوة" الإسلامية وبعض الصحف المستقلة، بالإضافة إلى مجلة "الحكمة" التي كان اتحاد الأدباء والكُتَّاب اليمنيين يصدرها في عدن منذ بداية السبعينات، وكانت تتبنى خطاباً سياسياً وحدوياً مغايراً للخطاب السياسي الرسمي للسلطة في الشطر الجنوبي قبل الوحدة.لكن نطاق الحرية كان محدوداً في عهد التشطير بخلاف الحال في عهد الوحدة الذي شهدَ ولا يزال يشهد زيادةً كبيرةً في عدد الإصدارات الصحفية الحزبية أو المستقلة، واتساعاً هائلاً لمساحة حرية التعبير وتداول المعلومات وتعدد الآراء والأفكار والمواقف.[c1]مقارنة ظالمة* هل نفهم من كلامك أنّ حرية التعبير بعد الوحدة محصورة في الصحافة بشكلٍ أكبر مما كان عليه هامش الحرية في عهد التشطير؟[/c]- صحيح أنّ ثمّة هامشاً محدوداً لحرية التعبير كان موجوداً في مجال الصحافة فقط في عهد التشطير قبل الوحدة، لكن نطاق الحرية أصبح واسعاً بعد الوحدة عبر الصحافة وغيرها من الأوعية والوسائل الديمقراطية.. فالصحافة الحرة لم تُعد مجالاً وحيداً لممارسة حرية التعبير بعد الوحدة، بل أنّ هناك وسائل أخرى لحرية التعبير مثل تنظيم المسيرات الاحتجاجية وعقد المؤتمرات الصحفية العلنية وإصدار البيانات وتنظيم الفعاليات الحزبية، والتنافس في الانتخابات والدعاية الانتخابية وغيرها من الوسائل المشروعة التي يكفلها الدستور باعتبارها مرتكزات أساسية للنظام السياسي الديمقراطي القائم على قواعد التعددية والتداول السلمي للسلطة والانتخاب الحر والمباشر لرئيس الجمهورية والبرلمان والمجالس المحلية بواسطة صناديق الاقتراع من قبل الشعب باعتباره مالك السلطة ومصدرها.بهذا المعنى يمكنني القول بأنّ المقارنة بين حرية الصحافة وحرية التعبير في عهد التشطير وعهد الوحدة ستكون لصالح الوحدة بامتياز.[c1]لا إملاءات فوقية* باعتباركم من صُنَّاع السياسة الإعلامية في البلد قبل الوحدة وبعدها.. في أيٍ من العهدين مارست مسؤوليتك الصحافية دون إملاءات فوقية تجمح طموحاتك وقناعاتك الصحفية؟[/c]- في البدء أود القول بأنني لم أكن أبداً من صُنَّاع السياسة الإعلامية قبل الوحدة أو بعدها، لكن ذلك لا ينفي حقيقةً أنني كنت ولا أزال أحرص على أن يكون حضوري متميزاً وفاعلاً في هذه العملية بصرف النظر عن موقعي الوظيفي أو السياسي.وإذا كان لابد من الحديث عن تجرِبتي الشخصية في عهد التشطير وعهد الوحدة لجهة الموقف من الإملاءات الفوقية، بوسعي القول إنني في عهد الوحدة تمتعت بقدرٍ كبيرٍ من العمل بعيداً عن الإملاءات الفوقية، وتشهد على ذلك تجرِبتي في رئاسة تحرير صحيفة "الوحدة" الرسمية وصحيفة "22 مايو" المؤتمرية حيث كان أدائي في إدارة هاتين الصحيفتين يتسم بحرية أوسع، وهو ما كان يثير غضب البعض في معظم الأحيان، ويحظى بقبول من البعض الآخر في الوقت نفسه.. ولعل ذلك يقدّم دليلاً إضافياً على عدم وجود سلطة مطلقة تقيِّد حرية الإدارة الصحفية في أداء مهامها والتعبير عن رؤيتها المهنية بعيداً عن القوالب الجاهزة والإملاءات الفوقية.[c1]خبر أول مسيرة* متى وجدت نفسك مقدماً على نشر مادة صحافية دون تردد أو خوف من ردود فعلها.. وهل واجهت عقوبة سياسية بسبب رأي صحفي أو لنشر مقال أثناء توليك مسؤولية مؤسسة إعلامية أو صحافية في الزمنين التشطيري والوحدوي؟[/c]- عندما توليت مسؤولية قيادة وكالة أنباء عدن قبل الوحدة في النصف الأخير من الثمانينات، كان الشطر الجنوبي يشهد حراكاً باتجاه التعاطي مع الإصلاحات غير المألوفة التي كانت تنفذها سياسات البرويسترويكا في الاتحاد السوفيتي تحت قيادة غورباتشوف.. وكنت حينها اكتب مقالات في صحيفة 14 أكتوبر تثير الجدل أحياناً والاتهامات القاسية أحياناً أخرى.وحدث ذلك أيضاً عندما قام جهاز منظمة الحزب الاشتراكي في عدن أواخر الثمانينات بتنظيم تكتلات بين أعضاء مجلس الشعب المحلي في عدن لإسقاط المحافظ ناجي عثمان من منصبه، وكرد فعلٍ على ذلك قام حوالي خمسة آلاف من أنصاره بتكتل مضاد، ونظموا أول مسيرة احتجاجية علنية في وسط حي خور مكسر حيث لم يكن ذلك مألوفاً من قبل.. وأمام هذا الحدث قمت وبدون تردد أو خوف بنشر وبث هذا الخبر عبر شبكة الإرسال الداخلي والخارجي لوكالة أنباء عدن، وتداولته بعد دقائق من بثه وكالات أنباء عربية وعالمية نقلاً عن وكالة أنباء عدن، الأمر الذي أثار غضب عدد كبير من القيادات المتنفذة والمتشددة في الحزب والدولة ضدي، واتهامي بنشر أخبار ومعلومات من شأنها الإضرار بأمن وسلامة النظام. [c1]خبر فشل لجنة الحدود اليمنية السعودية* هل حصل شيء من هذا القبيل في عهد الوحدة؟[/c]- أتذكر عندما كنت رئيساً لتحرير صحيفة "الوحدة" نشرت خبراً حول نتائج اجتماعات لجنة الحدود المشتركة بين اليمن والسعودية التي اجتمعت في عام 1992م تقريباً، حيث خرجت هذه اللجنة ببيان بروتوكولي نشرته وسائل الإعلام الرسمية في البلدين الشقيقين.حينها لم اقتنع بمضمون ذلك البيان الذي أشار إلى تقدم في عمل اللجنة، وحرصت من جانبي على البحث عن معلوماتٍ تساعدني على تغطية غير تقليدية لنتائج عمل اللجنة الحدودية المشتركة التي علمت من موقعي بحكم عَلاقاتي كعضو في مجلس النواب، آنذاك أنّها فشلت في تحقيق أي تقدم على الرغم من توجيهات قيادتي البلدين الشقيقين، وكان السبب في فشل اللجنة بحسب المعلومات التي حصلت عليها، يعود إلى الدور السلبي الذي لعبه مستشارا الطرفين وهما مكتب هنري كيسنجر ومكتب جيمس بيكر وكلاهما كانا وزيرين سابقين للخارجية الأمريكية، حيث كان أحدهما مستشاراً قانونياً للجانب السعودي والآخر للجانب اليمني.وجدت نفسي مدفوعاً لتقديم تغطية متميزة لنتائج عمل تلك اللجنة، وقمت بوضع مانشيت رئيسي باللون الأحمر في أعلى الصفحة الأولى بعنوان : " مكتبا بيكر وكيسنجر يفشلان أعمال لجنة الحدود اليمنية السعودية في تعز".بعد نشر هذا الخبر تعرّضت لموجة من الاحتجاجات من قبل بعض الأطراف، لكنني فوجئت في اليوم التالي لنشر الخبر باتصال هاتفي من الأخ فارس السقاف الذي قال لي بأنّه حضر مقيلاً في الرئاسة، ولاحظ أنّ الرئيس علي عبدالله صالح لم يكن غاضباً بل كان مرتاحاً من الصيغة التي تميّزت بها صحيفة "الوحدة" في نشر الخبر.وفي وقتٍ متأخر من المساء اتصل بي الأخ الرئيس شخصياً وأبدى إعجابه بطريقة نشر الخبر وخفف بموقفه هذا عني بعض الضيق .. وعلمت فيما بعد من الأخوين حيدر العطاس ومحمد حيدرة مسدوس أنّ الرئيس لم يتجاوب مع بعض ردود الفعل التي طالب أصحابها بمحاسبتي وإبعادي من رئاسة تحرير صحيفة "الوحدة" بسبب نشر ذلك الخبر.أتذكر أيضاً أنني حين كنت رئيساً لتحرير صحيفة "22 مايو" التي يصدرها المؤتمر الشعبي العام نشرت خبراً مدعوماً بالصور حول تعرض بعض المساجين في شرطة البحث الجنائي بمحافظة ذمار للتعذيب بصورة غير قانونية وغير إنسانية.. وقد أثار نشر الخبر ارتياحاً واسعاً في ذمار سواء في أوساط المواطنين أو بين قيادات وقواعد المؤتمر الشعبي العام وأعضاء الكتلة البرلمانية المؤتمرية من نواب محافظة ذمار، مقابل احتجاج أوساط قيادية في المؤتمر بالعاصمة صنعاء كانت ترى بأنّ نشر الخبر من شأنه أن يخدم الخطاب الإعلامي المُعارض.وبعد نشر الخبر بيومين أرسل الأخ وزير الداخلية رسالةً إلى صحيفة ( 22 مايو)أفاد فيها بأنّه وجه بالتحقيق في صحة ما نشرته الصحيفة حول واقعة التعذيب ومحاسبة الضباط الذين قاموا بذلك العمل غير القانوني.. وقد أبلغني الأخ عبدالوهاب الدرة حين كان محافظاً لذمار والأخ عبدالعزيز جباري عضو مجلس النواب في لقاء جمعني بهما في ذمار بعد فترة من نشر الخبر بأنّ إجراءات المحاسبة شملت تغيير المتورطين بواقعة التعذيب وقد زادني ذلك قناعةً بأنّ الصحافة سواء أكانت رسمية أو حزبية أو مستقلة يجب أن تلعب في ظل الديمقراطية دوراً جديداً يقوم على نشر الحقائق بدون استهداف أو كيدية وبشرط توافر الأدلة والوثائق الدامغة.[c1]نعيق الغربان السوداء* وهل حدث مثل ذلك أثناء توليك المسؤولية في صحيفة 14 أكتوبر؟[/c]- ربما يكون حدث شيء من هذا القبيل أثناء قيام إدارة التحرير بإجازة نشر مقال في صفحة أسبوعية درجت الصحيفة على فتحها للقراء والكُتَّاب منذ يناير 2007م بعنوان "آراء حرة"، كمساهمة في تجسيد مضامين البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية بشأن توسيع مساحة الديمقراطية في الإعلام الرسمي.صحيح إنني بحكم العمل المؤسسي لم أطلع على تلك المقالة إلا بعد نشرها، لكن ذلك لا يعني إنني سأترك غيري يتحمل المسؤولية عن إجازتها ونشرها، فنحن جميعاً في هيئة التحرير شركاء في النجاح والإخفاق.. في الصواب والخطأ.. لكني والحق أقول لم أتعرض لأية محاسبة، ولم تتعرَّض كذلك إدارة التحرير لأي محاسبة بسبب إجازتها نشر ذلك المقال، برغم محاولات الاصطياد في المياه العكرة، من قبل بعض الغربان السوداء التي حاولت النعيق عبر الفاكسات في الوقت الضائع.. علماً بأنّ نشر بعض الآراء المعارضة في الإعلام الرسمي لا يعني الاتفاق معها بل إنني أُعارضها وأُخالفها علناً في كتاباتي .. كما أنّ نشرها يعطي الإعلام الرسمي قوةً ومصداقية باعتباره أحد أدوات العملية الديمقراطية وأحد أوعية حرية التعبير التي يشملها ويحميها قانون الصحافة الذي لا يضمن الحرية فقط للإعلام الحزبي والإعلام المستقل، بل يضمنها لكل الصحفيين وكل الفاعلين في ساحة الصحافة والإعلام الرسمي والحزبي والمستقل على حد سواء .. وهذه وجهة نظري التي قد يختلف البعض معها.. ولهم الحق في أن يروا غير ذلك.. علماً بأنني لم أتعرض لأية عقوبة بسبب نشر بعض الآراء الحرة في هذه الصفحة التي أشرت إليها آنفاً.[c1]عقوبة حزبية ولكن .. !؟[/c]* هناك وقائع تشير إلى أنّكم تعرضتم للعقوبة في زمن التشطير.. ما هي أبرز تلك الوقائع.. وهل بإمكانكم سردها بإيجاز.. ومن هي الشخصية التي أصدرت العقوبة ضدكم أو قامت بردة فعل عنيفة؟- بإيجاز شديد أستطيع القول إنّ طريقة إدارتي لعمل وكالة أنباء عدن وكتاباتي في صحيفة 14 أكتوبر قبل الوحدة كانت تثير غضباً عارماً من قبل بعض مراكز القوى في الحزب والدولة .. وخاصة المقالات التي طالبت فيها - منذ وقتٍ مبكرٍ - بإفساح المجال لتعدد الآراء داخل الحزب حيث كان المحافظون المتشددون يعتبرون هذه المطالبة بأنّها دعوة صريحة لضرب وإضعاف وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية والسياسية التي يؤكد عليها النظام الداخلي للحزب.لقد تعرَّضت بسبب ذلك لعقوبة حزبية وضع لها المحافظون الغاضبون في بادئ الأمر سقفاً عالياً جداً هو الفصل من الحزب، ولم يكن ذلك ممكناً بسبب اعتراض الأخوين سالم صالح محمد الأمين العام المساعد للحزب والأخ حيدر العطاس عضو المكتب السياسي ورئيس الوزراء آنذاك وآخرين من أعضاء المكتب السياسي وسكرتارية اللجنة المركزية وعدم موافقتهم على تمرير العقوبة . وقد سبق للأخ سالم صالح محمد الحديث حول هذه القضية في أكثر من مقابلة صحفية .كان الهدف من رفع سقف العقوبة الحزبية هو أنّ يتم التنازل عنها إلى العقوبة التي تليها بحسب النظام الداخلي، وهي اللوم المسجّل .. وكان ذلك يعني العزل من الوظيفة القيادية التي يشغلها في الدولة أي عضو حزبي يتعرض لعقوبة اللوم المسجّل بحسب ما ينص عليه النظام الداخلي للحزب آنذاك.. بمعنى أن يتم عزلي من موقعي الوظيفي كرئيس لوكالة أنباء عدن.. لكن خلافاً شديداً وحاداً دار أثناء مناقشة تلك العقوبة التي اقترحتها سكرتارية الحزب الاشتراكي اليمني في محافظة عدن آنذاك .. وحين أبلغني الأخ سالم صالح محمد عبر الهاتف بصوت متعب في الرابعة عصراً بعد أن عاد لتوه من الاجتماع إلى منزله بأنّه وآخرون تصدوا للعقوبة الجائرة ونجحوا في تخفيفها إلى اللوم الشفوي الذي لا يتضمن الفصل من الوظيفة الحكومية أجبته ساخراً : مَنْ يلومُ مَنْ؟؟وبعد أسبوع من صدور تلك العقوبة السخيفة كتبت مقالاً في صحيفة "14 أكتوبر" أنتقدت فيه قراراً أصدرته اللجنة المركزية للحزب قضى بإعادة الاعتبار لبعض قيادات الحزب التي تعرَّضت للاضطهاد في بعض مراحل الصراع على السلطة.. وطالبت في ذلك المقال بإعادة الاعتبار أيضاً لقادة جبهة التحرير والتنظيم الشعبي الذين شاركوا في الكفاح الوطني المسلح ضد الاستعمار وعلى رأسهم عبدالقوي مكاوي، وإعادة الاعتبار كذلك إلى بعض قادة الجبهة القومية الذين لم يشملهم قرار رد الاعتبار وعلى رأسهم محمد علي هيثم.. وقد أثار هذا المقال غضباً متجدداً.. وضاعف من هذا الغضب أنّ صحيفة "الثورة" في صنعاء أعادت نشر ذلك المقال كاملاً في الصفحة الأخيرة نقلاً عن صحيفة "14 أكتوبر" بعد يومين من نشره.. وقد فتح إعادة نشر المقال في صنعاء شهية بعض المحافظين المتشددين الذين كنت أصفهم في مقالاتي بحفظة النصوص، حيث سعى هؤلاء لتوجيه اتهامات خطيرة وقاسية ضدي شخصياً، وضد الزميل محمد حسين محمد - رئيس تحرير صحيفة "14 أكتوبر" آنذاك الذي كان يجيز نشر تلك المقالات.. وكانت تلك الاتهامات تكفي لإلحاق أذى خطير بنا لولا وقوف الأخ سعيد صالح سالم - وزير أمن الدولة آنذاك إلى جانبنا حيث رفض بشدة فتح ملف للتحقيق معنا بتهمة وجود أصابع "خارجية" خلف ذلك المقال وغيره من المقالات التي كنت أكتبها وكان الزميل محمد حسين يوافق على نشرها في صحيفة "14 أكتوبر" حين كان رئيساً لتحريرها ، علما بأن الزميل محمد حسين - رحمه الله ـ تم إبعاده من رئاسة تحرير 14 اكتوبر قبل الوحدة بفترة قصيرة على خلفية المقالات التي كانت تنشر في الصحيفة وتثير غضب بعض مراكز القوى في الحزب والدولة . [c1]تهم جاهزة* هل يمكن أن تسمِّي بعض هؤلاء الذين كانوا يوجهون لك تلك الاتهامات وفرضوا عليك تلك العقوبة الحزبية؟[/c]- أرجو أن تعفيني من ذكر أسماء محددة ... ويكفي أنني أشرت إلى أجهزة حزبية بعينها لتدرك ويدرك القراء مِنْ كان يديرها في تلك الفترة.. كما اكتفي بذكر بعض أسماء الذين وقفوا إلى جانبي وهم كثيرون وفي مقدمتهم الأستاذ سالم صالح محمد والمهندس حيدر أبوبكر العطاس والفقيد سعيد صالح سالم.. علماً بأنّ الذين فرضوا عليّ تلك العقوبة السخيفة التي أصبحت وساماً على صدري، ثم حرضوا ضدي بعد ذلك بتهمة وجود أصابع خارجية خلف مقالتي التي نُشرت في صحيفة 14 أكتوبر وأعادت صحيفة " الثورة" في صنعاء نشرها بعد يومين، حاولوا بعد قيام الوحدة أن يلبسوا ثوباً جديداً لم يكن من صنف فكرهم وممارساتهم القمعية، حيث سعوا الى التظاهر بالديمقراطية والانفتاح على الآخرين والقبول بالرأي الآخر المخالف وصولاً إلى المطالبة بتطبيق الإسلام عقيدة وشريعة كحل وحيد للخلاص مما أسموه النفق المظلم الذي وصلت إليه البلاد تحت قيادة الحزب الحاكم بحسب ما جاء على لسان أحدهم في صدر الصفحة الأولى من صحيفة "الثوري" عام 2004م !!!! بينما كان هؤلاء يرفضون تعدد الآراء داخل الحزب ويعارضون الإصلاح السياسي والاقتصادي ويمارسون أقسى أنواع القمع والاضطهاد ليس فقط ضد خصومهم ومعارضيهم خارج الحزب بل وضد رفاقهم الذين يختلفون معهم في داخل الحزب، وخاصة أولئك الذين كانوا سبَّاقين في الدعوة إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي وإشاعة الديمقراطية والقبول بتعدد الآراء.[c1]إنطلاق مارد الحرية* مَنْ مِنْ صُنَّاع القرار تحاشيت المواجهة معه بسبب رأي .. فكنت حريصاً على ألا تتناوله في مواضيعك أو نشر ما ينتقده ولماذا؟.. ماضياً وحاضراً؟[/c]- من المغروف أنني صحفي وكاتب في الوقت نفسه.. بمعنى إنني أتعاطى آراء ومواقف من خلال مقالاتي المنشورة في الصحف أو من خلال أشكال العمل الصحفي المختلفة في المؤسسات الصحفية التي توليت مسؤوليتها في الماضي والحاضر.من الطبيعي ألا يتفق كل الناس مع الآراء والمواقف التي أتبناها خلال عملي سواء في مجال مهنة الصحافة أو مجال الكتابة أو حتى في العمل السياسي.. وربما يكون هناك بعض من صُنَّاع القرار أو النافذين في الدولة والمجتمع لا يتفقون معي بينما قد يتفق معي آخرون من بعض صُنَّاع القرار، لأنّ مراكز صناعة القرار في أي بلدٍ في العالم ليست سبيكة واحدة، بل متنوعة وتتوزع بين مجالات ومصالح ومواقع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية وأمنية مختلفة.. وقد يكون هناك تنوع واختلاف في فهم الأمور والنظر إلى الأحداث والوقائع داخل كل مركز قرار وليس فقط بين مركز وآخر.في تقديري أنّ الصحفي والكاتب الذي يهمه أن يقدّم قراءة أو رؤية متميزة لأي قضية أو مشكلة سيخطئ في هدفه إذا انشغل بتحاشي هذا المركز أو ذاك من مراكز صناعة القرار خوفاً من أن يتعرَّض لردود فعل غاضبة.وعموماً أستطيع القول بأنّ الديمقراطية في بلادنا أطلقت مارد الحرية من قمقمه وأسهمت في ترويض النفوس والعقول حيث أصبح مألوفاً أن يتعايش كثير من صُنَّاع القرار مع الآراء المخالفة.. بل إنني أستطيع الجزم أيضاً بأنّ كثيراً من هؤلاء يهتمون بالآراء المخالفة ويتفحصونها ويتعاطون معها، أكثر من اهتمامهم بالآراء التي يتفقون معها.وأود بهذا الصدد التذكير بأنّ صحيفة “الوحدة” الرسمية تم إيقافها عن الصدور مرتين بين عامي 1991 - 1992م في الفترة الانتقالية بقرار من وزير الإعلام الذي كان عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي مع العلم بأنّ الفترة الانتقالية لم تشهد إيقاف أية صحيفة بحكم قضائي أو بقرارٍ إداري.. وكان قرار إيقاف الصحيفة يعكس عدم موافقة وزير الإعلام آنذاك على ما كانت تنشره الصحيفة بحكم أنّه كان جزءاً من أحد أو بعض مراكز صناعة القرار التي لم يكن يهمني تحاشي غضبها.. وأشهد لله .. وللتاريخ بأنّ الرئيس علي عبدالله صالح هو الذي كان يعود إليه فضل التوجيه بإعادة صدور الصحيفة فوراً في الأسبوع التالي من صدور قرار التوقيف، حيث كان وزير الإعلام آنذاك يهدف من توقيف الصحيفة إلى إطالة أمد التوقيف حتى يتم فتح المجال لطرح مقترح بتغييري وتعيين شخص آخر.وبإمكان كل من يعود إلى أرشيف صحيفة “الوحدة” ومراكز توثيق الصحف والمطبوعات ملاحظة إنني كنت أكتب افتتاحية بعد كل توقيف عن الصدور أُشير فيها إلى أسباب توقف صدور الصحيفة وعودتها، موضحاً أنّ من أصدر قرار توقيفها هو وزير الإعلام الذي كنت أحرص على الإشارة إلى عضويته للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني.. وأنّ من وجّه بعودتها للصدور هو الرئيس علي عبد الله صالح.وكنت أُؤكد في كل مرة بعد كل عددٍ يتم توقيفه على أنّ صحيفة “الوحدة” ستواصل التمسك بنهجها المرسوم لها كمنبر حر للرأي والرأي الآخر ولن تتراجع عن هذا النهج .. وأنا لا أدعي ذلك.. بل هو موثق في أرشيف مجلدات صحيفة “الوحدة” خلال المرحلة الانتقالية التي كنت فيها رئيساً لتحرير صحيفة “الوحدة”.[c1]* يُقال إنّه في ماضي التشطير أدى تعيينك رئيساً لتحرير وكالة أنباء عدن في الشطر الجنوبي سابقاً إلى خلافٍ محتدم بين الأجنحة المتصارعة بين مؤيد ورافض .. هل يمكن أن تحدثنا عن تلك الخلافات؟[/c]- لا أعتقد أنّ خلافات حادة حدثت عند تعييني رئيساً لتحرير وكالة أنباء عدن.. ولكن الخلافات نشأت بعد فترة من تعييني وبسبب أسلوب عملي ورؤيتي وطريقة التفكير والعمل التي كنت ولا زلت أؤمن بها وأمارسها .. وهي طريقة كانت تُغضب البعض وتثير فيهم نوازع عدوانية وقمعية على نحوٍ ما شرحته سابقاً.[c1]لا خوف لدي من دس السم* أي من الصحفيين والكُتَّاب كنت ولا زلت حريصاً على قراءة مواده القراءة الدقيقة خوفاً من أن يكون قد دس لك ما تخشاه .. ما هي مبررات مخاوفك من هذا الصحفي أو ذاك؟ [/c]- من الواضح أنّك تتحدث عني كقارئ لمواد يجب مراجعتها وإجازتها للنشر بحكم عملي كرئيسٍ للتحرير في المؤسسات الصحفية التي توليت مسؤوليتها أو لا زلت أتولى مسؤوليتها.في الواقع أنّ حرية الصحافة حررت كثير من القيادات الصحفية من هموم الرقابة على ما يُنشر، لكن ذلك لا يعني إسقاط هذه المسؤولية نهائياً.. لأننا سنظل بحاجةٍ إلى التحلي بالمسؤولية عند التدقيق في المواد المرشحة للنشر، انطلاقاً من قيم مهنية وضوابط قانونية لابد من الالتزام بها حتى نضمن عدم الوقوع في محظورات النشر التي تضع الكاتب والناشر تحت طائلة القانون.والحال أنّه لا يوجد لديّ خوف مسبق من أن يدس البعض في المواضيع المرشحة للنشر شيئاً أخشاه .. ولكن هناك مع الأسف من يصر على عدم الربط بين الحرية والمسؤولية، فيحرص على الإفراط في ممارسة حرية التعبير بعيداً عن المسؤولية التي تشترط الالتزام بقدرٍ أكبر من الحقيقة والموضوعية والابتعاد عن الكذب والكيدية، وبالمقابل هناك أيضاً كثيرٌ من الفاشلين والفاسدين وأعداء النجاح الذين لا يجيدون غير اقتناص الفرص الخائبة للانتقام والاستهداف الشخصي وتصفية الحسابات الشخصية.وعموماً نحن نتطلع إلى أن يتضمن قانون الصحافة الجديد نصوصاً تعطي لحرية الصحافة مزيداً من الحرية ومزيداً من المسؤولية في آنٍ واحدٍ.. وتسهم في تخليص رؤساء تحرير الصحف من الوضع الحالي الذي يضعهم وحدهم مسؤولين عن كل ما يُنشر في صحفهم حتى وإن تمّ النشر بإجازة من غيرهم بحكم طبيعة العمل المؤسسي والتراتبي في المؤسسات الصحفية والإعلامية.