حانوتي عصر العولمة شعاره (موت وخراب ديار)
القاهرة /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية :الصورة التقليدية “ للحانوتي “ في الأفلام المصرية القديمة بزيه الشعبي الشهير ، ولهفته على العمل والتي استغلها مخرجو السينما بطريقة كوميدية طوال سنوات مضت أصبحت الآن مجرد “فولكلور” لاوجود له على صعيد الواقع الذي استبدل حانوتي زمان بحانوتي عصر العولمة.. فلم يعد مظهر الحانوتي يختلف كثيراً عن مظهر الطبيب أو الوزير أو رجل الأعمال ..فقد أصبح أنيقاً يرتدي ثياباً فخمة ويحوطه عدد من المساعدين ويحمل هاتفاً محمولاً أو أكثر حتي يسهل من عملية استدعائه في أي لحظة .. يفضي فيها علي شخص ما بالموت .. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصبحت مهنة الحانوتي تدار من خلال شركات كبيرة متخصصة في بيزنس الموت .ويمتلك حانوتي اليوم أسطولاً كبيراً من سيارات نقل الموتي وله أيضاً شبكة علاقات واسعة متشعبة في أوساط متعددة لا يربطها أي رابط فهو علي علاقة وطيدة بموظفي وزارة الأوقاف المسئولين عن حجز قاعات المناسبات الملحقة بالمساجد والتي يجري فيها مراسم استقبال العزاء كما يعرف مندوبي الإعلانات في الصحف الكبري لنشر إعلانات نعي الوفيات بها كما تربطه “صلة ما “ بأطباء أشهر مشرحة في مصر وهي مشرحة زينهم “.. حيث يجري تشريح الجثث خاصة إذا ما كان هناك شبهة جنائية في أسباب الوفاة ، هذا فضلاً عن صلات تقليدية تربط الحانوتي بأجهزة الأمن والمباحث وبالطبع مع مفتش الصحة الذين يصدرون تصاريح الدفن بالإضافة إلي المقرئين المحترفين ومحلات الفراشة التي تؤجر السرادقات والمقاعد وغيرها من لوازم العزاء بالإضافة إلي “ الطربية” وعمال المقابر والرخام الذين يقومون بوضع الجثة في مثواها الأخير .[c1]يغسل ويضمن الجنة[/c]ويوظف الحانوتية الجدد كما يقول محمدإسماعيل أحد الحانوتية القدامي هذه الشبكة العريضة من العلاقات المتاحة لهم وخبراتهم اليومية في إستغلال الأمر بشكل تجاري منظم من خلال توسيع دائرة الخدمات التي يقدمونها ..فبدلاً من الاكتفاء بتغسيل الميت وإعداد الكفن الشرعي التي كان يقتصر عليه دور الحانوتي في أيامنا أصبح الأمر يتعدي ذلك ليصبح الحانوتي مسئولاً عن تقديم خدمات متكاملة للميت ، بدءاً من استصدار تصريح الدفن ثم تغسيل الجثة وتكفينها مروراً بإعداد السرادقات ونشر الإعلانات وترتيبات الجنازة وتصويرها بالفيديو إذا اقتضي الأمر ذلك .[c1](2) مليارات سنويا[/c]وتشير إحدي الدراسات الحديثة الصادرة عن المركز القومي للدراسات الاجتماعية أن “ بيزنس الموت “ في مصر أصبح يكلف المصريين أكثر من ملياري جنيه سنوياً بعد أن أصبحت هناك تحولات كثيرة في السلوك الاجتماعي لعدد كبير من المصريين فيحرصون علي إجراء المراسم والطقوس الفخمة بل والمبالغ فيها أحياناً خاصة مع بروز طبقة من الأثرياء الجدد .وقد كانت جنازة الفنان الراحل أحمد زكي وسندريلا الشاشة المصرية سعاد حسني نموذجين أثارا التساؤلات حول بيزنس الوفيات في مصر .وأشارت الدراسة نفسها إلي أن النعي في الصحف أصبح لمجرد التفاخر والتباهي بالعائلة فهو يذكر بما كانت عليه إعلانات زواج أبناء الأسر الأرستقراطية في عهد ملوك ما قبل ثورة يوليو ، ومنذ عشر سنوات علي الأقل باتت إعلانات النعي تحتل مساحات ضخمة في الصحف المصرية لاسيما الأهرام مع ملاحظة خروج بعض هذه الإعلانات عن المألوف في هذا الصدد كأن تنشر صورة المتوفي بحجم صفحة كاملة بالجريدة هذا ما يتكرر بصفة يومية مع تعداد أسماء عائلة المتوفي حتي المقيمين في الخارج بخط عريض مع ذكر مواقعهم ووظائفهم وتبرز أهمية نشر النعي في صحيفة الأهرام كونها الجريدة الأكثر توزيعاً في مصر .ونظراً للمصداقية المطلقة لهذه الجريدة فقد صدرت عدة تعليقات ساخرة يتداولها المصريون يؤكدون فيها أن من لا يظهر نعيه في الأهرام لم يكن في عداد الأموات .. وتتقاضي الجريدة أكثر من 250 ألف جنيه مقابل صفحة النعي أما نشر الصورة فيتكلف 60 دولاراً لكل سم .[c1]موت وخراب ديار [/c]ويقول عبد الرشيد سالم المكلف بشؤون المساجد في وزارة الأوقاف أنه لا تزال العائلات المصرية الكبيرة والثرية تصر علي إجراء مراسم الدفن بنفس الطرق المتبعة منذ عدة قرون بدءاً من استئجار قاعة العزاء للرجال في اليوم الأول ، وتكون عادة تابعة لأحد المساجد ، أما النساء فيتواجدن خلال الأيام الثلاثة الأولي في منزل المتوفي. ويؤكد سالم أن هناك إقبالاً شديداً علي صالتي العزاء في مسجد عمر مكرم بميدان التحرير ، وهناك نحو خمسين صالة تابعة للحكومة أقيمت لهذا الغرض ، إضافة إلي مئات الصالات الخاصة التابعة لجمعيات دينية .. ويبلغ إيجار الصالة بين 700 جنيه إلي 3000 جنيه .أما صالات وقاعات الأحياء الشعبية فلا يتعدي سعرها 300 جنيه هذا بخلاف التجهيزات الأخري مثل السجاد والكؤوس والفناجين الأنيقة وأري أن الأمر قد تحول إلي مأزق ضيق وينطبق عليه المثل القائل موت وخراب ديار .[c1]جنازة كليب [/c]ويقول وليد التلباني مصمم حفلات الزفاف أنه دخل مجال تصوير الفيديو في المواكب الجنائزية نتيجة إصرار بعض الأسر علي تصوير جنائز موتاهم بالفيديو مستعينة بطاقم التصوير والاخراج والمؤثرات الصوتية والضوئية .ويستنكر أحمد البنان سخرية البعض من هذا الاتجاه ، ويتساءل أليس الموت حدثاً كبيراً لا يقل أهمية عن الزواج أو أعياد الميلاد ؟وعن أغرب الطلبات التي تلقاها من زبائنه كانت عندما طلبت منه أم أن يقوم بتحنيط جثة ابنها الشاب الذي توفي قبل عرسه بأيام ، ويضيف: كنت أقدر حزنها ولكني لم أستطع تلبيةرغبتها .