أضواء
الإنسان لا يولد معوّج النفس بل تتشكل نفسيته بحسب التربية والظروف التي يتعرض لها، وإن كانت قابلية البعض واستعدادهم للاعوجاج أكثر ميلاً من غيرها، إلاّ أنه لو هيئت للشخصية بيئة معقولة لتربية سليمة، فإنها ستسهم على الأقل في إبعادها عن شبح الانحراف، حتى وإن لم تصل إلى جعلها ناجحة بالمعنى الاجتماعي المتعارف عليه، المهم ألا تخلق منها مخلوقاً مجرماً، فما طريق بناء الخلق الصالح؟ يبدأ بالمحاكاة والإيحاء، فما يقتبسه الطفل في سنواته الأولى يكون من خلال محاكاته لوالديه أو معلميه وأصدقائه، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإيحاء الذي يتقبله الطفل من الكبار والمحيطين به، وبهاتين الوسيلتين تُكتسب العادات الحسنة والسيئة، ومع العنصر الفطري، وهو حتماً موجود، تبدأ الفروقات الفردية التي تميز فرداً عن الآخر، ومن هنا قد يسهم علم النفس في الإجابة عن السؤال الصعب: لماذا يصبح الإنسان في لحظة ما إرهابياً؟! لا تطرح التساؤلات المتعلقة بأسباب ونتائج الإرهاب وتعين على فهم دوافع العمل الإرهابي إلاّ بعد العمليات الإرهابية بفترة فاصلة لا تتيح الدراسة الموضوعية لمنفذيها في حينها، وبالتالي، فالمسألة تتطلب الكثير من الاقتناع والتعاون الحكومي بمؤسسات الدولة الأمنية، ما يزيد من صعوبة الأمر، ذلك أن تحليل الإرهاب يعني الغوص في أعماق الخلفيات النفسية (تجارب تراكمية حياتية وعلاقات اجتماعية متشابكة) والخصائص النفسية النابعة من أيام الطفولة، وكذا من البيئة الخارجية للإنسان، والعلاقات المتبادلة بين هذه الأشياء مجتمعة، فالإرهاب مرتبط بمجموعة من الناس أو بفرد له هدف أو أهداف يود تحقيقها، تتأثر بالاعتبارات الخاصة ليس بالإنسان فحسب ولكن بالموقف أيضاً، والمنتمية للمكان والظرف التاريخي والوضعية الاجتماعية، أي بالحالة الراهنة ككل، فالحكاية فعلاً معقدة، فما هي الخصائص المشتركة للمنخرطين في الأعمال الإرهابية وتربط السلوك الإجرامي بعلم النفس؟ منها التناقض الوجداني والفكري، والتخبط وعدم وضوح الرؤية أو القدرة على الاستبصار، وكذا الالتصاق بسلوكيات محددة كعدم التعود على النقد والميل نحو الخضوع، غير الاضطراب العاطفي بفعل آثار لتجارب سابقة قد ينتج عنها ميل إلى تدمير الذات داخلياً وخارجياً، فضلاً عن الارتباك في تحديد الهوية، ووجود مراحل شخصية متفاوتة من عدم اليقين لمفاهيم ومعتقدات «قد» تكون نتيجة تحقيق قدر ضئيل من التعليم، كما لا يستثنى الاعتقاد بالسحر والأفكار الشاذة واستيعاب الأسلحة كأدوات للوله والعشق يعقبه الانتماء إلى مجموعات تؤمن بقيم استخدامها.اكتشف الباحثون خلال معاينتهم لمجموعة من الإرهابيين تناقض رؤيتهم للعنف مبدين عدم ارتياحهم لتسميتهم بـ «الإرهابيين»، غير أنهم أقروا بأن غايتهم إنما تصب في إحداث الخوف والتأثير، اللذين كانا أكثر أهمية أحياناً من إظهار ولائهم للقضية، ومنه جاء حرصهم على تطوير أساليبهم، فالأخبار اليومية عادة ما تحوي من الأحداث المشوقة ما قد ينافس الحدث الإرهابي، وربما يطغى عليه ويسرق منه جموع المشاهدين، ولتيقن خطورة المنافسة يلجأ الإرهابيون إلى الابتكار في تنفيذ عملياتهم لفتاً للانتباه كنوع من التعويض الذاتي، فإن سألتهم عن سبب انتهاجهم العنف كوسيلة للتعبير والوصول للأغراض، تجد أن الإرهاب في نظرهم هو الحل الأخير، وهو تعبير طالما شاع في أقوالهم فجعل من الصعب التفرقة بين محاولات تبرير الفعل الإرهابي وبين الرؤية الحقيقية له. [c1]-------------------* كاتبة سعودية [/c]