ناقشتها ندوة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في القاهرة
القاهرة / 14 أكتوبر / غادة إبراهيم :دور الجامعات في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ،كان محوراً للنقاش في الندوة، التي أقامتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بعد أن أصبحت هذه القضية تمثل هاجساً قويا داخل المجتمعات العربية ، خاصة بعد الإعلان عن انتهاكات صارخة لهذه الحقوق في عدد من الدول وكان من الضروري تفعيل وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي نادت بها الأمم المتحدة وجمعيتها العامة وطالبت جميع قطاعات المجتمع بنشر هذه الوثيقة وتعليم محتواها لأن ذلك يمثل جسراً رئيسياً يمكن أن تعبر منه هذه الحقوق لكي تشييد لها موقعاً ثابتاً في شخصية الفرد والمجتمع·تحدث د· يوسف محمد عبيدان عميد كلية الاقتصاد والإدارة السابق بجامعة قطر عن تجربة الجامعة في نشر ثقافة حقوق الإنسان، فقال لقد مرت الحركة العالمية لحقوق الإنسان بمرحلتين أساسيتين مرحلة الفلسفة النظرية وهي التي دأب فيها المؤمنون بحقوق الإنسان والناشطون بهذا المجال علي معادلة تحديد هذه الحقوق عن طريق الحوارات النظرية وإيجاد صياغة لها ضمن لجان مكلفة بذلك استطاعت أن تضع مجموعة من المواثيق، تم من خلالها تحديد الحريات والحقوق الأساسية والأهداف المستوحاة، من تعزيز هذه الحقوق ويمكن تسمية هذه المرحلة بمرحلة تعزيز حقوق الإنسان أو الفلسفة النظرية، التي تم بها صياغة هذه الحقوق في قوالب لها قيمة قانونية ومعنوية إعتادت الدول علي احترامها والمرحلة الثانية وهي التي نمر بها الآن والتي تسمي الفلسفة العملية لحقوق الإنسان أو البيئة التحتية له ، والتي بدأت منذ اتخاذ تدابير للتنفيذ تلزم الحكومات والدول المصدقة عليها باتخاذ إجراءات جدية لتعزيز احترام وحماية الحقوق الواردة فيها وإعطاء هذه الالتزامات صيغة قانونية، مثل العقد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي يتضمن شكلاً من أشكال الرقابة علي التزام الدول بتعدداتها الواردة في عهدين، وهناك ايضا بعض الآليات المنصوص عليها في الاتفاقيات التي تتيح للأفراد تقديم رسائل أوشكاو تتضمن الإدعاء بحدوث انتهاك لحقوقهن المعترف بها وبأن الجهات المسئولة في الدولة لن تنصعهن مثل البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما تضمنت هذه المرحلة بعض الآليات التي تتعامل مع التحذير من تطور انتهاكات حقوق الإنسان والدعوة لاتخاذ إجراءات وقائية لمنع حدوث هذه الانتهاكات وهو ما يطلق عليه الإنذار المبكر، لذا لا شك أن تفعيل حقوق الإنسان لايمكن أن تأتي منفصله عن إدماج مفاهيم لحقوق الإنسان في التعليم بكافة مراحلة بما في ذلك التعليم الجامعي، حيث يمكن إخراج مادة مستقلة للتدريس مفاهيم والمعايير حقوق الإنسان وأهم الاتفاقات ذات الصلة، وخاصة الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية والحقوق الجماعية حتي يخرج الطالب الجامعي ملما بحقوقه وواجباته ومؤمنا بأن الحرية هي ممارسة الحقوق والوقوف عند الحدود·[c1]منظومة القيم[/c]أما د· جميلة الدليمي خبيرة حقوق الإنسان بجامعة محمد الخامس بالمملكة المغربية فقالت: إن الذي يبحث ويتساءل عن دور الجامعة العربية في تعزيز ثقافة حقوق الإنسان ليعكس في الصميم البعد الاستراتيجي للنهوض بحقوق الإنسان باعتبارها ليست تزكير بأعترافات ومقتضيات قانونية بل هي قضية تعزيز وتكريس لثقافة تنعكس علي سلوكيات وممارسات ورؤي وفكر وتندمج في بنية الثقافات المختلفة حتي تصبح جزءا أصيلا منه يمتلكه العقل والوجدان، فإذا حققت مسيرة الإنسانية مكتسبات مهمة في تحصين وحماية حقوق الإنسان عبر العالم، كما تؤشر علي ذلك الاتفاقيات الدولية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة وغيرها من الاتفاقيات الدولية والإقليمية وتعدد آليات الحماية الدولية لتتبع مدي تفعيل الالتزامات الدول وانشغال المنتظم الأمممي بأوضاع خاصة فإن تتبع هذه التحولات الدولية يقتضي تمرس وإلمام حتي تتفاعل معها باختلاف الجهات المعنية الحكومية أو غير الحكومية، أما المتهم والأساس في جهل هذا التحول ينعكس داخل كل مجتمع ويدعم آليات التحول الديمقراطي فيتمثل في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليه، فهذه الثقافة يجب أن تتجاوز معرفة حقوق الإنسان لتصل إلي إدماجها وصهرها في منظومة القيم والممارسات الفردية والجماعية والمؤسساتية، فإذا كان بناء دولة الحق مسلسل يندرج في الزمن، فإن تعزيز المكتسبات بما يضمن ترسيخها وتوسيعها وديمومتها يظل رهينا بتمكين المواطنين عامة والهيئات والمنظمات من الدفاع عن حقوقهن واحترام الضمانات القانونية وتحمل المسئولية في الاحتكام إلي الضوابط التي تشمل الجميع دون تمييز لأحد أو فئة لذلك تكتسب التربية علي حقوق الإنسان أهمية بالغة ومدخلا رئيسياً لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان·[c1]معارف وتصورات[/c]وتقول د· ابتسام الكتبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات: إن تجربة نشر وتدريس حقوق الإنسان في الإمارات لا تقتصر علي تعليم معارف وتصورات حول حقوق الإنسان للمتعلمين بقدر ما يرمي إلي تأسيس القيم التي تربط بتلك الحقوق وهي ليست تربية معرفية بل تربية قيمية فاهتمام هذه التربية بالجانب المعرفي لايعد هدفاً نهائياً من هذه التربية، فهي تتوجه بالأساس إلي قناعات الفرد وسلوكياته ولاتكتفي هذه التربية بحشد الذهن بمعلومات حول الكرامة والحرية والمساواة والاختلاف بل تقوم علي أساس أن من يمارس المتعلم هذه الحقوق وأن يؤمن بها وجدانياً ويعترف بها كحقوق للآخرين ويحترمها كمبادئ ذات قيمة عليا·فالأمر يتعلق بتكوين شخصية للمتعلم تتأسس نظرتها إلي الحياة ووجدانها ومشاعرها علي ما تقتضيه ثقافة حقوق الإنسان من ممارسات وعلاقات بين الأفراد ثم بين الفرد والمجتمع ولعل ذلك ما يسمح باستنتاج أن التربية علي حقوق الإنسان ترمي إلي تكوين المواطن المتشبع بالقيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان القادرة علي ممارستها، سلوكه اليومي من خلال تمسكه بحقوقه واحترامه لحقوق غيره والحرص علي حقوق ومصالح المجتمع بقدر حرصه.