أحمد علي عوضتعتبر قضية الفقر من القضايا الرئيسية التي نالت حظاً وافراً من الاهتمام سواء على الصعيد المحلي الوطني أو في اطار المجتمع الدولي بمؤسساته المدنية ومنظماته وهيئاته في سبيل ايجاد الحلول والمخارج للقضاء عليه او على أقل تقدير الحد منه بعد ما تكشف عن مدى تدهور حياة الكثيرين في جميع اقطار العالم وقوة زحفه وانتشاره بشكل يهدد نوعية الحياة في عصر يتميز بالتقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق وارتفاع مستويات المعيشة ، اضافة إلى الرخاء المادي والازدهار الاقتصادي بوجه عام.ولايزال الفقر حتى اليوم يمثل الهاجس الذي يسيطر على المهتمين بتحسين اوضاع الفقراء وضرورة الوصول إلى تحقيق عالم لايعاني سكانه التشرد والحرمان لعدم توفر المأوى من ناحية وتلبية جميع احتياجاتهم من ناحية اخرى ، وليس ثمة شك في ما يدل على استفحال الاوضاع المتردية كما هو حاصل اليوم في الدول النامية والمتضررة من الكوارث الانسانية والطبيعية.ومن المفارقات العجيبة وجود الفقر في ظل الزيادة المطردة للمجتمعات وارتفاع عدد المدن العملاقة واتضاح ملامح التناقض والتباين في المجتمع الواحد حيث انه في الوقت الذي يموت فيه العديد من البشر جراء التخمة نجد في المقابل طبقات من البشر تعيش تحت ظروف غير ملائمة وفي أماكن وتجمعات تفتقر إلى كل أنواع الخدمات الاجتماعية والانسانية وانعدام المسكن الملائم وكأن النمو الحضري لايصاحبه أي نمو اقتصادي واجتماعي يمكننا الاعتداد به، مما يعني ان المسألة ليست مجرد مشكلة هامشية او محلية يمكن تجاهلها وانما هي ظاهرة عالمية تفرض نفسها بقوة وتنذر بنشوء ازمات اخلاقية واجتماعية وانسانية حيث يعيش الملايين في التجمعات الفقيرة بعيداً تماماً عن سلطة الدولة ويمارسون انشطة يصعب توصيفها او تصنيفها خارجة عن القانون ولجوء افرادها إلى ابتداع وابتكار اساليب غير اعتيادية تكفل لهم العيش واستمرارية وجودهم وبقائهم في الحياة في ظل تخلف علمي وانتشار الاوبئة ـ والامراض والظروف المناخية القاسية وزيادة تراكم الديون وهي في مجملها عوامل مناوئة من شأنها خلق تحديات جديدة تمثل أحد ملامح الانفلات وعدم الاتزان.وليس ثمة شك في ان هناك جهوداً كثيرة تبذل لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة كالمنظمات الدولية والدول ذاتها التي بدأت تشعر بفداحة الظاهرة وتأثيراتها السلبية في الاوضاع العامة في المجتمعات الداخلية والنظام العالمي ككل ،ومع هذا فانه يخشى من ان الجهود الضخمة لاتستطيع ان تحقق النتائج المرجوة منها واغلب الظن انها لن تفلح في القضاء التام عليها في المستقبل أو حتى الحد من انتشالها وكل ما تؤهله المنظمات والهيئات والدول ان ترقى بأساليب الحياة إلى مستوى مقبول لايتعارض البتة مع المستوى العام السائد في المجتمعات الاخرى داخل الدولة ، مما يجعل من العسير جداً ايجاد الحلول الفعالة للتغلب على المشكلة لدرجة ان هناك من الباحثين والخبراء من يعتبر وجود الفقر احد المظاهر الاساسية المميزة للحضارة المعاصرة التي تدخل بالضرورة في تعريفه .بيد ان هناك بعض الاختلافات المهمة التي سوف تميز حالات الفقر في السابق عما عليه الوضع الراهن مما قد تزيد بالتالي من صعوبة التحكم في تقييدها ومحاصرتها بما يمثله من بؤر تخلف وتدهور ومعاناة الدول من انفجاره في مقابل الانكماش المنتظر للاعمال والانشطة الخيرية حيث ان التحدي الحقيقي الذي سيواجه المجتمع الدولي واسره الآن يتمثل في عجزه عن القضاء على الظاهرة برمتها التي اصبح وجودها واستفحالها امراً مفروضاً ومسلماً به وفي ورفع مستوى حياة الفقراء النوعية في المستقبل تحت ظل اوضاع تتميز بظروف غاية في القسوة قد لاتسمح بتوفير فرص العمل التي تساعدهم ولو في حدود معينة على التغلب على مساوى توليدها وتكاثرها وانتشارها مع الاخذ بعين الاعتبار ان تحسين اوضاعه سوف يكون له مردود اجتماعي واقتصادي ايجابي مباشر على الوطن وتوافر ظروف اكثر ملائمة للحياة الامنة الخاضعة لسلطة الدولة وحكم القانون المتعلق بتحسين اوضاع الشرائح الفقيرة والمعدمة وايواء الاعداد الهائلة المتزايدة من شأنه ان يساعد على تحويل الفئات المستهدفة من حالة الاعتماد على المساعدات المالية والعينية إلى فئات عاملة ومنتجة في ظل الطموح في الاداء والرؤية الصحيحة في التخطيط المؤدية إلى تنويع نماذج حريصة على انجاز كل ما يتعلق بها وبالطبقات الفقيرة الاخرى.وللقضاء على ظاهرة الفقر ثمة فريق من المهتمين بشؤون التنمية البشرية والاجتماعية يرون ان الكثير من الفقراء يضطرون للعيش في ظروف صعبة وقاسية نظراً لانعدام البديل الصالح حيث انهم لو اتيحت لهم الفرصة لتغير اوضاعهم فلن يترددوا في اغتنامها كحق من حقوقهم التي طال حرمانهم منها وليس ثمة شك في ان هذا الانطباع هو مادفع الدولة إلى بذل المحاولات المتكررة واخذ المشكلة على محمل الجد بالتعاون مع المنظمات والهيئات التي تضع برامج خاصة وطموحة وعقدت المؤتمرات وقامت باعداد الدراسات والبحوث ورسم الخطط التي ناقشت جميعها اصل منشأ الظاهرة وبذل المساعي الهادفة إلى تحقيق رغباتهم في العيش بأمان وصولاً إلى التخلص الكامل من جميع مظاهر الظاهرة لكن يبدو ان كل تلك الحملات الايجابية المتعاطفة في حل المشكلة حلاً جذرياً لاتكفي في بلدنا للاجهاز عليها بما يؤدي إلى اختفاء الازمة ويجسد الحلم المنشود والامل المرتقب على ارض الواقع التي تحكى عن امكانية الوصول إلى نهاية طيبة ومأمولة تعكس مدى التفاؤل الناجم عن الاكتفاء بمعالجات تنطلق من منظور مادي واقتصادي المتزامنة بالالتفات إلى فهم الطبيعة البشرية من دون اغفال الابعاد الثقافية التي تلعب دوراً مهماً في اصل القضية ومقاومتها لجهود الخطط والمشروعات التي ترمي إلى ا زالة الظاهرة من جذورها وتغيير انماط الحياة المألوفة فيها واحلال اساليب مثمرة وناجعة تسهم في تطوير سلوكيات الفقراء ونظرتهم الخاصة للحياة وللمجتمع ككل وتصرفاتهم وافعالهم وعلاقاتهم ببعضهم وبالاخرين وبالبيئة المحيطة بهم .
الجهود الدولية في مكافحة مظاهر الفقر في العالم
أخبار متعلقة