مع الأحداث
لا يمكن لأي مراقب ومتابع لما يحصل في بيروت هذه الأيام إلا ويخرج بنتيجة مؤداها أن حزب الله ومعه حركة أمل الشيعيتين قد اقترفتا خطأ فادحاً في تعاملهما المنفعل وغير المدروس - كما يقول البعض - تجاه الحكومة اللبنانية، وأنا هنا لا يهمني إذا كان قرار فصل رئيس جهاز أمن مطار بيروت والقرار الآخر بشأن شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله صحيحين أم لا، بقدر ما يهمني في المحصلة (الورطة) التي تورط فيها الحزب والحركة على المستوى السياسي. النتيجة التي تؤكدها تداعيات الأحداث تقول إن أهم ما غنمته الموالاة كان سقوط (شرعية) سلاح المقاومة، والتي هي ورقة حزب الله الأهم والأقوى، بعدما توجهت بندقية المقاومة، ولأسباب محض (إيرانية)، إلى الإنسان اللبناني بدلاً من الإسرائيلي، وكاد هذا السلاح أن يشعل الحرب الأهلية لولا حسن تعامل قائد الجيش العماد ميشيل سليمان مع الأزمة، الأمر الذي جعل سليمان الرابح الأكبر من الأحداث الأخيرة، وظهر وكأنه الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب الذي كان أيضاً يقود الجيش قبل تسلمه الرئاسة، وأنقذ لبنان من أزمة 1952 الدستورية، وأزمة 1958 الدامية وتجاذبات أطرافها، بعد أن أوقف الجيش على (الحياد) بين أطراف الصراع، وهو ذات الموقف الذي يمارسه الآن ميشيل سليمان بشكل يكاد أن يكون متطابقاً. كانت ردة فعل حزب الله وحركة أمل تجاه القرارين مندفعة، ومنفعلة، وسريعة، وغير متدرجة، ولم يتم التهيئة لها بروية كما يجب أن تكون التهيئة لمثل هذه القرارات الخطيرة، لذلك كان من الطبيعي أن تفضي عملية التصعيد المسلح في المحصلة إلى ما أفضت إليه من خسائر سياسية للحزب والحركة، فهل هي غلطة الشاطر أم أن هناك خلفيات واعتبارات وتداخلات جعلت الحزب ومعه الحركة يضطران إلى اتخاذ هذه الخطوة؟ في تقديري لابد وأن تكون هناك خلفيات وحسابات وربما (تعليمات) اضطرت حزب الله ومعه حركة أمل لاتخاذ مثل هذه الخطوة ولا يمكن أن تكون مجرد غلطة، فالفرقاء السياسيون في لبنان ومنهم حزب الله وأمل لديهم تجارب كافية وتاريخ طويل في التعامل مع الشؤون السياسية، الأمر الذي يجعلنا نذهب إلى أن خطوة تصعيدية بهذا الشكل لا يمكن أن تكون رعونة سياسية، ولكنها (ربما) كانت أفضل الخيارات السيئة لمن يعرف خلفيات الأمور. وبالطبع فإن حساب الأرباح والخسائر يختلف حسب تباين الأجندتين الوطنية اللبنانية والأجندة السياسية الإيرانية، فقد يكون حزب الله (اللبناني) خاسراً بوضوح كما هو الوضع الآن، غير أن الرابح هم الإيرانيون حسب متطلبات الوضع السياسي الإقليمي للسياسة الإيرانية. كذلك فإن أكبر الخاسرين في أحداث لبنان الأخيرة هو بالتأكيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله كان العرب، وبالذات الديماغوجيون منهم، يرون في شخصية نصر الله، وقدرته المتفوقة على الخطابة، والكاريزما التي تكتنف حضوره السياسي، بطلاً كانوا ينتظرونه منذ أمد بعيد، تخطى كثير من العرب العوائق الطائفية، وأنصتوا لخطبه، وصفقوا له طويلاً، والنتيجة ها هو نصر الله يظهر على حقيقته، مجرد كائن (طائفي) متعصب يدين بالطاعة المطلقة لسيده الولي الفقيه في طهران. * عن / صحيفة (الجزيرة) السعودية