نادرة عبدالقدوسهذا الجسد المسجّى أمامنا.. كان بالأمس بيننا نابضاً بالحياة محباً للعمل متفانياً من اجل الآخرين..يراعه كان مشرعاً للكتابة عن هموم ومعاناة الكتاب والفنانين والادباء..كان يؤلمه إنكسار فنان أواديب..وكان يتابع اخبار الفن والفنانين على مستوى اليمن وخارجه ويأتينا بالخبر اليقين قبل قيام ثورة المعلومات وعصر الكمبيوتر والانترنت.. واتحفتنا كتاباته الفنية وتناوله الصادق لهموم الفن والفنانين في اليمن..وامتعتنا كثيراً برامجه التلفازية التقييمية عن السينما العربية والاجنبية..كان ملماً بكل مايتعلق بقضايا السينما والمسرح والفن عموماً..مقيماً بإدراك تام وحنكة مبهرة تاريخ السينما العربية رغم انه لم يدرس النقد المسرحي أو السينمائي..ضارباً المثل في اهمية الاطلاع والتثقيف الذاتي للإنسان.. ومامن أحد حتى اليوم استطاع ان ينافسه في هذا المجال..واليوم غادرنا هذا الصحفي المبدع والناقد الفني والفنان المسرحي والتلفزيوني شكيب عوض وهو في قمة عطائه الإبداعي وفي قمة نشاطه وحيويته فكان يخيل لمن يراه في ذلك النشاط وكأنما سني الكهولة لم تداهمه بعد.رحمة الله عليك أيها الاعلامي الشامل صاحب اليراع الصادق والعفوي.. وصاحب الذاكرة القوية التي لم تنهزم إلاّ تحت وطأة المرض الذي داهمك على حين غرة وانت في عز إبداعك وفي قمة نجاحك..كم ابهرتنا بنشاطك وبتميزك عن باقي الزملاء في كتاباتك واهتماماتك بالفن والفنانين..كنت ملماً بصغائر الأمور.. وكما قال الأخ/احمد محمد الحبيشي رئيس تحرير صحيفة14 أكتوبر، كنت ارشيفاً متحركاً..افتقدناه اليوم.. فما كنت تمتلك من معلومات عن تاريخ السينما اليمنية والعربية ربما لايملكها إرشيف صحيفتنا أو أية صحيفة يمنية في بلادنا.. كانت الإجابات عندك جاهزة لأي سؤال في الفن والفنون بشكل عام.. كنت مدهشاً يافقيد الصحافة الفنية والفن السينمائي والمسرحي..كنا نترقب برامجك الاسبوعية التي تبث من تلفزيون عدن الخاصة بالسينما العربية والاجنبية.. وننظر بلهفة وشوق ذلك الاسلوب الرائع في تقديم الفيلم قبل عرضه علينا وبذلك التقييم السلس والبسيط بمفرداته ليفهمه المشاهد المتلقي، بمختلف المستويات التعليمية والثقافية..كان ذلك في أواسط السبعينات واستمرت هذه البرامج حتى نهاية الثمانينات مارة بمراحل من التوقف.. ولكنها كانت من البرامج الناجحة المطلوبة من قبل المشاهدين..أما اللقاءات الفنية التي كانت تبث من تلفزيون عدن أيضاً والتي كان يعدها ويقدمها فقيدنا بحرص شديد وبتقنية عالية وبإختيار ذكي للفنانين اليمنيين الكبار الذين أثروا الساحة الفنية والطربية بإبداعاتهم التي لازالت تعيش حتى اليوم في وجداننا ووجدان الاجيال المتعاقبة.. فكانت ايضاً من البرامج التلفزيونية التي كان ينتظرها الكبار في السن من المشاهدين لأنها تذكرهم بزمن الفن الجميل والحس المرهف والحب الصادق.. وكذلك كانت البرامج الإذاعية المسموعة الخاصة به.شكيب ياأستاذي وزميلي العزيز ماذا أقول في رثائك الذي لاأرثي أحداً ولاأحب كتابة المرثيات.. لكني وجدت قلمي يأبى إلاّ أن يسجل كلمات صادقة في حقك..وهي قد سجلتها وانت بين ظهرانينا ودائماً كنت أقول لك شاكرة لك فضلك بعد الله سبحانه وتعالى وقوفك إلى جانبي مسانداً لي في بلاط صاحبة الجلالة منذ اليوم الاول وأنا على اعتابها.. حين قدمت لي مقترحاً بإجراء استطلاع صحفي عن المرأة العاملة في بلادنا الذي استمر ينشر على حلقات عدة.. كان ذلك عام 1974م ..وكان معك يومها فقيدنا عبدالله شرف ..كانت تلك بدايتي الأولى في صحيفتنا ومدرستنا وبيتنا الثاني 14أكتوبر.. وتعلمت منك كيفية استقاء المعلومات الدقيقة والصادقة وعدم التسرع في النشر.. واتذكر تماماً كيف صرخت في وجهي غاضباً حين نشرت خبر وفاة الفنان فريد الاطرش في صفحتك "ثقافة" دون علمك.. كنت اعتقدت بأنني أنافس استاذي بالسبق الصحفي.. وكان غضبك بسبب خطأ في ترتيب أبيات أغنيتين ""عدت يايوم مولدي" ..تعلمت حينها ان الخطأ في المعلومة جريمة لاتغتفر يرتكبها الصحفي..ومن المفارقات العجيبة ان تكون انت استاذي في الصحيفة.. وفي المدرسة مربية قديرة إسمها"أمون باسودان" كانت معلمتي للغة العربية.. فأي مصادفة هذه؟ وقدعلمت بعدها بفترة وجيزة انكماإقترنتما لصنع حياة زوجية وأسرية اضحت من الأسر المثالية يسودها الحب والوفاء..وكانت معلمتي من المعلمات الأثيرات اللاتي كنت أكن لهن كل حب وتقدير، لأنها كانت صاحبة فضل عليّ في حب اللغة العربية وقراءة الشعر وكتب الأدب..نم ياعزيزنا شكيب قرير العين.. فأنت باقٍ فينا.. نحن تلاميذك وزملاؤك.. وسنظل ما حيينا نمضي في مهنة المتاعب التي اتعبت قلبك الطيب.. أوفياء لك.. وإن كنت على فراش المرض وحيداً ومضيت وحيداً..ستظل ذكراك حية لن تموت..
شكيب عوض الاستاذ الصحفي والارشيف المتحرك الذي لن ننساه
أخبار متعلقة