صباح الخير
في هذا اليوم الأول من محرم.. نبدأ عاماً هجرياً جديداً.. هو العام 1429هـ.. حسب التقويم الذي وضعه أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب عليه وعلى صحابة رسول الله أجمعين أفضل الصلاة وأزكى التسليم.. وهو التاريخ الذي بدأ به التقويم الهجري.. لذكرى الهجرة النبوية الشريفة.وعلى ذكر الهجرات.. فإن المعروف أن الهجرات في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث.. اثنتان إلى الحبشة, وثالثة إلى المدينة المنورة «يثرب سابقاً» وهي الهجرة الكبرى التي شكلت تحولاً كاملاً في تاريخ الدعوة الإسلامية, ومنطلقاً ضخماً لعهد جديد.. وزمن جديد.. تحول فيه الناس بحق من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. ومن ظلم الجاهلية إلى عدالة الإسلام المشرقة شمسه على أرض الجزيرة العربية.. ومن ضيق الدنيا إلى رحاب الآخرة.هذه الهجرة تمت في تاريخ غير متفق بشأنه اتفاقاً كاملاً.. لكنها حسب ما تعارف عليه الناس في كثير من بلدان الإسلام قد تمت في الثاني عشر من ربيع الأول.. أما العلم اليقين بشأنها فهو عند الله.. خصوصاً أن المسلمين في ذلك الزمان لم يكونوا يأبهون بمثل هذه الأشياء قدر حرصهم على نشر دينهم, وصد العدوان المتوالي عليهم.. وهم القلة في قلب الجزيرة.. المهددون بالتصفية.. ليس فقط من قوى الوثنية ومن يهود الجزيرة.. بل ومن القوى الكبرى في ذلك الزمان الوثنية الفارسية والسماوية الرومانية وأعوانهم في المنطقة وحولها.ويحق لهذا الحدث أن يسجل على صفحات القلوب.. وأياً كان التاريخ الدقيق لهذا الحدث أو ذاك.. فيكفي ما تم فيها من إجتراح الملاحم.. ودحض المزاعم.. وإلحاق الهزائم بقوى الظلام الجاثم.. وعقائد الأوهام.. والأباطيل والأساطير التي استبدت بعقول الناس واستعبدتهم ظلماً وجوراً وباطلاً.لقد شكلت الهجرة ثورة إنسانية عقائدية عالمية كبرى.. وشكل صمودها في وجه الكفر والوثنية آية من آيات الله.. أما انتصارها على ذلك الزمن المظلم الحائر بجبروته العسكري وحده وحديده.. وقضه وقضيضه.. ملحمة أعيت عقول العلماء وحيرت الحكماء.. ودفعت الناس إلى نور الله على أجنحة المحبة والعدل.. فدخل الناس في دين الله أفواجاً.. من كل جنس ولون.ويكفي دليلاً على ذلك محبة الشعوب غير العربية لله ورسوله.. وإجلال أهل النهي منهم لمن حملوا لواء هذه الرسالة وأوصلوها إليهم, فلم يكن السيف سوى حام للخير ولم يكن الرجال سوى مبلغين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, خصوصاً إذا علمنا أن لا سلطان للسيف على القلب, وأن لا سلطان على القلوب إلا لعلام الغيوب.وبقى علينا وحتى اليوم.. بعد انتهاء عصر الهجرة, ورسوخ أقدام الإسلام بين الأنام.. رغم كل ما يقال.. وما يشن من حروب.. أن نعلم معنى قول ربنا «إن تنصروا الله ينصركم.. ويثبت أقدامكم» وأن نهجر كل فاسد في حياتنا.. مفسدي لآخرتنا.. فهذا هو الجهاد الأكبر.. والسبيل الأمضى للوصول إلى الحياة السعيدة في مجتمع الإخاء والمحبة والألفة والتكافل والرحمة.. ولتكن بدايتنا في هذا اليوم الأول من محرم.. لهجر كل محرم.. وسلوك الطريق الأسلم.. وصلوا في الختام على خير الأنام.