من دراسة عن السياسة السكانية ومستقبل الشباب صادر عن إدارة السياسات السكانية (جامعة الدول العربية)
سعت هذه الدراسة إلى بلورة مجموعة من المبادئ والاستراتيجيات الموجهة نحو تحقيق تمكين الشباب من خلال التعليم. وهي في الوقت نفسه محاولة لتجسيد تطلعات الشباب العربي والشعوب العربية في استثمار قدرات الأفراد والمواطنين كافة وذلك من خلال تشخيص الواقع بتحدياته وفرصه للوصول إلى الى خطط تعليمية مقترحة لمواجهة التحديات وتوظيف الفرص.وتتكون الدراسة من ثلاثة أقسام رئيسة:- الأول: خلفية تمهيدية عن المفاهيم الأساسية للدراسة..- الثاني: عرض واقع تعليم الشباب لاستطلاع ما تحقق من إنجازات، والكشف عن أهم التحديات المطروحة أمام تعليم الشباب لتمكينه.- الثالث: عرض بعض مبادئ واستراتيجيات التعليم لتحقيق تمكين الشباب.[c1]أولاً خلفية تمهيدية عن معاني المفاهيم الأساسية1- مفهوم الشباب[/c]يعرف الشباب من خلال معيارين: الأول : الذي يعتمد على متغير العمر باعتبار الشباب فترة زمنية تبدأ من الخامسة عشرة حتى الرابعة والعشرين من العمر، أي الفترة التي يكتمل فيها النمو الجسمي والعقلي. وهذا المفهوم يستخدم إطاراً بيولوجياً يعتمد على فكرة النضج الجسمي والعقلي. والآخر: الذي يقول بأن الشباب يمثل حقيقة اجتماعية أكثر منها ظاهرة بيولوجية. ويأخذ هذا الاتجاه بمعيار النضج والتكامل الاجتماعي للشخصية ، ويتجه الى تحديد مجموعة من الخصائص التي تطبق كمقياس على أفراد المجتمع بحيث نستطيع أن نميز الشباب عن غيرهم من الفئات بغض النظر عن المرحلة العمرية.وقد اعتمدنا على المعيارين السابقين في آن واحد، فالشباب هم فئة عمرية في المجتمع ، تتسم بعدد من الصفات والقدرات الاجتماعية والنفسية المتميزة، وتختلف بداية هذه الفئة العمرية ونهايتها باختلاف الأوضاع الاجتماعيةوالاقتصادية والثقافية السائدة في المجتمع. وليست مرحلة الشباب مرحلة منفصلة عن بقية مراحل العمر وخاصة مرحلة الطفولة والمراهقة، وإنما هي امتداد لهذه المرحلة الأخيرة بالذات. وهنا تبرز أهمية العناية بمرحلة الطفولة من أجل الانتقال السلس إلى مرحلة الشباب.2- الشباب فئة غير متجانسةعلى الرغم من الصفات والقدرات المتشابهة للشباب إلا أنهم لا يشكلون فئة متجانسة، بل فئات عدة تتفاوت فيما بينها تبايناً شديداً من حيث فرص الحياة المتاحة لكل منها . فهناك شباب الصفوة، والطبقات الوسطى، والطبقات الأقل حظاً من مهمشي الحضر أو شباب الريف، والبادية، الذين تتباين فرص اندماجهم في الأنشطة الاقتصادية والسياسية الدولية التي صاحبت تحولات العولمة والمرتبطة بمستويات هذا التباين. وعلى المستوى العالمي يتمايز الشباب بين شباب يشارك بقوة في ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ويحظى بفرص الحياة الاجتماعية الرغدة، تفتح أمامه أبواب ابمشاركة في التعليم وفي الخدمات الاجتماعية الأخرى، وشباب العالم الثالث المنقسم هو الآخر بين مجموعات تحظى بفرص الحياة المتاحة لشباب العالم المتقدم، ومجموعات واسعة محرومة من فرص إشباع أبسط احتياجاتها الأساسية.لذا فإن المعنى الوحيد للسياسة الشبابية - محلياً أو عالمياً - يتمثل في إعمال مبدأ "التحيز الإيجابي" للفئات الفقيرة والمهمشة في جميع المجتمعات، وفي العالم الثالث على وجه الخصوص، وتمكينها من تحقيق المهمات الأساسية للشباب، بالانتقال الى مرحلة الاستقلال الذاتي وعدم الاعتماد على الآخرين اجتماعياً واقتصاديا، وبناء الثقة في المجتمع ومؤسساته بتهيئة خيارات أوسع أمامهم في مجال التعليم والعمل والثقافة والمشاركة الحقيقية في بناء المجتمع.[c1]3- معنى تمكين الشباب[/c]عرفت الأدبيات العربية والعالمية مفهوم التمكي وربطته بمفاهيم تحقيق الذات، وتوسيع الخيارات، وإتاحة فرص الوعي أمام الفئات الاجتماعية الضعيفة مثل المرأة والشباب والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة ولخصت مفهوم التمكين في كونه عملية يحصل في سياقها أعضاء المجتمع المحرومون من القوة أو الأقل قوة، على فرص أوسع للحصول على مصادر معرفية ومادية تمكنهم من مقاومة التمييز الاجتماعي وثقافة الخضوع والسعي لتغيير التنظيمات والمؤسسات الضاغطة التي تدعم التفاوت الاجتماعي وتعمل على ترسيخها.4- برنامج الأمم المتحدةلتمكين الشبابفي عام 1995، وبمناسبة الاحتفال العاشر بعام الشباب العالمي، تم الاتفاق على أن تجرى جهود وأنشطة الأمم المتحدة في سياق ثقافة شبابية عالمية جديدة تجسدت في "برنامج العمل العالمي من أجل الشباب لعام 2000م وما بعده" والذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة ويهدف البرنامج الى تمكي الشباب ودعم مشاركته في عمليات صنع القرار على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، من أجل تفعيل دوره في التنمية الوطنية وفي التعاون الدولي. كما ينطوي على موجهات وإرشادات لتصميم برامج العمل الوطنية المتصلة بالشباب، وآليات متابعة وتقويم نتائج هذه السياسات . ويشير صراحة إلى أن الأهداف الشاملة للسياسة الشبابية العالمية تتجسد في تحقيق السلام والتنمية والمشاركة.وقد تم تحديد أولويات العمل مع الشباب في البرنامج العالمي من أجل الشباب في المجالات التالية: التعليم، التوظيف، الجوع، الفقر، الصحة ، البيئة، سوء استخدام العقاقير، جنوح الأحداث، الفراغ، الفتيات والنساء الصغيرات، ومشاركة الشباب في عملية اتخاذ القرار، العولمة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) ومنع الصراعات والعلاقات بين الأجيال (United Nations, 2004).[c1]ثانياً: واقع تعليم الشباب في الوطن العربي وتحدياته[/c]من الممكن فهم وتحليل واقع تعليم الشباب في الوطن العربي من خلال ثلاثة محاور رئيسة ترتبط بتمكين الشباب من الناحية التعليمية:1- فرص تعليم الشباب العربي: ما هو واقع التقدم الذي أحرزته المجتمعات العربية نحو توفير فرص التعليم اللازمة لتمكين الشباب؟الفرص التعليمية التاحة في مرحلة التعليم الابتدائييقع التعليم الابتدائي ضمن أولوية البلدان العربية التي تبنت جميعها برنامج تعميم التعليم الابتدائي قبل عام 2015م الذي أطلق واعتمد في داكار عام 2000م. ولقد أحرزت الدول العربية تقدماً مطرداً في مجال التحاق أعداد أكبر من الأطفال بالمدارس، إلا أن هذا التقدم لايزال بطيئاً لدرجة قد لا تتيح إمكانية تعميم التعليم الابتدائي في جميع الدول العربية بحلول عام 2015م، فقد بلغ معدل الالتحاق الصافي للأطفال الجدد بالتعليم الابتدائي في عام 1999م وفقاً لتقديرات منظمة ليونسكو (79) بانخفاض قيمته عشرون نقطة نسبة مئوية عما حققته الدول المتقدمة، وثلاث نقاط نسبة مئوية عن الدول النامية.ما يعني أن هناك أعداداً هائلة من الأطفال والملزمين ليس لهم أماكن بالمدرسة وتتراوح نسبتهم بين (ثلث) و(خمس) الأطفال في سن المدرسة الابتدائي، إما لأنهم لم يتقدموا للالتحاق، أو لأنه ليس لديهم أماكن لاستيعابهم. وليس ثمة شك في أن معدل التسرب الذي تبلغ نسبته حوالي 7 في الدول العربية يعد عاملاً خطيراً من عوامل ارتفاع نسبة الأمية بين شباب الغد، هذا فضلاً عن نسبة الرسوب التي تبلغ هي الأخرى (7) من جملة المقيدين، وربما كان ذلك أيضاً من عوامل التسرب من المدرسة الابتدائية.ومن ثم فإن أنظمة التعليم العربية الرسمية عجزت - بدرجات متفاوتة - عن توفير فرص الالتحاق بالتعليم الابتدائي لكافة المواطنين والشرائح الاجتماعية المتباينة. وهنا يظهر على الفور التحدي الذي يواجه التعليم العربي والمجتمعات العربية في تعميم التعليم الابتدائي، ويفرض عليها ضرورة أن يحتل خلال العشر سنوات القادمة الأولوية من ناحية النمو الكمي، هذا فضلاً عن التطوير الكيفي العام للتعليم.[c1]الأمية في صفوف الشباب[/c]حققت معظم المجتمعات العربية تحسناً ملموساً في مجال محو الأمية وتخفيض معدلات الأمية للنساء. ومع ذلك ظلت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة منخفضة نسبياً في عديد من الدول العربية، وخاصة بين الفقراء والمحرومين من الشباب . فلم يتجاوز متوسط الانخفاض السنوي بين عامي 1990- 2000م (1%) من جملة الأميين خلال تلك الفترة. كما بلغت معدلات الأمية بين الإناث في هذه الفئة العمرية حوالي ضعف عدد السكان الذكور في الفئة العمرية نفسها. فالأمية بين الذكور بلغت في المتوسط (36.2%) بينما بلغ المتوسط الإقليمي للإناث (64.2%).أما بالنسبة للشباب بين سن 15-24 عاماً فإن أهم التحديات التي تواجه تمكين هذه الفئة في الوطن العربي هي حجم الأميين بينها، والذين قدر عددهم عام 0002 بحوالي (191.31) مليون من الأميين والأميات بنسبة قدرها (33.5%) من مجمل أعداد الشباب العربي. ومعظم هؤلاء من لنساء (64.2%) ومن القطاعات التقليدية والريفية والأحياء الفقيرة في المدن.التعليم الثانوي للشباب العربي[/c]التحق أكثر من (22.5) مليون طالب بالتعليم الثانوي خلال العام الدراسي 1999-2000م أي ما يقارب 60 فقط من الشباب ممن هم في العمر الرسمي المحدد لهذه المرحلة التعليمية وشكلت الفتيات (47) من هذا العدد، أي أقل بقليل من (10.6) مليون طالبة. ويقل معدل القيد الإجمالي للفتيات عن معدل البنين بما قيمته (5) نقاط نسبة مئوية. ومن منظور تمكين الشباب، فإن هذه المؤشرات تعكس تدنياً شديداً في فرص التعليم الثانوي المتاحة أمام الشباب، إذ يعجز عن الحصول على هذه الفرصة (40) أو ربما أكثر من الطلاب في سن هذه المرحلة. وليس من المعقول تمكين الشباب لتحمل أعباء المستقبل الشخصية والاجتماعية بتعليم ينتهي بالنسبة لفريق كبير منهم عند المرحلة الابتدائية أو المتوسطة (الإعدادية) باعتبارها نهاية التعليم الأساسي.وتتفاوت معدلات الالتحاق الإجمالية بالتعليم الثانوي بين الدول العربية، ويصل التفاوت بين أقل معدلات القيد الإجمالي (جيبوتي أقل من 15%) وأعلاها (البحرين 102%) إلى 87% نقطة نسبة مئوية. وبالإضافة إلى جيبوتي هناك أربعة بلدان أخرى تعاني انخفاضاً واضحاً في معدل القيد الإجمالي وهي: موريتانيا 18%، السودان 29%، العراق 38%، والمغرب 39%. أما في المجتمعات العربية الأخرى فتتخطى نسبة القيد الإجمالية في التعليم الثانوي نسبة 50% ويلاحظ بصفة عامة أن نسب القيد الصافية لدى البنات أعلى منها عند البنين، الأمر الذي يعني أن مشاركة الإناث في الدراسة الثانوية في السن الدراسي الرسمي أعلى من مشاركة الذكور. على أن نسبة قيد البنات في العمر الرسمي تقل عن نسبة قيد البنين في كل من العراق والمغرب ومصر. وتصل نسبة الرسوب في التعليم الثانوي بشكل عام إلى (7%) في معظم الدول العربية. وهناك بعض الدول التي ترتفع فيها معدلات الرسول، مثل دول المغرب العربي: الجزائر (22%)، تونس (18%)، المغرب (17%) وفي العراق (27%)، في حين تصل هذه المعدلات إلى (1%) في الأردن، (2%) في فلسطين المحتلة، أما في البلدان العربية الأخرى فتتراوح نسب الرسوب فيها بين (6%)، (10%).وتعد الحالة التعليمية للأجيال الصغرة في البنات في تحسن، وإن كان بطيئاً، في معظم الدول العربية من حيث النمو المطرد في معدلات الالتحاق والقيد بالمرحلة الابتدائية والثانوية، الاّ أن قطاعاً من البنات نتوقع أن أغلبهن من البيئات الصحراوية والأحياء القيرة في المدن، لم يتأثر بهذا التوسع الذي طرأ على تعليم الفتيات خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي.أما عن التعليم الثانوي الفني، فيبلغ عدد المسجلين فيه حوالي (10%) من مجموع طلاب التعليم الثانوي بكل أنواعه.شكل (1): التكافؤ بين الجنسين في التعليم الابتدائى والثانويتوقعات تحقيق الهدف في البلدان العربية بحلول عام 2005، 2015م استناداً الى التوجهات السابقة 1990- 2000م.(تعد البلدان التي يتراوح مؤشر التكافؤ فيها بين (97.0) 1.30 أنها حققت التكافؤ)وتشهد المنظومة التربوية في الوطن العربي حدوث تفاوت صارخ في توزيع خدمات التعليم الثانوي، وتهميش قطاعات واسعة من الفقراء علمياً وتعليمياً سواء في صورة عدم توفير الفرص الكافية لجميع الطلاب الذين أتموا تعليمهم الأساسي للالتحاق بالمدارس الثانوية، أو في صورة تقسيم النظام التعليمي الراهن للمواطنين الى فئات تتعلم في انماط من المدارس المتباينة الأهداف والمستوى والثقافة والامكانات والتجهيزات. ومن هنا يظهر على الفور التحدي الذي يواجه التعليم العربي والمجتمعات العربية، ويتلخص فيما يمكن أن تنتجه هذه التشكيلة الواسعة من المدارس من تباين رهيب في ثقافات ومفاهيم وتصورات المواطنين من ذوي الأصول والمواقع الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وفرص التوظف المفتوحة أمامهم، وما يحمله كل ذلك من تهديد التماسك والولاء المشترك في مقومات الثقافة والأوضاع الاجتماعية داخل الوطن الواحد.