( 14 أكتوبر ) تحقق في قضية أدت إلى فقدان أرواح بريئة
في أحد المستشفيات
تحقيق / أحلام الحمليدخلت في حالة نفسية بسبب تعايشها مع مرض لم تكن مصابة به، وآخر مات ابن عمه بسبب خطأ طبي تسبب له في حدوث فشل كلوي مميت، وثالث بترت يد طفله في الحضانة قبل إكماله الأشهر التسعة الأولى من عمره بسبب إهمال طبي غير مسؤول، ورابع كسر فكه الأسفل بدلا من اقتلاع ضرسه.. وغيرها من الشكاوى والحكايات المؤلمة التي ترويها لنا آهات ودموع من قابلناهم من ضحايا الأخطاء الطبية، وصفوا لنا معاناتهم بمرارة مع التحسر والألم الشديدين لما آلت إليه أحوالهم بسبب تلك الأخطاء التي يرون أن السبب في حدوثها هو إهمال واستهتار أصحاب المهنة بمسؤولياتهم الطبية والمتاجرة بحياة الناس، وأرواحهم، وبسبب شحة المعلومات حول الموضوع، وتكتم البعض من المسؤولين على الحقائق وتطنيش البعض الآخر للموضوع وكأنه لا يعنيهم لا من قريب كمسؤول ولا من بعيد كمواطن أو إنسان.. ولعلنا نتساءل : أبقيت حياة الناس رخيصة هينة عليهم إلى هذا الحد الذي لا ينفع معه الوصف؟! أيكون التعامل مسؤولا عندما نتعامى عن الحقائق، ونتعمد دمل الجراح الدامية حتى نتنت بدلاً عن كشفها ، وتعريضها للشمس والهواء الطلق حتى تجف وتنشف؟!اتهام متبادل[c1] وتشخيص خاطئ [/c]
د. أحمد ناصر حسين فرج
وعن الأسباب الناتجة عنها الأخطاء الطبية من وجهة نظر بعض العاملين في القطاع الصحي ترى( ن . ف) فنية مختبرات أن أكثر الحالات التي تتعرض للأخطاء الطبية تكون نتيجة إهمال الطبيب والكادر الصحي، فكثير منهم لا يركز ولا يهتم بمهنته، ويتساهل في قضايا تنتج عنها الأخطاء.يقول الدكتور احمد حسين فرج إن كثيراً من الأخطاء تكون نتيجة الغلط في التشخيص حيث يستقل الطبيب بالتشخيص لوحده دون الاستشارة.لكن احد المتدربين من الممرضين في المستشفى الجمهوري الحكومي قال: «إن أكثر الأخطاء الطبية تحصل في غرف العمليات وأقسام الجراحة. ففي غرف العمليات يقوم أخصائي التخدير بتخدير المريض وأحيانا يكون غير متخصص التخصص الكامل بهذا المجال فتزداد الجرعة وتؤدي إلى وفاة المريض. ربما السبب هو في اعتقاد أخصائي التخدير أن الشعب اليمني (مخزنا)فيزيد الجرعة.. فضلاً عن عدم جاهزية غرف العمليات في مستشفيات بلادنا على أكمل وجه». يؤيده زميل آخر من قسم الجراحة عندما تحدث إلينا قائلا«الأخطاء الطبية أمر لا يقتصر في غرف العمليات وإنما بعد العملية، حيث يهمل المريض من قبل بعض الأطباء أو الممرضين دون وجود أي رقابة طبية تذكر».[c1]كوادر أجنبية متدنية [/c]وبين هذا وذاك تظل شكاوى الناس متكررة ومآسيهم مؤلمة طالما بقي المواطن ضحية مغلوبة على أمرها.. ضحية إما لإهمال المستشفيات الحكومية وعجزها أو لجشع المستشفيات الخاصة وطمعها المادي على حساب العمل المهني. المستشفيات الحكومية تتهم بكثرة الأخطاء الطبية نظرا لزحمة المرضى وتدني رواتب الأطباء وانشغالهم بالعمل في أكثر من جهة في حين ينظر إلى المستشفيات الأهلية على أنها مصيدة للأخطاء الطبية نتيجة اعتمادها على كوادر أجنبية متدنية المستوى والخبرة، وغياب الإمكانيات اللازمة، وتغليب الجانب الربحي دون مراعاة الجودة.وفي محاولتنا الالتقاء بأحد المسؤولين في إدارة المستشفى الجمهوري (ثاني أكبر مستشفيات صنعاء المركزية) لاستفساره عن مدى صحة شكوى المرضي والعاملين الذين التقيناهم، غير أن الظن قد خاب إذ امتنعت إدارة المستشفى ممثلة بالدكتور محمد القديمي نائب المدير العام عن الرد على أسئلتنا، فما كان منه إلى إحالة الموضوع إلى المدير العام الذي لم يجبنا لا شفويا ولا تحريريا بعد أن تركنا طلب موعد للمقابلة إلى يوم آخر.في المقابل حاولنا أيضا طرح الموضوع على الدكتور عباس المتوكل وكيل وزارة الصحة فلم نتمكن من لقائه مع أنه حدد لنا موعداً لدى سكرتارية مكتبه والتزمنا بالموعد وبعد طول انتظار اخبرنا مدير المكتب بأن وفداً ما سيستمر أربع ساعات مع الدكتور وتركنا مدير المكتب وحاله يقول لنا «الموضوع لا يهمنا».[c1]قلة المنشآت [/c]
د. عصام السماوي
وعن تقييم الوزارة لواقع المستشفيات وواقع الأخطاء الطبية فيها يجيب الدكتور عاصم السماوي مدير إدارة المنشآت الخاصة في وزارة الصحة قائلا»لا نستطيع أن ننكر وقوع الأخطاء الطبية سواء أكانت مقصودة أي ناتجة عن إهمال أو غير مقصودة». ويعلل السماوي الأسباب في كثرة وجود الأخطاء الطبية في بلادنا إلى قلة المنشآت الطبية الكبيرة المتخصصة في بلادنا وتمركزها في العاصمة مقابل وجود الكم الهائل من المرضى رابطاً وجود ما يسمى بنظام الإحالة في حدوث ضغط على المستشفيات في العاصمة.ويرى السماوي أيضا إن السبب الثاني يشمل «إهمال بعض الأطباء واستهتارهم بحياة الناس. وأيضا عدم عناية الأقارب بالمريض بعد العمليات الجراحية والعلاجات غير الجراحية. وكذلك الوضع الاقتصادي المتمثل في سوء التغذية والذي يؤثر على عدم فعالية العلاج.. والملاحظ أن الأخطاء الصادرة عن الأطباء اليمنيين تأتي نتيجة الإهمال واللهث وراء المادة. أما غير اليمنيين وخصوصا المنشآت الخاصة فيكون الطبيب غير متخصص في نفس المجال الذي يعالج فيه، فالطبيب الأجنبي لا يهمه شيء فهو متعاقد سنة أو سنتين وسيسافر.كما إن المدراء في المنشآت الخاصة لا يهمهم إلا الكسب.[c1]نقص التجهيزات [/c]ويستطرد مسؤول وزارة الصحة والسكان فيقول «كما أشير هنا إلى نقص التجهيزات سواء أكان في المنشآت الحكومية أو الخاصة أو المنشآت التي خارج المدن».وعندما سألناه عن دور الوزارة، وما تعمله عند تلقيها شكاوى من ضحايا الأخطاء الطبية أجاب قائلا»(50 %) من الشكاوي التي تأتي إلى الوزارة هي شكاوي كيدية.. فمثلا إحدى المرات أسعفت امرأة حامل إلى أحد المستشفيات الخاصة لغرض الولادة، وكانت الولادة متأخرة فرجعت إلى البيت ومكثت 24 ساعة ثم أسعفت إلى مستشفى أخر وبقيت 6 ساعات تحت الملاحظة، وأجريت لها عملية قيصرية ونجحت، وخرجت بالسلامة وجاء زوجها إلى الوزارة يشكو لماذا لم تلد زوجته في أول يوم. وهذا ليس ذنب الطبيب وهذا غير معقول.[c1]شكاوى حقيقية [/c]* هل تعني انه لا يصلكم شكاوي حقيقة؟ لا اقصد ذلك فهناك شكاوي حقيقية وبعضها تكون نتيجة أخطاء حقيقية أدت إلى الوفاة. فمثلا خرج احد الأطفال من بطن أمه قبل استيفاء المدة الكاملة للحمل. فاضطر الأطباء في احد المستشفيات إلى تركة في حضانة خاصة بالخدج.وبعد يوم فوجئنا بأن يد الطفل حارقة وبحثنا عن السبب فوجدنا إن إهمال الكادر الطبي والتمريضي لهذا الجنين هو السبب حيث كانت يده قريبة من سخانة خاصة. وربما تأثرت بسبب (الكينولة) التي في يده وإهمال الممرضين فأضطر الأهل إلى إجراء عملية بتر يد الجنين لإسعافه ولكنه مكث أسبوعاً ثم مات. واتخذت الوزارة الإجراءات اللازمة فأغلقت المنشأة وأحالت الكادر إلى التحقيق.وأضاف الدكتور السماوي « أن هناك لجنة متخصصة من أطباء متخصصين تشكل لمتابعة أي شكوى، وتستدعي المريض وتطلب منه الفحوصات والأدلة على شكواه وتستدعي الطبيب وتطلب من إدارة المستشفى التقارير والفحوصات، أما إذا مات المريض فتخضع الجثة للطبيب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة».فسألته : قلت تطلب من الإدارة تقديم تقرير وإذا كانت الإدارة متواطئة أصلا مع الطبيب كيف تعملون؟قال الطبيب السماوي«اللجنة الطبية لا تعتبر قرار المستشفى الفيصل الحاكم في القضية، وإنما دليلاً يقدمه المستشفى ليدافع عن نفسه، وبعدها تقوم اللجنة بالتحقيق والمتابعة فتدين المستشفى أو تبرئه».[c1]المسألة بيد الوزارة [/c]* وعند سؤاله في حالة ثبوت أن الطبيب أو الممرض هو من وقع بالخطأ ضد المريض، عما إذا كان تقوم الوزارة بدفع التعويض؟ أجاب: نعم فقد قام الوزير بتعويض احد المتضررين نتيجة خطأ طبي وأمر بسفره إلى الخارج.* هل تقوم الوزارة بدورها الرقابي على المنشآت الحكومية أو الخاصة كما يجب؟- نحن للأسف الشديد لا نستطيع مراقبة كل شيء. كما إن ميزانية الوزارة هي( 4%) من ميزانية الدولة.وأقول علينا النزول إلى ثمان محافظات في السنة وإلى الآن لم ننزل سوى إلى أربع محافظات فقط. وأقول لك صراحة يجب أن تتحمل المكاتب الصحية المباشرة والمجالس المحلية معنا العبء.ويرى الدكتور السماوي إن الحلول المناسبة للحد من تلك الأخطاء كثيرة، أبرزها مراجعة الوضع العام في بلادنا..إعطاء الطبيب راتب جيد كي يتفرغ للعمل في المستشفى دون البحث عن مصدر رزق آخر.. على الجهات المعنية مثل وزارة الداخلية والجوازات والشؤون الاجتماعية والعمل أن تتكاتف مع وزارة الصحة ولا تعطي لأي أجنبي تصريح مزاوله المهنة أو الإقامة إلا بعد الرجوع إلى الوزارة.. كما نطلب من المكاتب المباشرة رفع التقارير الصحيحة بذمة وضمير عن واقع المنشآت الموجودة لديهم حتى تستطيع الوزارة التصرف بنحو أمثل». وقد حاولنا الالتقاء بأحد أعضاء نقابة الأطباء اليمنيين إلا انه تهرب وعرفنا إن الوضع في النقابة لا يساعد على تفرغها لمثل هذه القضايا، وكما قال احد الأطباء(هم مشغولون بسبب الانقسام والانتخابات).«الأخطاء الطبية» قضية تبقى شائكة، والكل يتهرب من المسؤولية ونماذج كثيرة. والأسباب ماتزال موجودة، والكل يتحدث ويبرر. والوضع العام الذي تعانيه بلادنا وبالذات في مؤسساتنا الحكومية يحدث نوعاً من الخلط وعدم القدرة على معالجة أخطائنا ووزارة الصحة غير قادرة على تحمل المسؤولية كاملة.. ووجود الدخلاء على المهنة من إدارة المستشفيات. وبعض الأطباء.. كل تلك الأسباب هل تجعلنا نقتنع بأن الأمر وجب أن يبقى على ماهو عليه.لا فلا بد من معالجة جذرية ليست أرواح البشر مثل مصباح كهربائي متى ما يخفت ضوؤه نستبدله بآخر جديد..هذه مهنة عظمها الله سبحانه وتعالى وفضلها عن كل سائر مهن الدنيا. من موقعي هذا في صحيفة«14أكتوبر» أدعو جميع مواطني بلادي إلى صحوة الضمير، فلم يعد هناك شيء يجعلنا آخر متخلفي شعوب هذا العالم إلا غياب الضمير مصداقية مبادئ المهن!!