نجوى عبدالقادر:استطاع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين من خلال آرائه وأفكاره التجديدية أن ينتقل بالقارئ إلى آفاق جديدة في عالم القصة والرواية المعاصرة والسيرة الذاتية والرواية التاريخية..وقد حاول كثير من النقاد المعاصرين وضع العميد طه حسين في " ميزان النقد العلمي" وأثيرت عن أعماله الأدبية عدة قضايا تتناول أهم الجوانب الفكرية في حياته منها :- إسلاميات طه حسين – وهي الروايات التاريخية التي تناول فيها حياة وسير عدد من الشخصيات الإسلامية والأدبية.- مصادر الفكر التاريخي عند طه حسين.- موقفه من الأحزاب.- دوره في كتابة القصة والرواية.وقد رصد الأديب سامي الكيالي عدداً من أعماله القصصية والروائية في كتابه " مع طه حسين " الصادر عن سلسلة " اقرأ " :- الحب الضائع : ينساب في هذا الكتاب الفن القصصي فيضفي على أشخاصه لوناً هادئاً وادعاً.. إنها قصة الحب الذي يضيع بين أهواء النفس البشرية.وفي الكتاب مجموعة من القصص تستمد وحيها من الحياة المتشعبة المسالك.- دعاء الكروان : قصة الفتاة الريفية التي يخدعها فتى المدينة, فحكم عليها المجتمع البدوي بالموت لتكفر عما جلبت لأسرتها من عار.- شجرة البؤس : قصة تصور الحياة في إقليم من أقاليم مصر في القرن قبل الماضي " أي القرن التاسع عشر الميلادي " وشخصيات هذه القصة طيبة مستسلمة لقضائها, يردها إيمانها العميق إلى الرضا الكامل.- المعذبون في الأرض : صور من العدالة التي يجب أن تسود, وقصص من الطغيان الذي لن يعود, وقد أسهم هذا الكتاب في تقويض دعائم الطغاة وفي دك حصون الظلمة المفسدين, وكان لأسلوبه أثر نفاذ في نفوس الذين تنفسوا الصعداء حين زال عنهم كابوس الطغيان إلى غير رجعة.- رحلة الربيع : في هذه الرحلة يعرض عميد الأدب ألواناً من الصور في عالم الفن والأدب والتاريخ, وفي ما يقله البحر إلى الشاطئ الآخر, فتقرأ فيه ألواناً من الحياة معروضة بأسلوب طه حسين وموسيقاه الساحرة.- أديب : مأساة رجل لجأ إلى تطليق زوجته ليستطيع السفر غرباً في بعثة الجامعة – وكان هذا الطلاق فرصة ليتخلص الرجل من مسئوليته الزوجية وعدم تضييعه فرصة السفر.. لقد صور طه حسين هذا العمل في أبشع صورة, وتتبع صاحبه في لهوه وعبثه حتى انتهى إلى الجنون..وينقل للقارئ هذه القصة كما جرت بوقائعها الحقيقية لأنها تحكي حياة صديق له وبينهما رسائل متبادلة..لقد أعطى طه حسين جانباً كبيراً في قصصه ورواياته للجانب الأسري.. وقد حلل الكاتب عباس خضير حب طه حسين وتقديسه للعلاقات الأسرية والروابط الحميمة ونفوره من الإثم والخطيئة وقد تجسد ذلك النفور في قصته " أديب ".أما الروابط الأسرية فقد تجسدت في قصته " شجرة البؤس " حيث يجعل الرجل يمسك بزوجته التي تعد مثالاً للدمامة والقبح, وغرس للبؤس ينمو ويتفرع ويؤتى الحنظل من ثمراته.. ومع كل ذلك يحرص عليها زوجها " بطل القصة " كل الحرص, ويستعين طه حسين على هذا التصوير بالسلطة الروحية التي يسلطها شيخ الطريقة الصوفية على الزوج.- الأيام : هذا الكتاب الذي شرّق وغرّب, وتسابقت إلى ترجمته الأقلام إلى عدة لغات, رسم في أجزائه الثلاثة صوراً حية لمرحلة من مراحل حياته في بيئته الطبيعية حيث ولد وعاش وترعرع. ثم في القاهرة وباريس حيث تعلم والأحداث التي مرت في حياته.إنها قصة صراع فتى ضرير لم يصرّح فيها عن نفسه وإنما حملها إلى القارئ كتحفة فنية وأدبية فيها من روعة الأسلوب كما بها من جمال التصوير.. ودقة الوصف لأهم الأحداث التي مرت في حياة ذلك الفتى الذي لا يذكر لذلك اليوم اسماً.. وهو اليوم الذي فقد فيه بصره.. وسلبته الحياة عنصراً من أهم عناصر كفاحه.. ومن عجب بعد ذلك أن يقهر حياته ويرغمها على أن تكون في ركابه بدلاً من أن تكون من أعدائه. يؤكد الكاتب عباس خضير اهتمام طه حسين وعدم نكرانه للحب في أسمى معانيه وأنبل غايته وذلك في كتابه " غرام الأدباء " تتبع الكتاب عدداً من الشخصيات الأدبية في حياتهم الغرامية مبتدئاً بالكاتب الكبير طه حسين وقد تتبعه في مراحل من حياته وكيف كان يستمتع بصوت المرأة التي لا يراها.. ولكنه شغف بالحديث معها حتى انتهت بعلاقة حب قوية صرح بها طه حسين لابنته في الجزء الثاني من كتابه " الأيام" بقوله :" لقد حنا يا ابنتي هذا الملك على أبيك فبدله من البؤس نعيماً, ومن اليأس أملاً, ومن الفقر غنى..." ذلك الحب الغامر الذي ربط بينه وبين شريكة حياته الفرنسية سوزان والذي حرص عليه أشد الحرص فكون أسرة مثالية..وها نحن نجد هذا الحرص واضحاً في قصصه وخاصة كتابه " الأيام " الذي انتشر انتشاراً واسعاً وبلغت شهرته الآفاق فترجم إلى عدة لغات.وممن تحدث عن الرواية عند طه حسين الكاتب ثروت أباظة في كتابه " شعاع من طه حسين ", وفي تحليله لكتاب الأيام يقول :" وكتاب الأيام تعارف الناس بشأنه فيما بينهم إنه سيرة ذاتية لأن الناس تبينوا فيه الدكتور طه وابنه وبنته وإخوته وذويه وهو لم يحاول أن يخفي شيئاً من ذلك.."" فهو إذن يريد أن يقدم إليك حياته كقصة وعلينا نحن القراء أن نستقبل هذا العمل كقصة لأن مؤلفها يريد لها ذلك.. ولكن لا نستطيع أن نضعه مع السيرة الذاتية بغير مناقشة, فقد تكلم الدكتور طه عن الفتى بصيغة الشخص الثالث فهو لم يقل أنا, وروى قصة ذلك الفتى كما تروى أية قصة عن بطل ما نصنعه بخيالنا ليحمل إلى الناس ما نريد أن نقول ".فإذا كانت الأيام " رواية " بكل ما تقوم به أركان الرواية.. فماذا فعلت الأيام في دنيا الرواية؟ ويواصل الكاتب ثروت أباظة حديثه عن الرواية عند طه حسين :" أنا لا أنسى يوماً كنت أسير فيه مع عملاق الرواية العربية نجيب محفوظ منذ ما يقرب من عشرين عاماً فقلت له : إنني أعتقد أن طه حسين في الرواية أقل منه في ميادينه الأخرى فإذا هو يقول : " لا نستطيع أن ننسى أن طه حسين قد فتح الأبواب لألوان من الرواية العربية فقد كتب :صراع الإنسان مع القدر في " الأيام ", وكتب رواية الأسرة في " شجرة البؤس " وكتب صراع الإنسان مع التقاليد في " دعاء الكروان " .ووجدت منطق نجيب قوياً وصادقاً واتجهت بتفكيري إلى هذا المتجه.. واستطيع اليوم أن أزيد أنه كتب الرواية الرمزية في " أحلام شهرزاد " وصراع الإنسان مع نفسه في " أديب " والأسطورة الإسلامية في " على هامش السيرة " إن طه حسين فعلاً فجّر في الرواية العربية ما لم نكن نعهده.
|
ثقافة
القصة والرواية في أدب طه حسين
أخبار متعلقة