في حين يرى البعض أن الإجهاض ضرورة قومية
القاهرة /14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية رفض مجمع البحوث الإسلامية وعلماء الأزهر بمصر المطالب التي نادت بإباحة الإجهاض في حالات الحمل السفاح الناتج عن علاقة غير شرعية من منطلق أنه يحمل بذور الفساد والرذيلة ويقضي علي الفضيلة والشرف في المجتمع الإسلامي وتهدف هذه المطالب إلي وضع قانون يبيح الزنا ويبحث عن سبل للتخلص من ثمرته. وقال العلماء إن الأولي لأصحاب هذه المطالب بالبحث في أسباب وقوع الفاحشة ومحاولة منعها وأكدوا أن هؤلاء يبيحون الإجهاض تحت زعم حماية المرأة وأسرتها من الفضيحة وفي هذا إنهاء لحياة الجنين ومعاقبته علي جريمة لم يقترفها في الوقت الذي ينادي فيه الإسلام بالحفاظ علي حياة الجنين حتى لو كان الجنين ناتجاً عن حمل سفاح.د. فوزية عبدالستار أستاذة القانون الجنائي بجامعة القاهرة ترى أن مسألة إجهاض الحمل السفاح يرجع فيها إلي المؤسسة الدينية، لنري ما إذا كانت الشريعة الإسلامية تجيز الإجهاض في هذه الحالة أولا فإذا لم تقره لا نتناول الموضوع إطلاقاً، أما إذا أجازت الشريعة الإسلامية ذلك فنبدأ البحث القانوني والآثار التي يمكن أن تترتب علي إقرار الإجهاض وكان على أصحاب هذا المطلب أن يقوموا بعلاج الجريمة نفسها >جريمة الحمل السفاح<، لا أن يقوموا بالبحث عن علاج لنتائجها. وتؤكد أن وجود الحمل السفاح يؤدي إلي انتشار وجود الأطفال غير الشرعيين، ولكن مخاطر إباحة الإجهاض هنا تكون أشد من أضراره، فهو من الممكن أن يؤدي إلي ارتفاع نسب عمليات الإجهاض، وأن تؤدي هذه الطمأنينة التشريعية بإباحة الإجهاض إلي بعض الانحرافات من بعض الفتيات والسير خلف هذا النص التشريعي لترتكب الفاحشة إذا كانت علي استعداد لذلك، كما يخشي إذا اطمأنت الفتاة إلي أن بإمكانها التخلص من الحمل الذي نجم عن علاقة غير شرعية، وأن الفضيحة لن تنتشر، أن يكون ذلك سبيلاً إلي الاستهانة بالجرم، ومن ثم تشيع الرذيلة في المجتمع.وأضافت: أن الأمر يتطلب علاجاً دينياً وأخلاقياً·· ولابد من العودة لمبادئ الدين الحنيف الذي يحث علي الفضيلة والشرف والحلال، ولابد من التمسك بأصولنا وقيمنا، ويجب أن يكون الوازع الديني هو المحرك لكل فرد منا وهنا أهمية قصوي أن تضاعف الأسرة من دورها في التربية والرقابة لأبنائها، ومتابعتها وعدم التساهل في الخروج أو الاتصالات، وفي الاختلاط دون ضوابط ورقابة خاصة في ظل وجود وسائل الإعلام والاتصال التي تبث الخلاعة والمجون مستهدفة التأثير علي غرائز ورغبات شبابنا المسلم، ورب الأسرة عليه ألا ينشغل عن تربية أبنائه وأن يعاون زوجته في ذلك الأمر.[c1]جريمتين[/c]ويقول د· زكي محمد عثمان أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة جامعة الأزهر: من المؤكد أن حرمة الإجهاض في الفقه الإسلامي، علي إطلاقها، بمعني شمولها للحمل الشرعي، وغير الشرعي، ولذلك لم يفصل الفقهاء بين النوعين من الحمل، بل إنهم نصوا علي حرمة الإسقاط للجنين، ولو كان ثمرة لزنا أو اغتصاب، فيكفي الزانية ثبوت زناها مضرة ومعرة، فإسقاط جنينها لا يفيدها دنيا ولا دين، لأن الزنا الذي أثمر عن الجنين الذي يركض في أصلابها، قد ثبت بفعلها الحسي الذي أهدر الشرع في حرمته، فلا تهدره مرة أخرى، في إسقاط الجنين، ومن ثم قتل نفس بريئة، وبذلك تجمع المرأة بين جريمتين، الزنا والقتل.ويؤكد علي أنه يجب أن نعي جيداً أن كل نفس تتحمل وزرها وحدها، وقال سبحانه وتعالي: >من اهتدي فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخري وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً< >الإسراء:51< وهذا يعني أن كل إنسان لا يسأل إلا عن جنايته هو، ولا يؤاخذ بجناية غيره، مهما كانت صلته به، ولا يقصد دليلاً شرعياً قائماً علي أساسه يتم إسقاط جنين بريء من أجل ذنب اقترفه غيره، حتي ولو كان هذا الغير أصلاً له وهي أمه·· وإذا زعمت الأم خوفها من الفضيحة ومن نظرة المجتمع لها، فالضرر الأشد هنا هو اجهاض جنين علق برحمها، وكما هو معروف فالضرر الأشد يدفع بالضرر الأخف، أو يرتكب أخف الضررين، وكذلك يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.[c1]سبباً للرذيلة[/c]أما د. عبدالله محمد هنداوي وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر فقال: إن إجهاض الحمل لا يباح مهما يكن حتى لو كان من سفاح، لأن ذلك سيؤدي إلي قتل نفس عمداً بغير حق، كما سيؤدي إلي المساعدة علي انتشار الرذيلة مادام الجنين الناتج عن العلاقة غير الشرعية سيجد طرقاً آمنة يجهض بها.وأضاف : أن الإسلام دعا إلي المحافظة علي الجنين مطلقاً، سواء كان من نكاح أو من سفاح، واهتمام الإسلام بالجنين انطلاقاً من محافظته علي النفس الإنسانية، واهتمامه بها، وتشديده علي حرمتها، فجعل قتل نفس واحدة بمثابة قتل الناس جميعاً، وإحياء نفس واحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً.وأضاف: أن الزانية التي تسقط جنينها تجمع بين السوأتين الزنا والقتل، وأن إسقاط الجنين هو من الوأد، وقد روي أن امرأة من جهينة أتت النبي >صلي الله عليه وسلم< وهي حبلي من الزنا، فقالت: يا نبي الله، أصبت حدا فأقمه علي، فدعا النبي >صلي الله عليه وسلم< وليها فقال: >أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها<، ففعل فأمر بها نبي الله >صلي الله عليه وسلم< فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها، فرجمت، ثم صلي عليها >صلى الله عليه وسلم< فقال له عمر >رضي الله عنه<: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟.. فقال: >لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن أتت بنفسها لله تعالى<. رواه مسلم.. ويتبين من هذا الحديث أن للجنين حقاً في الحياة، ولو كان ابن زنا، ولو كان يجوز إجهاض الجنين بقصد حفظ شرفها وماء وجهها، أو التستر على فاحشة اقترفتها أمة، لأمر رسول الله >صلى الله عليه وسلم< الغامدية بإجهاض جنينها، ولم يأمرها بالاهتمام به حتي تتوافر له أسباب الحياة مستقلاً عنها، أما وقد أمرها بالاهتمام به فهذا يدل علي حرمة إجهاض الجنين لحفظ السمعة والشرف، أو تسترا علي فاحشة، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده·· وهذا المطلب لا يتناسب مع مجتمعاتنا الإسلامية والتي لا يزال للشرف والعرض والكرامة والأخلاق رغم كل التغيرات التي أصابتها مكان فيها.[c1]كواردث دينية[/c]وقال د. أحمد زلط عضو رابطة الأدب الإسلامي والعالمي: لابد أن نشيد بموقف مجمع البحوث الإسلامية الصارم والحزم تجاه هذا المطلب الذي ينادي بإباحة إجهاض الحمل السفاح والذي لا يتفق بأي حال من الأحوال مع ديننا وعقيدتنا، فلا يوجد لدينا ما يسمي بإجهاض الجنين وقتله كما يحدث في الغرب الذين يسعون لنشر الفسق والفجور والرذيلة في مجتمعنا الإسلامي باسم الحرية وحقوق الإنسان والتحضر وحق امتلاك المرأة لجسدها حيث إنهم الآن يسعون لقتل النفس التي حرم الله قتلها، وهذا ليس بغريب فهم يقتلون تحت مسميات كثيرة كما في القتل الرحيم، وكما في الإجهاض كي لا تضر الأم نفسياً واجتماعيا بل وجسدياً.وأكد أن هذا المطلب يروج له بهدف نشر كوارث دينية وأخلاقية واجتماعية تدمر كيان المجتمع حيث إنه لا يوجد دستور مدني في العالم وصل إلي ما وصل إليه الإسلام في الحفاظ علي الجنين وحقه في اكتمال مراحل نموه وخروجه للحياة واعتماده علي نفسه، حيث لا يقام حد ولا عقوبة علي المرأة الحامل حتي تضع مولودها الذي لا ذنب له فيما اقترفته هي.وقال إنه علينا أن ندرك خطورة الظواهر الغربية التي بدأت في الظهور في مجتمعنا والتي هي في الأساس ناجمة عن التحلل الأخلاقي، وضعف الوازع الديني، وعن غياب دورالأسرة والمؤسسات الاجتماعية، ونتيجة للتأثير المباشر الذي يتعرض له أبناؤنا من قبل وسائل الإعلام والاتصال والتي يسيطر عليها أعداء أمة الإسلام، في وقت غفل فيه أبناء الإسلام عن خطورة تأثير تلك الوسائل، وما تبثه من أفكار وأنماط حياة مرفوضة، حياة لا تعرف إلا الفوضى الجنسية والتحرر الهدام والفجور والخروج عن كل ما هو مألوف تحت زعم الحرية، إن الأمر خطير ويتطلب من الجميع اليقظة من الأسرة ومن المؤسسة الدينية ومن المؤسسات التربوية والاجتماعية من وسائل الإعلام والاتصال، الكل مطالب بالتصدي وتقديم التحصينات اللازمة لوقاية شبابنا، وحمايتهم من الضياع والانهيار وإلا سيدفع المجتمع كله الثمن·[c1]المحافظة علي الجنين[/c]وقال د. عبدالفتاح ادريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر : إن الإسلام دعا إلي المحافظة علي الجنين سواء كان من نكاح أو من سفاح، فرخصت الشريعة للمرأة الحامل الفطر في رمضان، إن خافت من الصوم علي جنينها، وأخرت تنفيذ الحد علي الحامل حتى تضع حملها، ويبلغ أوان فطمه، ولو كان من سفاح، ولم تبح إجهاضه بدعوي التستر علي فاحشة اقترفت ولا أدري أي حل وأي حكم لحالات الحمل التي جاءت نتيجة الانحراف، وعدم التمسك بأدنى مساحة من خلق أو دين، وأي ضرورة للإجهاض في مثل هذه الحالات الشاذة، إلا أن يكون قد قصد بذلك وضع قانون يبيح الزنا بين أفراد المجتمع، لتكون دعوته إلي إباحة إجهاض الأجنة غير المرغوب فيها الناشئة عن ذلك، بمثابة الدعوة إلي ما تدعو ضرورة المجتمع إليه.وأضاف : إن الجنين قبل نفخ الروح فيه له حرمة، وإن لم تكن كحرمة من نفخت فيه الروح وهذه الحرمة تقتضي حرمة الاعتداء عليه، فإذا نفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوماً من بدء الحمل، فإن الاعتداء عليه في هذه الحالة يكون قتلاً لنفس حرم الله قتلها إلا بالحق، وليس من الحق إزهاقها لمجرد إتيانها من سفاح، وأنه من الظواهر التي أسفر عنها التحلل الخلقي، وضعف الوازع الديني لدي الكثيرين، أن أكثر حالات الإجهاض التي تتم في عصرنا، تكون بقصد التستر علي فاحشة مما دفع بعض الأطباء إلي التخصص في مجال إجهاض البغايا وبائعات الهوي، وبعض من يتكسبون بذلك يعلم علم اليقين أنه يقترف جريمة، تستوجب عقابه في الدنيا والآخرة أياً كانت عقيدته، إلا أنه يري أن عملية الإجهاض في هذه الحالة لها ما يبررها، وذكر من مبرراتها عدم رغبة الأم في وجود هذا الطفل الذي تريد إجهاضه قبل أن يأتي إلي الحياة حيث إن الطفل الذي يأتي رغم إرادة أمه تستقبله الأم ببرود وإهمال، مما ينعكس علي نفسية الطفل، ويجعله ناقماً علي الحياة، في حين يري آخر أن الإجهاض ضرورة قومية، ويستشهد لهذه الضرورة القومية بحالات تم فيها الحمل نتيجة اقتراف الزنا بالمحارم، أو اغتصاب الإناث، أو زواج المرأة بمن كذب عليها وغرر بها، ونحو ذلك.