صباح الخير
يشهد العالم حالة من القلق والهلع والتخوف من مجهول تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية والتي تتسع رقعتها وتتعمق أكثر فأكثر يوماً عن يوم وذلك لحالة التخبط والعشوائية المترددة في اتخاذ واختيار القرار المناسب كإجراءات عملية لمواجهة الأزمة (الكارثية) ومعالجات سريعة لإنقاذ الوضع المالي العالمي المأزوم فكانت أهمها الأخذ بخيار التدخل الحكومي وتأميم المصارف والبنوك أو الاستحواذ عليها بشراء الأصول لحل الأزمة المالية القائمة بمعنى أن التدخل يعبر عن الاحتكار الحكومي للنشاط المالي المتعثر وهذا يعني أن هناك تراجعاً عن قواعد النظام الاقتصادي الرأسمالي لسياسة السوق الحرة والذي يكون فيه التدخل الحكومي لغرض كسر أي عمليات احتكار للسوق من قبل المضاربين أو المتحايلين على النظم والقوانين السائدة في السوق الحرة وفي ظل الأزمة المالية الحالية وإجراءات التدخل الحكومي للحل أو المساعدة في الحل فإنها تستهدف احتكار السوق المالية ولو لفترة زمنية معينة إلى حين استعادة المصارف والبنوك لمكانتها حتى لا تصاب بالانهيارات فمهما كانت الذرائع أو المبررات لهذا التدخل الاحتكاري فإنه يكون متناقضاً بل يشكل انقلاباً على قواعد النظام الاقتصادي والمالي الرأسمالي ما يمكن أن يعطل ويعرقل إمكانية الوصول إلى الحل إلا أنه قد يزيد الأزمة تعقيداً وقد تصل إلى طريق مسدود في نهاية النفق المظلم نتيجة السياسات الخاطئة والمتعجرفة والعشوائية للولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من دول العالم والتي تؤكد المؤشرات الأولية لنتائج الإجراءات المتخذة للحل أن النفق الذي دخلوه قد بدأت منذ وقت تلوح في الأفق بوادره المؤكدة أن الأزمة المالية الأمريكية المنتجة للأزمة العالمية ليست فنية مالية بل أن هناك (عملية تحايل في الأسواق المالية قبل الأزمة وأثنائها) وهذا ما أكده الرئيس الأمريكي في أحد التصريحات ما يمكن أن يعزز الاحتمال بأن هناك استهدافاً متعمداً لاختراق المنظومة الاقتصادية والمالية للنظام الرأسمالي العالمي وجرها إلى حالة الانهيار ابتداءً من السوق المالية الأمريكية والتي بدورها أثرت سلباً على بقية اقتصاديات دول العالم وعلى وجه الخصوص النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي لتصبح الأزمة العالمية نقطة بداية انهيار المنظومة الرأسمالية العالمية لتتلو انهيار النظام الاشتراكي العالمي.وعلى الرغم من حديث الرئيس الأمريكي بوش (الابن) والذي أكد أن (الولايات المتحدة الأمريكية لديها الآليات لمواجهة وحل الأزمة المالية)، كما جاء في أحد تصريحاته والحقيقة قد تكون لديهم فعلاً الآليات الممكنة لانفراج الأزمة ولكن كما يبدو أن الرئيس الأمريكي تناسى أن المفتاح الذي كانت وظيفته فقط الفتح أصبح مع التطور الصناعي للأقفال الأمريكية له وظيفة الإغلاق فاستخدام الآليات (البوشية) الأمريكية لحل الأزمة وبالأسلوب الأمريكي المتهور والمستعجل دوماً والمعتمد على القوة في حلحلة ما تواجهها من مشكلات في كل المنعطفات التي مرت بها، استخداماً ليس خاطئاً بل عقد الأمور فزاد من تعقيد الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية وبدلاً من فتح مغارة على باب تم إغلاق (المغارة) وذلك برمي (700 مليار دولار أمريكي) (للأربعين حرامي) الذين فيها فأصبحت الأزمة الاقتصادية والمالية الأمريكية بصورة خاصة والاقتصاد العالمي بصورة عامة مع اشتداد الإحكام حول منافذ حل الأزمة حتى بات من الصعوبة الخروج منها وخصوصاً بعد الإغلاق بسبع طرائق للقفل وذلك في اجتماع وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية للدول السبع الصناعية الكبرى والتي تم إقحامها في الأزمة وخاصة بعد أن جعلهم الرئيس الأمريكي يشعرون ويتعاملون وكأنهم جزء من الأزمة وهم براء منها كالذئب من دم يوسف وخيل لي أن وزير المالية الياباني في ذلكم الاجتماع كان يصرخ ليقول: “إن الذئب أحن من إخوتي (الدول الصناعية الكبرى) يا أبتي” الذين أشركوهم عنوة في الأزمة والتي هي في الأصل أزمة أمريكية بامتياز وتأثرت بسببها الكثير من دول العالم بما فيها الدول الصناعية الكبرى والتي كان من المفترض أن تطالب هي الولايات المتحدة الأمريكية بالتعويضات العادلة لما أصابها من تلك الأزمة الأمريكية وليس العكس، كما حدث وطالبها الرئيس الأمريكي بالتصريح الذي أدلى به بعد اللقاء بهم في البيت الأبيض عندما قال إن: “الأزمة عالمية وعلى الجميع أن يتحمل مسؤوليته” وهذا إجحاف وصلف أمريكي على من لا ذنب له فهذا هو الأسلوب المتغطرس وعنجهية الهيمنة الاقتصادية والعسكرية الانفرادية (المسكوت عنها) في مواجهة الأزمات التي تحدثها للولايات المتحدة الأمريكية وتفجر بها أزمات ومشكلات أكبر وأعمق فالمستنقع العراقي الذي لا تزال تغرق فيه القوات العسكرية الأمريكية شاهد على تلك الغطرسة الهمجية المعتمدة على الهيمنة والاستقواء ويتكرر المشهد اليوم بدخول الولايات المتحدة الأمريكية في مستنقع آخر خطير وهو مستنقع الأزمة الاقتصادية العالمية المنتج الوحيد له أمريكا وعليها أن تتحمل المسؤولية والتبعات الناجمة عنه ، ولهذا يتطلب الأمر موقفاً دولياً موحداً لإنهاء الهيمنة والغطرسة الأمريكية وقد حان الوقت لتصحو أمريكا وتتخلى عن تصرفاتها غير المسؤولة وإفساح المجال لعملية ظهور نظم وقوانين جديدة تواكب حاجات التغيير والتطوير والتجديد في الحركة الكونية الجديدة لتنتهي وإلى الأبد فكرة الهيمنة الانفرادية للاقتصاد والقوة العسكرية والتوجه للعمل الجماعي على شكل كتل اقتصادية تحقق التكامل فيما بينها وتتجه نحو البناء والنمو والتنمية الاقتصادية لتحقيق العدل والمساواة في المنظومة الكونية الواحدة والجديدة.