في مؤتمر( الصناعة مستقبل اليمن) الذي عقد مؤخرا بمدينة المكلا
المكلا/ عبد السلام الدعيس :تضاربت الأسباب، وتداخلت الحلول، وقدمت التجارب.. لينتهي مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن الذي عقد مؤخرا بمدينة المكلا محافظة حضرموت دون إن يحسم الجدل حول ما إذا كان بالإمكان رفع شعار اليمن بلد صناعي.. أم لا ؟!. اتفق الجميع - قطاع خاص وحكومة وأكاديميين- أن اليمن بما تمتلكه من الموارد الأولية المطلوبة، يمكن أن تقيم صناعات تحويلية عملاقة ومنافسة، وأكدوا أن رفع مساهمة الصناعة في الناتج القومي لأي بلد يرافقها دوماً نمو اقتصادي شامل، الأمر الذي يثبت نظرية أن «الصناعة هي المحرك الأساسي للنمو». يؤكد المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين محمد بن يوسف ان اليمن يمكن ان يشكل قطبا استثماريا وانتاجيا للصناعة التحويلية خاصة الصناعات الغذائية، بحكم موقعها في محيط دول الخليج التي تفتقر كثيرا الى هذه الصناعات.. مشددا على اهمية ان تتجه الصناعة اليمنية الى الميزة النسبية للصناعات. وزير الصناعة والتجارة الدكتور يحيى المتوكل من جهته يرى ان القطاع الصناعي اليمني واعد ويمتلك قدرات وامكانيات تؤهله للمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية بصورة تفوق مساهمة القطاعات الاخرى وذلك لقدرة هذا القطاع وتميزه في خلق قيمة مضافة اكبر. لكن النظري يختلف عن العملي في اليمن، فقطاع الصناعات التحويلية لا تزال مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي لا تتعدى 7 بالمائة و 4 بالمائة من سوق العمل.. وتظهر الاحصائيات ان عدد المنشآت الصناعية في اليمن ارتفع من 1 ر 42 ألف منشأة عام 2004م إلى ما يقارب (44) ألف منشأه عام 2006م وبزيادة مقدارها ( 9 ر 1 ) ألف منشأة ونسبة ارتفاع مقدرة (2 ر 4 بالمائة) وبمعدل نمو متوسط ( 1 ر 2 بالمائة) . منها 34 الف و 373 منشأة صغيرة وبنسبة 92 بالمائة من اجمالي عدد المنشات. وتهيمن الصناعات الغذائية والمشروبات وصناعة المشتقات النفطية والمنتجات اللا فلزية ومنتجات التبغ على هيكل الصناعات التحويلية بنسبة تزيد عن 71 بالمائة,فيما تتوزع النسبة الباقية على صناعة الورق والطباعة والمعدات والآلات والمنسوجات والملابس التي تعد من اهم الصناعات الواعدة نظرا لتوفر المواد الخام محليا. ويشخص امين عام جمعية الصناعيين اليمنيين يوسف عبد الودود واقع الصناعة اليمنية بمفارقتين الاولى تظهر علامات ثفة بقدرات القطاع الصناعي وازدياد الاستثمارات الصناعية المستجدة بشكل ملحوظ، والمفارقة الثانية- كما يقول- نشهد صرخة عارمة تعبر عن معاناة الصناعة ادت الى تقلص حجم الانتاج في معظم القطاعات واقفال عدد متزايد من المصانع وتسريح عمال في الصناعات المتعسرة. ويخلص عبد الودود من هاتين المفارقتين الى تقسيم الصناعة اليمنية الى ثلاثة شرائح هي النجاحات البارزة والتخبط والصراع للبقاء والانهيار والاغلاق التام .. ويقول « بالتاكيد هناك نجاحات اكيدة وفرص واعدة ولكن يعاني القسم الاكبر من الصناعات من التخبط المؤلم وصراع البقاء كما نرى في بعض قطاعات السوق المحلية، اما الانهيار والاغلاق التام لبعض المؤسسات الصناعية كصناعات الاحذية البلاستيكية والجلدية». [c1]عدم التقاط الأنفاس [/c]لم تلتقط الصناعة اليمنية أنفاسها منذ رفع الدعم عن القطاع الصناعي مطلع العام 1995م ضمن تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري المدعوم من البنك وصندوق النقد الدوليين ، ولم تلملم نفسها من تبعات تلك الفترة وتأثيراتها، ليعقبها تحرير التجارة وخفض التعريفات الجمركية على السلع المستوردة ، اضافة الى ظهور عدد من المشاكل الاخرى منها تفاقم ظاهرتي التهريب والاغراق ما زاد من معاناة الصناعة الوطنية. ورغم محاولات الحكومة تنمية القطاع الصناعي ووضع اهداف طموحة لذلك في خططها الخمسية المتعاقبة، الا ان ذلك لم يتحقق، فالخطة الخمسية الاولى 96-2000م استهدفت معدل نمو يصل الى 8 بالمائة سنويا ، غير ان النمو المحقق لم يتجاوز 6ر2 بالمائة خلال تلك الفترة، وتراوحت نسبة نمو القطاع في الخطة الخمسية الثانية 2001-2005م 4-6 بالمائة، بدلا من الهدف الموضوع بالوصول بالنمو الى 10 بالمائة، وهذا التذبذب في تحقيق النمو المستهدف خفض توقعات النمو المستهدف في الخطة الخمسية الثالثة 2006-2010م لتصل الى 6ر5 بالمائة.. مستندة على نتيجة توفر مناخ استثماري مناسب والتركيز على تشكيل القاعدة الإنتاجية المتطورة وبما يؤهله من مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية المستخدمة فضلاً عن تغطية القدرة الإنتاجية بتحسين استخدام الطاقات الإنتاجية المتاحة وجذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والعربية والإقليمية وتنمية الموارد البشرية وتعظيم القيمة المضافة . غير ان خبراء اقتصاد يستبعدون تحقيق هذا النمو للاشكالات التي لا زالت تعاني منها الصناعة الوطنية. ويشير وزير الصناعة والتجارة الى ان قطاع الصناعة واجه خلال مراحل تطوره المختلفة عثرات عديدة اعاقت تحقيق اهدافه واغتنام الفرص التي اتيحت امامه للوصول به الى المستوى المطلوب .. مؤكدا جدية الحكومة في ايلاء هذا القطاع العناية الكافية والاهتمام اللازم بغرض الوصول الى تحقيق الاستفادة الكاملة من امكانياته كقطاع واعد وتوجيهه للترابط مع القطاعات الاخرى واستغلال الموارد المتاحة في الاقتصاد الوطني. [c1] ما الذي يعوق قيام صناعة يمنية قادرة على المنافسة؟[/c] تورد دراسات الجدوى الاقتصادية للمناطق الصناعية اليمنية والتي اعدها نخبة من الخبراء المصريين مجموعة من المشاكل والمصاعب التي تواجه الصناعة التحويلية او المتوسطة في اليمن ابرزها مشكلة التمويل، ومشاكل الإدارة الحكومية والسياسة الضريبية والمتمثلة في تعدد جهات الاختصاص وارتفاع الضرائب التي تمثل 5ر24 بالمائة من إجمالي المشاكل منها ارتفاع الضرائب المباشرة علي الدخل . والضرائب غير المباشرة اما عن مشاكل السوق فتمثل 9ر2 بالمائة من اجمالي وغيرها المشاكل وتتمثل في العملة والقروض وارتفاع تكاليف النقل والتعبئة والتغليف وغيرها. وهناك كما تقول هذه الدراسات مشاكل متصلة بالكهرباء والمياه، والتي تمثل نسبة 9ر28 بالمائة من الإجمالي العام لمشاكل الصناعة وتتضمن ارتفاع تكلفة المياه والكهرباء وانقطاعهما المستمر ، اضافة الي مشاكل متعلقة بالسوق والمواد الاولية التي تكمن في حدة وشدة المنافسة المحلية واحتكامها لحركة الفوضي والعشوائية، وانخفاض الطلب علي السلع المحلية التي لها بدائل خارجية و ارتفاع تكلفة المواد الاولية المتوفرة والمنتجة محلياً. ويشير امين عام جمعية الصناعيين اليمنيين الى ان من ضمن المعوقات غياب اي نوع من الحماية حيال اغراق الاسواق المحلية بالبضائع المهربة وفرض بعض المناقصات العامة لسلع ذات منشا اجنبي في حين توجد صناعة وطنية رائدة لنفس السلع .. وهو تشير اليه التوصيات الصادرة عن مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن، والتي طالبت باصدار قانون الصناعة الجديد ليعمل على حماية الحقوق الصناعية اليمنية والحد من الأغراق والمنافسة غير العادلة من قبل المنتجات المستوردة، اض افة الى وضع سياسة لحماية الإنتاج الصناعي المحلي من الممارسات الضارة في التجارة والعمل على زيادة القدرة التنافسية للصناعة اليمنية وفتح الأسواق أمام السلع والمنتجات اليمنية. ويلخص وزير الصناعة والتجارة الدكتور يحيى المتوكل المحددات الذاتية للقدرة التنافسية للصناعة الوطنية والمتمثلة في ارتفاع تكاليف الانتاج باستثناء الصناعات الاستخراجية، وجودة الانتاج والبحث والتطوير وتكنولوجيا الانتاج والتسويق.. لافتا الى الدور الحكومي المطلوب في رفع القدرة التنافسية للصناعة الوطنية ابرزها تخفيض كلف الانتاج الصناعي من خلال تخفيض الرسوم الجمركية على مدخلات الانتاج الصناعي واتباع سياسات محفزة ومشجعة بالنسبة للصادرات، اضافة الى تقديم حوافز مشجعة لدخول القطاع الخاص للاستثمار في اقامة المدن والمناطق الصناعية، وتوفير التمويل للصناعات الصغيرة وبالشروط المناسبة. كثيرة هي مشكلات الصناعة اليمنية التي طرحها المشاركون في مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن ، إلا أنه يمكن حصر أبرزها في ارتفاع كلفة الإنتاج و غياب أي نوع من الحماية حيال إغراق الأسواق المحلية بالبضائع والمنتجات، وكذا عوائق فنية وإدارية وتشريعات وقوانين مضى عليها الزمن، وعدم وجود البنى التحتية الاساسية، اضافة الى ضآلة التمويل الصناعي و عدم ضبط الحدود بالشكل المطلوب لمنع التهريب للسلع والمنتجات التي تفرز منافسة غير متكافئة مع الصناعات الوطنية. [c1] أيّ شروط يجب توفيرها لنجاح الصناعة اليمنية؟ [/c]إزاء هذه المعوقات تقف الصناعة اليمنية في مواجهة الكثير من التحديات الآنية والمستقبلية، تتمثل من زاوية الاسواق والمستهلكين بانفتاح الاسواق وتبعات العولمة واتفاقيات تحرير التجارة العالمية وبروز معطيات جديدة عن تحولات في خيارات الزبائن نحو سلع استهلاكية جديدة، والاتجاه المتنامي لدى المستهلكين نحو المنتجات المستوردة وعدم الثقة بالصناعات الوطنية. ويبدي مدير عام المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين ثقته بوجود فرص كبيرة لنجاح برنامج صنع في اليمن الذي تنفذه المنظمة ووزارة الصناعة والتجارة.مؤكدا حرص المنظمة على مساعدة اليمن لتلمس الطريق الصحيح لكيفية خلق قدرة تنافسية للمنتج اليمني وتطويره تسويقيا، وكذا تطوير الصناعة التحويلية بشكل عام في اليمن. ويقول « المنظمة وعدت بتقديم دراسة فنية لكيفية الخروج من مازق انخفاض الطلب على المنتوج اليمني وكيف يمكن تطويره وخلق قدره تنافسية له ومساعدته للدخول في معترك المنافسة الدولية، كما ستعد المنظمة دراسة تسويقية لتطوير اساليب التسويق والترويج للمنتج اليمني». وأكد المشاركون في مؤتمر الصناعة مستقبل اليمن على ضرورة وضع استراتيجية تنموية للنهوض بالصناعات الوطنية ووضع برنامج وخطط تنفيذية واستراتيجيات قطاعية للأنشطة الصناعية تحقق النهوض والتشابك مع القطاعات الاقتصادية المختلفة.. وأوصوا بإيجاد محفظة تمويلية للاستثمارات الصناعية وعلى وجه الخصوص للصناعات الصغيرة والمتوسطة بمشاركة جميع البنوك الخاصة وتخفيض الفوائد على القروض الممنوحة للنشاط الصناعي، اضافة الى العمل على تنفيذ برنامج صنع في اليمن واعداد دراسات عن أثر المتغيرات العالمية على الصناعة والنشاط الصناعي في اليمن. ونوهت التوصيات بضرورة منح حوافز حقيقية جادة للاستثمارات في القطاع الصناعي أهمها الحوافز والاعفاءات الضريبية والجمركية وإيجاد مراكز خاصة بتطوير وتحديث الصناعة بالأستفادة من التجارب الناجحة في الدول التي حققت نهضة صناعية رائدة والاسراع في بناء قاعدة معلومات صناعية متكاملة ويتضمن ذلك المسح الصناعي الشامل ووضع الخارطة الصناعية وقوائم فرص الاستثمار الصناعي.اضافة الى ضرورة مراجعة السياسات البنكية الرسمية والخاصة بما يحقق المساهمة الفاعلة للبنوك في تمويل الانشطة الصناعية والعمل على إيجاد مصادر تمويليه للمشاريع الصناعية ومشاركة الدولة في رأسمال تلك المصادر ووضع نظام دقيق وشفاف لإدارتها والاشراف عليها. وتتطلع الرؤية الإستراتيجية لليمن إلى تسريع عملية التصنيع وتوسيع القاعدة الصناعية من خلال الاستفادة من الميزة النسبية للموارد الطبيعية والأيدي العاملة الرخيصة. وستعمل خطة الدولة على تحسين البيئة الاستثمارية وتشجيع الاستثمارات الصناعية المحلية والأجنبية، وإقامة شراكة حقيقية بين الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص وإزالة العقبات التي تواجه المستثمرين، وتقوية القدرة التنافسية للصناعات الوطنية، وحماية الصناعات الوطنية من الإغراق، وتخفيض الضرائب والرسوم على مدخلات الإنتاج المستوردة، وتبسيط إجراءات التصدير والاستفادة من المنطقة الحرة في تحفيز الصادرات الصناعية، وتشجيع القطاع المصرفي على توفير التمويل اللازم للمشروعات الصناعية، وإنشاء المناطق الصناعية وتزويدها بالبنية التحتية والخدمات . ويرى الدكتور المتوكل ان النهوض بالقطاع الصناعي لا يتطلب عوامل مواتية داخل القطاع فحسب وانما يستلهم سياسات تكاملية في القطاعات الاخرى.. ويقول «لايمكن جذب الاستثمارات الصناعية دون توفر بنية تحتية ملائمة من كهرباء وطرق ومياه وصرف صحي واتصالات وغيرها، كما ان مخرجات التعليم والتدريب عامل اساسي لحفز اقامة الصناعات المختلفة بالاضافة الى اهمية تلازم النمو الاقتصادي للقطاعات الانتاجية مع تطور القطاع الصناعي فضلا عن حتمية توفر مناخ استثماري جاذب يرتبط بسيادة القانون وعدالة القضاء وبتحقيق الاستقرار الامني وبكفاءة الجهاز الاداري للدولة «. وأضاف لذلك فان المرحلة القادمة حاسمة في الدفع بهذا القطاع نحو تحقيق اهدافة من خلال السياسات والاجراءات التي ستتخذها الحكومة لتشجيع الاستثمار وتذليل العقبات التي تعترض المستثمرين على ارض الواقع وكذلك فتح قطاعات جديدة للاستثمار الخاص في مجال الطرق والكهرباء». ويطرح المصنعون النميون عدداً من المطالب للنهوض بالصناعات الوطنية ابرزها تطبيق الافضلية بالمناقصات للانتاج الوطني ورفع القيم المضافة للصناعات اليمنية وتخفيض تكاليف الصناعة لدعم قدراتها التنافسية . وتشير دراسات الخبراء المصريين ضمن ايراداها للمعالجات الي ان من المعروف ان اتساع الصناعة او ضيقها مرتبط بازالة الإختلالات السائدة في التوازنات الإقتصادية والمالية الكلية ، والمتمحورة أصلاً في عدم سلامة سياسة الإنفاق العام ، والاسراع بانشاء وتوسيع المناطق الصناعية في الجمهورية خاصة في عدن والحديدة والمكلا (كمرحلة أولى) وفق استراتيجية مخططة للمناطق الصناعية علي مستوى محافظات الجمهورية، وتطوير جزيرتي سقطرة وكمران ، وبعض الجزر الاخري الصالحة لتحويلها الي مناطق حرة أو مناطق سياحية علماً بأن ثمة عدداً لا يحصي من العوامل التي يمكنها ان تسهم في تشجيع الصناعة بمافيها السياحة .وتضيف « يرتبط إنطلاق الصناعة ارتباطاً وثيقاً بمجموعة من الشروط الداخلية التي أساسها توفر وتطبيق الأمن الإجتماعي بكل جوانبه تحت النظام والقانون الصارمين والتي هي بدورها عنصر أمان واستقرار لتشجيع تدفق رأس المال الخارجي العربي والأجنبي للاستثمار بالاشتراك مع رأس المال الوطني او بالانفراد طبقاً للقوانين السائدة» .