الإنسان ، ذلك الوجدان العميق ، والمخلوق المعقّد ، جسداً وروحاً وعقلاً وضميراً ، استأثر الله تعالى بإدراكه ومعرفته (( ... هو أعلم بكم إذ أنشاكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم ، هو أعلم بمن أتقى )) .. ووصف سبحانه نفسه بأنه (( عليم بذات الصدور )) .. وقال: (( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه )) .. وأمام هذه النصوص الصريحة من القرآن العظيم يتجلى وجوب الاعتقاد بالضرورة اختصاص الله تعالى بعلم غيب النفوس ، حاضرها ومستقرها ومستقبلها "!" فلا يقطع لنفس بالجنة والنار وما دام يوم الفصل ليس بالهزل ولم يأت بعد !!· هذا في عالم الغيب ، لكن في عالم الشهادة والأعمال يتقرر عكس ما سبق بالضرورة كذلك "!" فالشهود وأهل الحسبة والمزكون لهم حضورهم الشرعي في ميادين القول والعمل ..قال تعالى: (( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله .. )) .. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أنتم شهداء الله في أرضه )) !!ڈ ومن هنا كانت القلوب وما يترتب عليها من آثار معتبرة شرعاً ، محل حظر بائن من سهام المتقولين والخرّاصين ، لأنهم إنّما يتعدون حدودهم التي حد الله لهم (( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .. ولا يعلم ما في الضمائر على حقيقتها إلاَّ الله .. ووجب الحكم الشرعي على الظاهر ، والله يتولى السرائر .. ولما قتل أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ أمير الحُرقات ويدعى : غالب بن عبيد الله الكلبي، سنة سبع أو ثمان للهجرة .. وكان قد قال : (( لا إله إلاَّ الله )) عندما رأى بارقة السيف ، ولكن أسامة أمضى سيفه وقتله ، قال حينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك لأسامة : أقتلته ؟ وقال: لا إله إلاَّ الله ، فماذا نصنع بـ (( لا إله إلاَّ الله )) يوم القيامة ؟! قال: يا رسول الله: إنما قالها خوفاً من السيف !! .. قال صلى الله عليه وسلم: أشققت عمّا في صدره فعلمت منه ذلك ؟! حتى تمنّى أسامة ـ رضي الله عنه ـ أنه أسلم بعد يومئذ !! .. فهل بعد هذا البلاغ المبين يقف القوّالون في أعراض المسلمين وما تكنُّ الصدور عند حدّهم ؟ .. أم هم مصرون على اقتحام جهنم بثمن بخس (!!) ، وهم يصنّفون أبناء هذا الدين ضمن المنافقين والملحدين (!) بمجرّد أعمال لم يرق حكم حلها وحرمتها درجة اليقين والتواتر والنقل المبين !! .ڈ إن الفوضى العارمة اليوم في ميادين الدعوة والعمل والجهاد لابد من الوقوف عليها بعزيمة العقل والقلب والجوارح ، لنخلص إلى نتيجة يرتضيها الشرع وتخدم الإنسان وآفاقه طالما وقد سخر الله له الوجود بأكمله وكرّمه على سائر ما خلق وفضّله تفضيلاً !! ولن يكون ذلك إذا استمرّ الخطاب نفسه والطريقة نفسها والثقافة ذاتها دون تفعيل ماكنة العصر في استخراج الحقيقة وصناعة التاريخ!! .
|
رمضانيات
قلوب العباد .. خط أحمر !!
أخبار متعلقة