نجوى عبدالقادرتعد قصيدة "البردة" أول قصيدة انفردت بمدح الرسول عليه الصلاة والسلام.وقد أبتكر البوصيري صاحب "البردة" هذا النوع من القصائد، حيث لم تكن المدائح النبوية مما يتكلم فيه الشعراء، وقد عُرفت البردة باسم "الكواكب الدرية في مدح خير البرية" قيل انه كان في مرض فأتاه النبي فغطاه ببردته فشفى ونظم القصيدة .. ولها أكثر من تسعين شرحاً بالعربية والفارسية والتركية والبربرية.واشتهر بالبوصيري وهو محمد بن سعيد بن حماد بن عبدالله بن صنهاج شاعر مصري ظريف من شعراء القرن السابع الهجري تجري في شعره النكت المستملحة .. وفي شعره وصف للحالة الاجتماعية في عصره وشكوى حاله والتذمر من الموظفين والقضاة.والبوصيري كما يقول د. زكي مبارك هو الذي ابتكر هذا النوع، أو هو الذي بسطه وأطال فيه القصيد، فإن قصائد الكميت بن زيد في مدح آل البيت تعد نواة لهذا الفن الذي أكثر منه المولدون.ويرى د. زكي مبارك ان قصيدة الأعشى ليست من المدائح النبوية، وكذلك قصيدة كعب بن زهير لأن "المدح الذي جرى على لسان كعب والأعشى لا يزيد شيئاً عن غيره من المدح الذي جرى في ذلك العهد، موجهاً إلى الملوك، أما المدائح النبوية فتمتاز بعد شمائل النبي وسرد ما في الرسالة من المحاسن الباقية، ودفع ما وصم به الرسول ـ حاشاه ـ من النقائص والعيوب، وهي فوق هذا كله تقال وتنشد تقرباً الى الله، وهي عند الصوفية من جملة الاوراد".وبمناسبة مرور الذكرى النبوية العظيمة ـ منذ أيام ـ سنعرض هنا لبعض القصائد التي سارت على منوال البردة،.قصيدة البوصيري المعروفة بالبردة مشهورة في جميع الاقطار العربية والاسلامية.. وقد كانت جزءاً من الهدية التي قدمها العلامة ابن خلدون الى تيمورلنك ومطلعها:أمن تذكر جيران بذي سلم[c1] *** [/c]مزجت دمعاً جرى من مقلة بدمأم هبت الريح من تلقاء كاظمة[c1] *** [/c]وأومض البرق في الظلماء من إضموقد مدح الرسول في حياته كعب بن زهير بلاميته المشهورة:بانت سعاد فقلبي اليوم متبول[c1] *** [/c]متيم إثرها لم يفد مكبولوما سعاد غداة البين إذ رحلوا[c1] *** [/c]إلا أغن غضيض الطرف مكحولأما قصيدة "نهج البردة" فقد وضعها احمد شوقي تذكاراً لحج الخديوي وقدمها إليه بكلمة صغيرة، نحا فيها شوقي منحى البوصيري بالتشبيب على عادة شعراء العربية منذ القدم وذلك بالمقدمة الغزلية فقال قصيدته الشهيرة:ريم على القاع بين البان والعلم[c1] *** [/c]أحل سفك دمي في الأشهر الحُرملما رنا حدثتني النفس قائلة[c1] *** [/c]يا ويح جنبك بالسهم المصيب رميجحدتها وكتمت السهم في كبدي[c1] *** [/c]جرح الأحبة عندي غير ذي ألموللبارودي قصيدة ايضاً على غرار البردة سماها "كشف الغمة في مدح سيد الأمة" ضمنها سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، من حين مولده الى يوم انتقاله الى جوار ربه يقول في مطلعها:يا رائد البرق يمم دارة العلم[c1] *** [/c]واحد الغمام الى حي بذي سلموان مررت على الروحاء فارو لها[c1] *** [/c]اخلاق سارية هتانة الريمأدعو الى الدار بالسقيا وبي ظمأ[c1] *** [/c]أحق بالري لكني أخو كرم.واستغرق التشبيب والنسيب ثلث القصيدة لدى الشعراء الثلاثة، ثم أتوا على المعجزات فتناول البوصيري وشوقي والبارودي حادثة الغار بوصف لم يخرج عما ورد في القرآن الكريم .. ثم أفاضوا في الحديث عن معجزة الرسول الكبرى وهي القرآن الكريم.ويتعقب د. زكي مبارك الشعراء الثلاثة في كتابه "الموازنة بين الشعراء"، في وصفهم للحرب والإشادة بذكر الغزاة والتمدح بآثار المجاهدين، موضحاً السر في مشروعية القتال وحكمة الجهاد مؤكداً انفراد شوقي بالافصاح عن جلال المدينة الاسلامية وتقديمها على مدنية المصريين واليونان والرومان..أما البوصيري فقد سما في المدائح النبوية سموا لم يوفق الى معشاره في سائر شعره، وهذا اثر لصدق العاطفة، بخلاف شوقي والبارودي اللذين لم يصلا في مدحهما للرسول الى مستوى البوصيري، وقد أكد شوقي ذلك في قصيدته "نهج البردة":المادحون وأرباب الهوى تبعٌ[c1] *** [/c]لصاحب البردة الفيحاء ذي القدممديحه فيك حب خالص وهوى[c1] *** [/c]وصادق الحب يُملي صادق الكلمولا نتردد في القول ان قصيدة البردة قد فتحت باباً للشعراء يستعرضون فيه قدرتهم البلاغية والإبداعية فكتب كثير من الشعراء قصائد مستوحاة من قصيدة "البردة" للبوصيري، ونشرت هذه القصائد المطولة بمناسبات متتالية لذكرى الرسول الكريم ومولده العظيم .. ولشعرائنا اليمنيين عدد من القصائد التي نهجت نهج البردة ، وكان الشاعر محمد سعيد جرادة قد خاض هذه التجربة بكل جدارة واقتدار، فنشر قصيدته "وحي البردة" وتتكون من 157 بيتاً في ثمانية مقاطع يستهلها بالغرض التقليدي وهو النسيب أو التشبيب:راع المشوق وميض في دجى الظلم[c1] *** [/c]وحرم النوم ذكرى جيرة الحرموأوقد الشوق نيراناً مؤججة[c1] *** [/c]في صدر مضطرب الأحشاء مضطرممتيم باتت الذكرى تقلبه[c1] *** [/c]على فراش الضنى والويل والندموهكذا يمضي الشاعر معلنا ندمه عما سلف من ايام المعصية والمجون، ثم يتحدث عن الإسراء والمعراج وعن معجزة القرآن الكريم والقيم العظيمة التي جاء بها الإسلام، وعن الرسالة المحمدية وما نال الرسول من أذى قريش حتى يصل الى وصف معارك النبي وغزواته وانتصاراته.كما يشير الى الفتح الاسلامي وقادته المسلمين وعظمتهم وعظمة الاسلام.ويستمر الشاعر محمد سعيد جرادة في قصيدته مؤكداً تسامح الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى.في كتابه "مجازات القراءة" وتحت عنوان "الجرادة ولحظة الإمساك بالمقدس" يقول الناقد هشام علي: "تقدم قصيدة البردة نموذجاً للنص المفتوح إذا جازت التسمية، بمعنى انه ظل مفتوحاً للقراءة والكتابة فأعيدت كتابته مراراً وتحولت من قصيدة إلى نشيد شعبي ديني يردد في طقوس معينة مما يعطي للقصيدة بعداً مضاعفاً، فهي تتجاوز دلالاتها اللغوية لانها ارتبطت بدلالات شعبية ودينية واصبحت تعبيراً عن ذاكرة شعبية وأسطورية، وهذا ما أشار إليه عدد من المستشرقين، فنيكلسون يرى شهرة "البردة" في كونها مما يمكن قراءته بلذة، لاسلوبها السلس الانيق وبمتعة لانها تقدم ضمن نطاق مقتضب، اسطورة مليئة بكل ما هو هائل وخارق حيث الشخصية التاريخية لمحمد ممجدة بشكل لا يكاد يشخص" ويرى هاملتون جيب: ان أهمية البردة تكمن في انها تحكي في نطاق وجيز اسطورة العصر الوسيط عن النبي.واذا كانت البردة تحمل في طياتها هذه الدلالات فلنا ان نتساءل عن استدعائها واستعادتها المتكررة من قبل الشعراء، والجرادة يتابع من سبقه ولا "ينفي هذا التقليدن فقصيدته كلها تقوم على أساس المشابهة والتوالد، وكأن قصيدة البوصيري أصل تتوالد منه فروع وأبناء، ويحاول الجرادة ان يضم قصيدته الى شجرة الانساب هذه، مشيراً بوضوح الى هذا الميراث من القصائد النبوية".ان استعادة الجرادة لبردة البوصيري ربما لا يضيف كثيراً الى المعارضات الشهيرة من قبله، ولكنه مع ذلك يصر على خوض التجربة لغاية أخرى لا تتعلق بالإبداع، بل تتعلق بالموقف من المقدس".لقد حاول كثير من الشعراء في اليمن كتابة القصائد الشعرية في مدح الرسول الاعظم وكانت معظم تلك القصائد تلقى في الاحتفال السنوي بذكرى المولد النبوي.. لما لهذه المناسبة العظيمة من أثر كبير في نفوس المسلمين في جميع البلاد العربية والاسلامية ومثل هذه المناسبات الدينية جعلت الشعراء يتبارون في تقديم مدائحهم النبوية كجزء من نشاطهم الأدبي الذي يقام في الأندية الثقافية.
|
ثقافة
نفحات البردة
أخبار متعلقة