فتاوى كثيرة تحرم على المرأة ممارسة السياسة زاعمة أن الإسلام حرم عليها هذه الممارسة وفرض عليها البقاء في بيتها للإنجاب فقط وخدمة الزوج هل حقا هذا موقف الإسلام أو هو موقف منع الفكر التشدد المتأسلم الذي يعادي المرأة أويخافها أويعتبرها غير مؤهلة وإن بلغت سن الكهولة فينصب نفسه وليا عليها إلى أن يضعها في القبر؟ إذا ان الأسباب الحقيقية لمنع المرأة من حقها السياسي لانجد له أصلا في الإسلام وعلى العكس من ذلك مكنها من هذا الحق في أكثر من آية. والسبب الحقيقي الذي يخفيه أويجهله من منع المرأة من حقّ الولاية هو تأثرهم في قراءتهم النصوص الدّينيّة بثقافة شعبيّة تعود جذورها إلى القرن الرابع قبل الميلاد -ولعلّها أقدم من هذا التاريخ- أمّا التاريخ الذي ذكرته فقد أقصى المرأة من أيّ نشاط سياسي ومنه ما قاله أرسطو:«الذكر أصلح للرئاسة من جنس الأنثى ومن ثمّ فتسلّط الرجال على النّساء مسألة طبيعيّة جدّا» (السياسة: 1259-أ-) ودور المرأة يقتصر على الإنجاب وتوفير اللذّة للرجال بقول ديموستين:»إننا نتّخذ العاهرات للذّة وأمّا الزوجات فلكي يلدن لنا الأبناء الشرعيين»وتواصلت هذه النظرة الدّونية للمرأة تغذّيها القراءات الرجاليّة لما جاء في الكتب المقدّسة ومنها القرآن الكريم الذي أعطى للمرأة حقّ الولاية السياسية في هذه الآية: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إنّ الله عزيز حكيم» ( التوبة: 71) فأثبتت هذه الآية للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودّة والتعاون المالي والاجتماعي وولاية النصرة الحربيّة والسياسيّة على حدّ عبارة محمد رشيد رضا في كتابه نداء للجنس اللطيف» وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء على السواء فأسس لحق المرأة في السياسة عملا بقوله تعالى: «يا أيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنّ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهنّ واستغفر لهنّ الله أنّ الله غفور رحيم «(الممتحنة: 12)وإضافة إلى مبايعة النساء اتّخذ الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة شريكا له في حلّ النزاعات السياسية في عصره فكانت أم سلمة هند بنت أبي أميّة مستشارته في يوم الحديبيّة بعد أن عقد الصلح مع قريش لما أمر صحابته أن ينحروا الهدي وكرّر ذلك ثلاث مرات فما قام منهم أحد معلنا العصيان، فدخل الرسول إلى أمّ سلمة يستشيرها، فقالت له :» يا رسول الله أتحبّ ذلك؟ اخرج ثمّ لا تُكلّم أحدا حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقا فيحلقك، فقام فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك... فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا...فانفرجت بذلك أزمة كانت تهدّد المسلمين بأوخم العواقب، ورجع الفضل في ذلك إلى أمّ سلمة ذات العقل النافذ والمشورة الصائبة (كتاب نساء حول الرسول)وأكبر دليل على أن الإسلام كفل للمرأة حقّها تصرف بعض أمّهات المؤمنين فمنهن من كان لها باع في السياسة، مثل عائشة رضي الله عنها، وظهر تدخّلها جليا في السياسة حين اختلف عليّ ابن أبي طالب وعمار بن يسار حول ما كان في بيت المال من الحلي، ونتج عن خلافهما أنّ عثمان بن عفان ضرب عمارا وشتمه فغضبت عائشة وأخرجت شعر رسول الله ونعله وثوبه وقالت: « ما أسرع أن تركتم سنة نبيكم، وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل». فغضب عثمان غضبا شديدا(1) . وبعدها ناصرت عبد الله بن مسعود لما عزله عثمان عن بيت المال بالكوفة وعيّن الوليد ابن عقبة، ثمّ ازداد تدخلها في الشأن السياسي لمّا تحيّز عثمان لبني أميّة، وعمّ الاستياء من ولاته وأمرائه، واستجار المظلومون بها، فألّبت الناس على عثمان ومن تحريضها عليه أنّها قالت لابن عباس وكان أمير الحجّ « يا ابن عباس إنّ الله قد أتاك عقلا وفهما وبيانا، فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية(2) وكانت من أشدّ الناس على عثمان(3) والغريب أنّها لما كانت في طريقها إلى المدينة عائدة من الحجّ بلغها مقتل عثمان وتولّي عليّ صاحت واعثماناه، ورجعت إلى مكّة فضربت قبّتها في المسجد الحرام وقالت: يا معشر قريش إنّ عثمان قد قُتل قتله عليّ بن أبي طالب والله لأنملة، أو قالت «لليلة من عثمان خير من عليّ الدّهر كلّه(4) وبقيت في مكّة تؤلب الناس على علي وتطالب بدم عثمان، وسبب هذا الانقلاب أنها كانت تتصور أنّ الأمر سيوكل إلى طليحة من قومها، فلما تولى عليّ هالها الأمر للخلافات التي كانت بينهما(5) .ولم تستسلم عائشة وخرجت في جيش كبير مع طلحة والزبير لتحارب عليا، وكانت هي التي تأمر وتنهى وهي المدبر، تولت بنفسها محادثة من زار معسكرها يستوضح الأمر، وألقت الخطب الحماسية بصوت جهوري مع عدة نسوة يحثن على القتال في موقعة الجمل التي هزمت فيها.ولسنا هنا لنحكم لعائشة أو عليها ولكن لنبيّن حقّ المرأة في المشاركة في الحقل السياسي منذ أيام الرّسول وبعده وإلى اليوم، وليس من الدين ولا من العقل أن تطوّر الحياة السياسيّة وتتولّى المرأة في العالم مناصب القرار، ومازلنا في العالم العربي والإسلامي نتجادل هل للمرأة حقّ في الحياة السياسية أو لا؟وفي الدور النيابي نذكر سوداء بنت عمارة ابن الأشطر الهمدانية التي مثلت قومها عند معاوية لما توسطت لديه لرفع المظالم التي كان يمارسها عامله عليهم، فقامت بعمل النائب في البرلمان ونجحت في مهمتها رغم أنها كانت -من المعارضة بتعبير العصر الآن- فهي من جماعة عليّ بن أبي طالب فأين هذا مما نقرأ ونسمع من فتاوى اليوم تحرم على المرأة العمل السياسي وتحرّم عليها حمل بطاقة قومية وتحرّم عليها كل الأنشطة وتمنعها حقّها في التصويت والانتخاب والحال أنّ ابن حزم أورد أنّ المسلمين في المدينة طافوا على البيوت يسألون النساء والصبيان رأيهم في انتخاب أبي بكر الصديق وإذ بنا بعد مضي أربعة عشر قرنا نمنع المرأة من حقها في الانتخاب فما بالك الولاية؟ وتأتي عديد الفتاوى لتحرم عليها حقها في هذا المجال استنادا إلى الحديث «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» (6) ولا يصلح هذا الحديث كحجة لعزل المرأة سياسيا للإشكاليتين التاليتين:إن راوي الحديث رواه تعليقا ردّا على موقف عائشة من علي بعد مرور خمسة وعشرين عاما على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقيل إن عمر ابن الخطاب أدان أبا بكرة راوي الخبر وجلده لأنه أدلى بشهادة زور، إذا الراوي مطعون في صدقه مما يشكك في صحة الحديث.على اعتبار أن الحديث صحيح رواه البخاري، فإنّ الخبر خاص بظرف زمني معيّن لا يعمّم حكمه على سائر الأزمان، ونص الخبر: سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يلي أمر فارس؟ قالوا امرأة، قال ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة» فيفهم من النص أنه نبوءة من الرسول بفشل سياسة الفرس على يد هذه المرأة التي عرفت بالميوعة و اللّا مسؤولية، ومما يدعم موقفنا القرآن الذي يصف ملكة سبأ وهي امرأة وصفا دقيقا يبرز به حنكتها السياسية وحسن تدبيرها لدولتها، ورجاحة عقلها، فهي تستشير رجالها قائلة: «يا أيّها الملأ أفتوني في أمري ما كنت فاعلة أمرا حتى تشهدون» (النمل: 32) فطلبت الرأي الرّشيد والنّصح المفيد، وعمدت إلى الشّورى عماد الديمقراطية، ولم تطلب القوة، وفكرت بذكاء حادّ في إنقاذ شعبها من جور الملوك، فكانت حقاّ ملكة يمكن أن يقتدي بها الحكّام اليوم في تكريس التشاور والحوار، والقضاء على الرأي الواحد والحكم الواحد.وهناك أمثلة كثيرة تفصح عن مشاركة المرأة في الحياة السّياسيّة فعاّلة بتولّي مناصب القرار كشجر الدرّ. أو بالنصح والتوجيه والتشجيع والنقد وغيرها. كأم سلمة التي ذكرناها سابقا وبناء عليه فمن حق المرأة اليوم أن تنقد بالقلم والكلم وعبر المؤسسات الدستورية المختلفة، وعبر وسائل الإعلام المتاحة وحسب قدرتها ومن حقّها أيضا أن تتولى المناصب القيادية مثلها مثل أخيها الرجل وهاهي السياسة بدأت تتأنث في الغرب فهل تهب رياح الغرب على الشرق فتغير الماء الراكد وتحرك الساكن. [c1]هوامش:[/c]1 - الطبقات الكبرى، 3/245. 2 - البلاذري، أنساب الأشراف 5/74- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة 2/77، ط القاهرة، 1329ه.3 4 - البلاذري،الأنساب 5/91 5 - زاهية قدورة، عائشة أم المؤمنين، ص 177، ط دار العلم للملايين، بيروت 1988. 6 - البخاري، الجامع الصحيح.أستاذة الدّراسات الإسلاميّة بجامعة الزيتونة تونس [c1] موقع ( ايلاف) الاليكتروني[/c]
|
اتجاهات
هل حرَّم الإسلام على المرأة السياسة ؟!
أخبار متعلقة